تراجعت تربية الجواميس في سورية خلال السنوات الأخيرة، وقلت أعدادها بسبب انعدام الدعم من مؤسسات النظام السوري والإدارة الذاتية في مناطق تربيتها، التي توقفت عن تقديم الأعلاف والأدوية البيطرية للمربين، وقلة اهتمام مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية بالثروة الحيوانية، والتي تتركز تربية الجواميس في المناطق الواقعة تحت سلطتها في القامشلي والمالكية.
وأوضح عبد الحويجة من حارة الطي في مدينة القامشلي، وهو أحد مربي الجواميس لـ"العربي الجديد"، أنها تحتاج إلى عناية خاصة وطريقة تربيتها مختلفة قليلًا عن تربية أنواع المواشي من أبقار أو أغنام، لها معاناة ومميزات ومحاسن، وقال: "هناك عائلات كثيرة في الجزيرة السورية، تعتمد في مصدر دخلها على تربية الجواميس، لكننا نعاني من مشاكل مثل ارتفاع أسعار الأعلاف وأسعار بيع المنتجات من لبن وحليب، أي لا يوجد توازن بين مردود الإنتاج والتكلفة الإنتاجية".
وتابع الحويجة: "مع بداية شهر إبريل/ نيسان ننتقل من القامشلي إلى منطقة الرقة بسبب حاجة الجواميس إلى المياه النظيفة ونحن هنا نعاني من الجفاف وخاصة الجفاف الذي يصيب نهر جغجغ مصدر المياه الرئيسي، والذي تقطعه تركيا نظراً لوجود منبعه داخل الأراضي التركية، التي تضخ مياه الصرف الصحي الملوث في مجراه في فصل الصيف مما يسبب أمراضا للمواشي والسكان حول ضفاف النهر، والتنقل إلى الرقة وحوض نهر الفرات سببه وجود مراعٍ ومساحات عشبية في تلك المناطق، لأن الاستمرار في تقديم العلف على مدار السنة مكلف، ونبقى هناك إلى الشهر العاشر وأحيانا إلى تشرين الثاني".
أما عن طريقة صنع القشدة أو "الكيمر" قال الحويجة: "لها طريقة خاصة، قشدة حليب الجاموس سعر الكيلو منها من 80 إلى 100 ألف، وهي لا تغطي سعر التكلفة ونحن حالياً نعتمد في العلف على التبن فقط، بينما سابقاً كنا نعتمد الكسبة والنخالة وبذور القطن والقمح المجروش بينما الآن نعتمد على التبن والقليل من النخالة، وسابقاً كانت لنا دورة علفية وكانت للجواميس مخصصات علفية بشكل شهري، وحالياً كل الدعم متوقف ونضطر إلى شراء العلف من السوق الحرة، وبالتالي نعاني من جفاف النهر وانقطاع الكهرباء والروائح الكريهة".
أما أحمد اليعربي، مربي الجواميس في مدينة القامشلي فقال لـ "العربي الجديد": "بالنسبة إلى واقعنا هنا الوضع صعب بالنسبة لتوفير المياه، أحيانا نضطر للانتقال من مكان إلى آخر في سبيل البحث عن المياه الصافية النظيفة والأجواء المناسبة والتي تكون أفضل من هنا. وقال إن وضع المياه صعب جداً وفي فصل الصيف، حيث تزداد الصعوبة فالآبار تجف ونتمنى المساعدة.
وقال اليعربي: "نعاني كثيراً من ضيق المكان وقلة كمية العلف المخصص لكل رأس والتي تقدر بنحو 100 كغم من النخالة لكل منها خلال شهر واحد؛ وهذه الكمية تنتهي خلال يومين فقط، ونظراً لعدم توافر مادتي القشر والكسرة في مؤسسة الأعلاف، نضطر لشرائها من السوق السوداء بأسعار مرتفعة ونتكبد مصاريف إضافية أخرى، لذلك ومن أجل التوفير نخلط هذه المواد جميعها مع التبن لتوفير جزء بسيط من التكلفة الشهرية للعلف".
