استمع إلى الملخص
- الحرب المستمرة للسنة الثانية تفاقم من الأزمة، مع توقعات بارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من ثلاثة آلاف جنيه، مما ينذر بزيادة الفقر والبطالة ونقص في الخدمات الأساسية.
- البنوك السودانية تسعى لتضييق الفجوة بين السعر الرسمي والموازي للعملات الأجنبية، وسط نقص في العملة الأجنبية وجهود لتغطية متطلبات استيراد السلع الأساسية، لكن الفجوة لا تزال قائمة.
انفلتت أسعار العملات الأجنبية في السودان في ظل السباق المحموم بين البنوك والسوق السوداء، بعدما وصل سعر الدولار إلى 1940 جنيهاً، بينما زادت البنوك السودانية سعرها ليصل إلى 1700 جنيه مقابل الدولار في وقت تعاني فيه البنوك السودانية أيضاً من شح النقد الأجنبي والمحلي، ما فاقم من وتيرة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ومع تفاقم الأزمات، لم تتخذ الجهات الرسمية قراراً بوقف التدهور غير المسبوق في العملة السودانية، وأصبحت السوق السوداء المتحكم الأساسي في الأسعار، ما زاد الضغوط على الاقتصاد. وتوقع خبراء أن يصل التدهور غير المسبوق في سعر الدولار إلى أكثر من ثلاثة آلاف جنيه نتيجة استمرار الحرب للسنة الثانية على التوالي، ما يؤدي إلى زيادة وتيرة الفقر ومعدلات البطالة واضطرابات الأسواق، والنقص في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، كما ظهر حاليا في ندرة الوقود وانقطاعات الكهرباء وانعدام المياه.
واعتبروا أن السوق السوداء ظلت تلعب دوراً أساسياً في تمويل الأنشطة العسكرية وتعزيز الاقتصاد غير الرسمي، ما يقوض السياسات النقدية والمالية للدولة. ونتجت عن السباق بين السوقين الرسمية والموازية لشراء العملات زيادة في الطلب عل النقد الأجنبي مقارنة بالعرض.
حيث تعاني المصارف السودانية من قلة النقد المحلى "كاش" وعمدت بعض البنوك إلى تحديد سقف للسحوبات اليومية من حسابات العملاء، وشكا عملاء من عدم حصولهم على رواتبهم الشهرية وقالوا إنهم ينتظرون لفترات طويلة للحصول على النقد، ما فسره مختصون بأنه بداية الانهيار للنظام المصرفي الذي يعيش فوضى غير مسبوقة في تاريخه. وفي السياق نفسه، تسعى البنوك السودانية إلى تضييق الفجوة بين السعر الرسمي والموازي للعملات الأجنبية لجذب العملات الأجنبية، وسط معاناتها من نقص كبير في العملة الأجنبية لتلبية الاحتياجات الحكومية المتزايدة بسبب استمرار الحرب وتوقف الصادرات وعزوف المواطنين من التعامل مع البنوك.
يقول الاقتصادي إبراهيم توفيق لـ"العربي الجديد" إن بنك السودان أصدر توجيهات للبنوك بضروة توفير العملة الصعبة من دون تحديد سقف للسحوبات، في محاولة منه لتغطية متطلبات استيراد السلع الأساسية التي شارفت على الانتهاء مع توقف القطاع الخاص عن الاستيراد، خاصة بعد الأزمة الكبيرة التي يشهدها السودان في ما يتعلق بندرة الوقود والقمح والدقيق.
ورغم القرارات التي صدرت من بنك السودان ووزارة التجارة بإيقاف ومعاقبة عدد من الشركات التي لم تورد حصائل صادراتها، إلا أن القرار لم يغير في واقع الحال شيئا لتوقف تلك الشركات عن العمل، ما تسبب في أزمة نقد حقيقية ظلت آثارها ماثلة في تحكم السوق الموازية بالأسعار، حيث أكدت وزارة التجارة أن الخزينة العامة فقدت أكثر من 700 مليون دولار من عائدات صادر الثروة الحيوانية، تبعها إحجام من الشركات عن العمل.
ويؤكد اقتصاديون ومصرفيون أن خفض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية من قبل البنوك السودانية يشكل ضرراً على البنوك لما في ذلك من آثار سلبية على قيمة الأصول المملوكة لها، وليس من مصلحتها زيادة سعر العملات الأجنبية، وبالتالي هي لا تسعى إلى ذلك، نسبة للطلب العالي على العملات الأجنبية في مقابل محدودية المعروض.
وطالبوا البنك المركزي بتبني سياسات للحد أو التقليل من الطلب والعمل على زيادة العرض من الصادرات وتحويلات المغتربين بوضع سياسات تحفيزية. ولكن الاقتصادي محمد الناير يرى أن التعديلات التي تقوم بها البنوك السودانية أمر طبيعي في ظل الوضع الحالي، باعتبار أن سياسة بنك السودان قبل الحرب تمنح البنوك حرية رفع سعر الصرف حسب المعطيات والمتطلبات، وهذه ضرورة لجذب تدفقات النقد الأجنبي.
ويضيف أنه في حال استمرت الفجوة بين البنوك والسوق الموازية فلن يحقق رفع سعر الصرف الغرض المنشود منه، كما أن تحقيق الأهداف مرهون بتساوي الأسعار بين البنوك والسوق الموازية. ويتابع: "واضح أنه لا تزال هنالك فجوة موجودة لكن القفزة التي حدثت في أسعار البنوك كان الدافع الأساسي لها جذب عائدات الصادر إلى البنوك ومن ثم استبدالها بالعملة المحلية، وهذا ما لم يحدث، وهنا لا بد أن تكون هذه العملية بمقابل مجزٍ للمصدرين ووسط سياسات تحفيزية واسعة.
وأجمع اقتصاديون على أنه إذا كان رفع سعر الصرف في البنوك لتجسير الفجوة بين البنوك والسوق السوداء يساعد الشركات في دفع حصائل الصادرات فهو أمر إيجابي، أما إن كان لتحفيز الصادر فالأمر لن يحقق أهدافه.