رضخت الجزائر أخيرا لضغوط المصدرين، وقررت تعديل السياسة النقدية ومراجعة قانون القرض والنقد محل انتقاد المستثمرين، وذلك لتشجيع التصدير، بهدف توفير العملة الصعبة.
وقرر مجلس القرض والنقد التابع للبنك المركزي الجزائري، تخفيف القبضة بشكل طفيف على ضوابط صرف العملات الأجنبية بالنسبة للمصدرين، للسماح بتنمية الصادرات خارج قطاع الطاقة، وذلك باعتماد المجلس في اجتماعه، الأحد الماضي، "مشروع لائحة متعلقة بالقواعد المطبقة على المعاملات الجارية في الخارج وحسابات العملات".
وفي هذا السياق، أكد وزير المالية الجزائري أيمن بن عبد الرحمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا القرار جاء في إطار تكييف القوانين المُنظِمة لحركة الأموال من الجزائر وإليها، وفق ما تقتضيه المرحلة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، وأيضا تطورات الأوضاع في العالم".
وأضاف الوزير الجزائري أن "قرار منح الحرية للمصدرين في التصرف في أموالهم جاء تطبيقا لقرارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي جعل من رفع الصادرات أكبر ورشات برنامجه، والأكيد ستكون هناك ليونة أكثر في التعامل مع المصدرين من طرف المركزي الجزائري تشجيعا للمنتجات المحلية وللاقتصاد، وسيكون الهدف القادم هو فتح فروع للمركزي في عواصم الدول الشريكة لنا تجاريا في أوروبا وأفريقيا".
وتنص المادة المعدلة في مشروع اللائحة الجديد على أنه "يسمح للمصدرين بإيداع جميع عائدات صادراتهم في حسابات بالعملات، لتلبية احتياجات نشاطهم".
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الإجراءات "معفاة من الضرائب وإجراءات التوطين البنكي بالنسبة للصادرات المتعلقة بالخدمات الرقمية وكذلك تلك المتعلقة بخدمات الشركات الناشئة والمهنيين غير التجاريين".
وحسب البنك المركزي الجزائري، فإن "التغييرات الجديدة التي أدخلت على لوائح الصرف الأجنبي، لا تهدف فقط إلى تشجيع عملية التصدير، من خلال السماح للمصدرين بالحصول على جميع عائدات النقد الأجنبي الناتجة عن أنشطتهم، ولكن أيضًا لاستمالة، في نهاية المطاف، كل الفاعلين في مجال التجارة الخارجية، خاصة في قطاع الخدمات الرقمية وعبر الإنترنت، وكذلك المهنيين غير التجاريين، من أجل دمجهم في الاقتصاد الرسمي".
وكان البنك المركزي يلزم المصدرين للسلع أو الخدمات أو حتى الشركات الأجنبية الناشطة في الجزائر بالتصرف في 40 بالمائة من عائدات صادراتهم بالعملة الأجنبية، فيما تحول 60 بالمائة المتبقية إلى الدينار الجزائر على أن يبقى 30 بالمائة في حساب المُصدر كضمان لتغطية أي غرامات بنكية أو جمركية محتملة.
وتسعى الجزائر جاهدة إلى تعزيز صادراتها بعد تهاوي عائدات النفط التي تمثل 92 بالمائة من عائدات البلاد، إلى الثلث، منذ 2014، في وقت تشكل فيه الصادرات من مشتقات النفط نصف الصادرات خارج النفط.
وتراجعت إيرادات الجزائر من النقد الأجنبي منذ 2014 بسبب الصدمات النفطية المتعاقبة، من 60 مليار دولار إلى 33 مليار دولار في 2019، ونحو 23 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
ولا تزال الصادرات غير النفطية هامشية، إذ بلغت قيمتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 520 مليون دولار، ما يعادل 7.6 بالمائة من المبيعات الجزائرية نحو الخارج خلال هذه الفترة، ويشكل النفط أهم الصادرات الجزائرية نحو الخارج، إذ مثل 92.4 بالمائة من قيمة الصادرات.
وتهدف الحكومة الجزائرية إلى رفع صادرات البلاد خارج النفط إلى 5 مليارات دولار في نهاية السنة الحالية، وذلك من خلال دعم عمليات تصدير المنتجات الزراعية والإلكترونية والخدمات، بإقرار إعفاءات جمركية ودعم النقل البحري.
واعتبر رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري أن قرار "تخفيف الحكومة للقيود المفروضة على عمليات التصدير، وإن جاء متأخرا، إلا أنه مرحب به من طرف المصدرين، الذين ظلوا يشتكون من عدم قدرتهم على التصرف في أموالهم بطريقة حرة، وهو ما جعل العديدين منهم ينسحبون من مجال التصدير ويكتفون بالتسويق المحلي".
وأضاف ناصري لـ"العربي الجديد"، أن "البنك المركزي يحول 60 بالمائة من عائدات الصادرات من اليورو والدولار إلى الدينار، وعندما يحتاج المنتج أو المصدر لسلع أولية يضطر لشراء العملة من البنك المركزي بسعر مرتفع، كون أنه ربحي وليس جمعية خيرية، خاصة أن تهاوي الدينار يستمر بطريقة متسارعة".
وقال: "بالتالي تربح البنوك مرتين مع المصدرين، في حين يخسرون هم مرتين للأسف، أما اليوم يمكن للمصدر التصرف بحرية في أمواله بالعملة الصعبة، ما سيسمح له بالبحث عن فرص استثمار في الخارج، كل هذا يصب في فائدة البلاد".
وطالبت جمعية المصدرين الحكومة بإتباع هذا القرار بحزمة قرارات أخرى محفزة للمصدرين، وقدرت انكماشا في عائدات الصادرات بسبب وقف عمليات التصدير خارج المحروقات بمليار دولار.
وحسب الجمعية، فإن عديد الزبائن من فرنسا وإسبانيا وكندا وبعض دول أفريقيا طالبوا بمنتجات سجلت فائضا هذه السنة، على غرار البطاطا والبصل والبطيخ الأحمر والشمام، غير أن قرار المنع فوت على الناشطين فرصة الاستجابة لهذه الطلبيات، وكلف خسائر أيضا في السلع التي لم تجد طلبا داخليا عليها نتيجة الاكتفاء، بالإضافة إلى غياب وسائل التخزين والتبريد.