وتابع القول: "الكثير من المربين يضطرون لبيع بعض حيواناتهم لتأمين العلف لبقية القطيع"، وأشار إلى أن قلة الأعلاف انعكست على مردود وإنتاجية القشدة، قائلاً: "نحن نبيع بأسعار رخيصة نسبياً بينما أصحاب المحالّ يبيعونها بضعف السعر الذي يشترونه من المربين".
وتعتبر الجواميس مع وجود اختلاف في الشكل والحجم، من الحيوانات التي تتأثر بالبرودة في فصل الشتاء وكذلك بالحرارة في الصيف، لذلك تربى دائما على ضفاف الأنهار وبالقرب من المسطحات المائية، لأنها بحاجة ماسة للتخفيف من حرارة جسمها، وعلى الرغم من وزنها الثقيل الذي يصل إلى 800-1000 كغ، فإنها تتمتع بقدرة عالية على السباحة في مياه عميقة دون أن تغرق. وتختلف الجواميس عن باقي الثدييات الأخرى، فهي لا تلقح إلا من ذكر خارج القطيع، وتختلف عن الأبقار بإنتاجها القليل من مادة الحليب لكنها تتفوق عليها في نسبة الدسم، فمتوسط إنتاج الجاموسة الواحدة من الحليب يتراوح بين 7-8 كغم يومياً، لكن تُستخرج منها مادة تسمى "الكيمر" التي لا تُستخرج إلا من حليبها.
في الشأن ذاته، يذكر الطبيب البيطري، محمد عثمان لـ"العربي الجديد" أن هناك تشابها بين الأمراض التي قد تتعرض لها الجواميس والأبقار على حد سواء، وهو مرض "الحمى القلاعية" الذي يؤدي إلى ظهور بثور على الضرع ومحيط الفم وداخله، أما مرض "حمى النفاس" فتتعرض له الجاموسة بعد الولادة نتيجة انخفاض كبير في درجات الحرارة ونقص في الكلس، وهناك أمراض أخرى مثل "التهاب الرئتين"، والإصابة بالطفيليات العامة، ويمكن التخلص من كل تلك الأمراض باستخدام رشيد للأدوية، لكن الأمر الأصعب هو تناول الجواميس بعض الأدوات الجامدة، مثل الحديد والزجاج والأقمشة التي تلتقطها نتيجة ترددها على مكبات القمامة، ففي هذه الحال نضطر لإدخال قطعة مغناطيس في أمعائها حتى تلتقط جميع المعادن التي بداخل بطنها.
وأضاف الطبيب: "تُقدر أعداد الجواميس بحسب آخر إحصاء أجرته دائرة الثروة الحيوانية عام 2010 بنحو 2500 رأس تتم تربيتها في حي الطي، أحد أحياء مدينة القامشلي، الذي يقع في الجنوب الشرقي من مركز المدينة، ويبعد عنه قرابة 5 كم. واشتهر جزء من هذا الحي بتربية الجواميس منذ فترة الستينيات من القرن الماضي ولا تزل هناك أعداد منها تتم تربيتها في منطقتي رأس العين شمال الحسكة، وعلى ضفة نهر دجلة في قرية المرج الأخضر، بمنطقة المالكية، أقصى شمال شرق محافظة الحسكة السورية".
من جانبه، أشار محمد زكي، أحد أصحاب محال بيع "الكيمر"، في سوق القامشلي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الكيمر من المأكولات الشعبية التي تشتهر بها سورية والعراق، لافتاً إلى أنه يقدم على مدار العام في المطاعم في مدينة القامشلي، ولا يتوقف الطلب عليه نتيجة لمذاقه الفريد، فيما يصدر الفائض منه لبقية المحافظات، حيث يُعتبر من الوجبات الرئيسية في سحور رمضان.