الجزائر: صدام بين البرلمان والحكومة حول "التقاعد المُسبق"

01 مارس 2024
مطالب بمراجعة نظام التقاعد في الجزائر (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

عاد ملف تعديل نظام التقاعد إلى واجهة المشهد في الجزائر وهذه المرة من باب البرلمان، الذي يشهد حراكاً تحاول فيه تكتلات سياسية تقديم مقترح قانون يقضي بعودة العمل بـ"التقاعد المُسبق"، في وقتٍ تتمسك الحكومة بالنظام الحالي المُعتمد منذ 2017، بحجة عجز صندوق التقاعد عن تحمّل تغطية معاشات المتقاعدين.

وتقدمت كتلة حزب حركة مجتمع السلم (حمس)، بمقترح مشروع قانون يُعدل نظام التقاعد في الجزائر تسمح المادة الثانية منه "للعامل أن يستفيد من معاش التقاعد عند استيفاء أحد الشرطين: الأول بلوغ 60 سنة على الأقل، غير أنه يمكن إحالة المرأة على التقاعد بطلب منها ابتداء من 55 سنة. والثانية قضاء مدة 32 سنة على الأقل في العمل"، وهو النظام المعمول به سابقا، وضيّقته الحكومة بإلغاء شرط 32 سنة من العمل، بفعل تهاوي عائدات النفط منذ 2014.

كما يقترح مشروع القانون الذي بادرت به حركة "حمس"، والذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، "استفادة العمال الذين قضوا أكثر من 32 سنة عملا فعليا في دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي من زيادة المعاش بنسبة 2.5 بالمائة عن كل سنة خدمة، كما يستفيد من تخفيض بـ5 سنوات مَنْ زاول فترة عمله الفعلي في الجنوب الكبير، ونفس الشيء بالنسبة لمن زاول عمله الفعلي بالجنوب الجزائري، حيث يستفيد من تخفيض بـ3 سنوات".

فيما نصت المادة السابعة منه على أن "العمال الذين يمارسون عملهم في مناصب تتميز بظروف عمل شاقة يستفيدون من معاش عند بلوغهم سنة 55 بالنسبة للرجال و50 بالنسبة للنساء، مع أداء مدة عمل فعلية ودفع اشتراكات تعادل 20 سنة على الأقل".

وهي المادة التي رفضتها رئاسة البرلمان الجزائري، حسب ما علمته "العربي الجديد"، بحجة تعارضها مع نص المادة 147 من الدستور الجزائري التي تنص على أنه "لا يقبل اقتراح أي قانون، مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية أو زيادة النفقات العمومية إلا إذا كان مرفوقًا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها".

وإلى ذلك، كشف النائب يوسف عجيسة صاحب مقترح القانون أن "رئاسة البرلمان قبلت مقترح القانون من حيث الشكل والمضمون، وهي الخطوة الأولى، وسيُرفع إلى مكتب الحكومة لمناقشته، وقد قدمنا كل الأسباب والدراسات بالأرقام والإحصائيات، حول أثر التعديل على الخزينة العمومية وصندوق التقاعد".

وأشار نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" إلى "إمكانية اللجوء إلى الأموال المكتنزة داخل الصندوق الاحتياطي للتقاعد الذي استحدث عام 2006، وكان يمول في بداية استحداثه بـ2 بالمائة من الجباية البترولية لترفع النسبة إلى 3 بالمائة، لتغطية معاشات المتقاعدين الجدد، فالحكومة باستطاعتها اليوم اللجوء إلى الأموال المكتنزة في هذا الصندوق، التي تقارب اليوم 20 مليار دولار لسد العجز الذي يعاني منه الصندوق، حسبما كشفه الوزراء المتعاقبون على وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي".

وتابع عجيسة قائلاً: "مراجعة نظام التقاعد باتت ضرورة حتمية مع تزايد المطالب بحق العامل في التقاعد، سواء المسبق المستوفي اشتراكه أو العامل الذي قضى 32 سنة من العطاء والخدمة، خاصة بعد انتعاش الخزينة العمومية".

وحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن الحكومة ممثلة في وزارة العمل والتشغيل ستقابل مقترح القانون الذي بادر به البرلمان بالرفض القاطع، بحجة غياب الموارد المالية، في ظل تسجيل صندوق التقاعد لعجز سنوي مركب، بات يهدد معاشات أكثر من 3.5 ملايين متقاعد في الجزائر.

وكانت الحكومة قد أقرت تعديلاً على نظام التقاعد سنة 2017، لخفض كتلة المعاشات في الجزائر بإلغاء التقاعد المُسبق الذي يعطي لأي شخص عمل في المجموع 32 عاماً، حق التقاعد من دون انتظار السن القانونية لذلك، والمحدد بستين عاماً، وأبقت الحكومة على شرط بلوغ العامل سن 60 سنة بالنسبة للرجال و55 سنة للمرأة على الأقل، لكي يستفيد من التقاعد، في حين يمكن للعامل أن يضيف 5 سنوات أخرى بموافقة صاحب العمل.

كما خصَّصت الحكومة، بموجب موازنة سنة 2018، ضريبة تقدّر بنسبة 1% على المنتجات المستوردة التي يعاد بيعها، لفائدة صندوق التقاعد، وإن كان ذلك غير كافٍ، نتيجة للتدفّق الهائل للعمال الذين بلغوا سن التقاعد القانونية والتقاعد المبكر لعمال آخرين منذ سنة 1995. ومن جهة أخرى، نتيجة لقلة عدد الموظفين المساهمين في هذا الصندوق، ما يدفع الحكومة إلى اقتراض سنويا من الخزينة العمومية لتغطية العجز المالي لصندوق التقاعد الذي قفز بنسبة 853.6% منذ عام 2013.

وفي السياق، يقول النقابي والمختص في قانون العمل نور الدين بوضربة لـ"العربي الجديد" إن "أزمة صندوق التقاعد ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة تراكم نتائج سوء التسيير والاعتماد المفرط على عائدات النفط، وما زاد تعقد الوضع هو ارتفاع البطالة في عامي 2020 و2021 جراء جائحة فيروس كورونا، ما يعني تراجع الاقتطاعات من أجور العمال".

ويضيف أن "اللافت هو تلقّي مسؤولين جزائريين معاشاتهم من صندوق الإطارات الممول من صندوق التقاعد، وهذا إجحاف في حق العمال، لأن نسب الاشتراك تكون غير متساوية من حيث السنوات، فمثلا الوزير بعد 10 سنوات عمل يحق له تقاضي معاش 100% وهو نفس الحق للنواب، فيما يضطر العامل لبلوغ سن 60 سنة لتلقي معاش كامل، لذلك وإحقاقا للعدالة الاجتماعية يجب تعديل نظام التقاعد الحالي المجحف".

المساهمون