مع فشل القروض الاستهلاكية في التسويق للمنتجات الجزائرية، توجه البنك المركزي لاعتماد "القروض الشرعية" أو "الحلال"، من أجل تحريك الخدمات البنكية والترويج للمنتجات المحلية، والتسويق للصيرفة الإسلامية، ضارباً بذلك عدة أهداف بحجر واحد.
ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه الصيرفة الإسلامية تعاني من أجل كسب مكانة بقطاع التمويلات في الجزائر، رغم التسهيلات العديدة التي قُدمت لها. وأثبتت الشبابيك الإسلامية التي لجأت إليها البنوك لاستقطاب الأموال النائمة والزبائن، محدودية إغرائها للجزائريين.
ولذلك، أعطى البنك المركزي رسمياً الضوء الأخضر للبنوك الناشطة في الجزائر، لتقديم خدمات وفق الشريعة الإسلامية، تتعلق أساساً بتمويل شراء سلع منتجة محلياً بقروض دون فوائد أو "حلال"، وذلك لكسر المقاطعة التي عرفتها القروض الاستهلاكية الكلاسيكية لارتفاع نسب الفوائد ورفض الجزائريين للتعامل بالقروض "الربوية".
ما هي القروض الحلال؟
حسب مدير التسويق في أحد البنوك العمومية، جمال بلعبيدي، فإن "القروض الحلال بديلة للقروض الاستهلاكية، وهي صيغة مبنية على المرابحة لتمويل البيوع، وهي صيغة إسلامية مربحة، حيث يشتري البنك المنتجات المحلية بصيغة ويبيعها بصيغة أعلى، يتفق عليها البنك مع الزبون، على أن يكون هناك اقتطاع شهري من الراتب لا يتعدى ثلث الراتب".
وشرعت البنوك بالترويج للقروض الحلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى واجهات وكالاتها، وتمسّ العروض الهواتف الذكية، وأثاث المنازل والمكاتب، في انتظار السيارات التي تُعَدّ المنتج الأكثر طلباً، وذلك في ظل تجميد الجزائر لمصانع تجميع السيارات.
وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "القروض الحلال جاءت كإجراء يساعد المواطن الجزائري على تلبية احتياجاته، في ظل تراجع قدرته الشرائية بسبب تهاوي قيمة الدينار، وهي تغطي كل ما يُصنع أو يُركب في الجزائر من أجهزة إلكترونية وكهرومنزلية، بالإضافة إلى الأثاث والهواتف الذكية والسيارات، والدراجات النارية والشاحنات".
وتابع: "يشترط البنك المركزي ألا يتعدى قسط السداد 30% من الدخل الصافي للشخص المدين شهرياً، ولا تتجاوز مدة 60 شهراً، شرط ألا يقل دخل الشخص المدين عن 25 ألف دينار شهرياً، أي 179 دولاراً".
عزوف عن القرض الاستهلاكي
يعرف "القرض الاستهلاكي" الذي أطلقته الحكومة الجزائرية قبل خمس سنوات والموجه لتشجيع شراء المنتجات المحلية، عزوفاً كبيراً من طرف المواطنين، بسبب غلاء السلع وارتفاع نسب الفائدة، فيما لا تزال صيحات المختصين والخبراء مستمرة لإنقاذ هذه الصيغة من القروض التي تهدف، حسب الحكومة، إلى حماية القدرة الشرائية، ودعم كل منتج حامل لوسم "صنع في الجزائر".
وكان خبراء مال في الجزائر، قد توقعوا فشل "القروض الاستهلاكية" في إغراء الجزائريين، وفق الصيغة التي طرحتها الحكومة سنة 2016، المتميزة بارتفاع نسب الفوائد، في ظل تهاوي قيمة الدينار التي أثرت سلباً بقدرة المواطن الشرائية، إلا أنهم يؤكدون أن الحكومة مجبرة اليوم على التدخل مجدداً لوضع ضوابط جديدة.
ويرى الخبير المصرفي والمستشار الحكومي، أمين بن صاولة، أن عزوف المواطنين كان منتظراً ومتوقعاً منذ البداية، وذلك لعدة عوامل، أولها نسب الفوائد، فكل قرض بنكي مرتبط بنسبة الفائدة ومدى تأثيرها بسعر الشيء الممول.
أضاف: "إذا كان جهاز كهرومنزلي، مثلاً، سعره 50 ألف دينار (450 دولاراً)، فإن سعره سيرتفع إلى حوالى 70 ألف دينار (630 دولاراً) بفعل احتساب نسبة الفائدة للقرض الاستهلاكي."
وتابع المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "الحديث عن الفوائد الربوية لم يعد ذا أولوية عند الجزائريين، بل المهم عندهم اليوم كيف يحافظون على قدرتهم الشرائية، فكل التخوفات حول الربا من عدمه زالت عند الجزائريين مقابل تخوفهم من انهيار بات وشيكاً لقدرتهم الشرائية، بفعل تهاوي قيمة الدينار، فإذا كانت القروض الحلال تعرض أسعاراً نهائية ترابحية مرتفعة، فالنتيجة ستكون سلبية بالنسبة إلى المواطن، المهم من يقدم أقل سعر، لا من يقدم سعراً حلالاً أو حراماً".
ارتفاع التضخم
ويعاني الجزائريون من موجات متتالية للغلاء، حيث بلغت نسبة التضخم، في يونيو/ حزيران الماضي 5.66%، حيث ارتفعت بـ 3.4% مقارنة بالسنة الفائتة. ويأتي ذلك في ظل تراجع متواصل للدينار الجزائري مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار السلع الضرورية.
من جانبه، أكد مدير مكتب الدراسات الاقتصادية "ايكو ايتود"، عمر شعبان، لـ"العربي الجديد" أن "انطلاقة القروض الاستهلاكية كانت عرجاء وفق دراسة لا تتماشى مع الواقع، حيث لم تُراعَ نسبة التضخم لا قيمة الدينار عند وضع آليات الاستفادة منه".
وأضاف أنه إذا كانت الحكومة الجزائرية تسعى فعلاً إلى إنجاح القروض الحلال، ومن ورائها الإنتاج المحلي، فعليها إعفاء مثل هذه القروض من الرسوم الإضافية، حتى ينزل السعر المرجعي، وبالتالي يكون القرض في متناول الجميع.