عادت الحكومة الجزائرية إلى النقطة "الصفر" في ما يتعلق بملف استيراد السيارات الجديدة، وذلك بعد إفراجها عن دفتر الأعباء المنظم لعملية الاستيراد، تمهيداً لفتح الأبواب أمام المستوردين لمواجهة ارتفاع الطلب في ظل توقف مصانع تجميع السيارات عن العمل منذ 2019.
وفي ظرف شهرٍ أطلق وزير الصناعة الجزائري، فرحات آيت علي، عدة تصريحات متقاطعة ومتناقضة، تترجم تخبط الحكومة في تسيير الملف الذي بات يؤرق السلطات التي عجزت عن إطلاق دفتر أعباء جديد ينظم نشاط تجميع السيارات.
وكان وزير الصناعة قد كشف منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2020 عن أن "الجزائر ستعود لاستيراد السيارات الجديدة لمواجهة مطلع 2021"، قبل أن يتراجع نهاية الشهر نفسه عن أقواله ويكشف تأجيل العملية للنصف الثاني من 2021، قبل أن يعود مجدداً في 9 يناير/ كانون الثاني الحالي ويصرح بأن عملية الاستيراد ستُفتح في شهر فبراير/ شباط دون تقديم توضيحات ولا أسماء الوكلاء المعنيين بالعملية.
وحسب معلومات "العربي الجديد" فإن وزارة الصناعة ستفرج قريباً عن قائمة الوكلاء الذين سيشرفون على استيراد السيارات الجديدة، وذلك بعد استقبال الحكومة لأكثر من 50 ملف اعتماد من طرف مستثمرين بالقطاع الخاص.
إلى ذلك، يقول رئيس نقابة وكلاء السيارات متعددي العلامات، يوسف نباش، إن "الحكومة لا تدري ماذا تفعل في ملف استيراد السيارات، هي تريد الاستيراد ولا تريده، تريده لمواجهة ارتفاع الطلب المحلي ولا تريده للوضعية الاقتصادية الصعبة للجزائر، هناك تخبط يربك السوق التي تعيش ضغطاً بسبب انعدام العرض".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أن "الوكلاء دفعوا ملفات الاعتماد تماشياً مع دفتر الأعباء، إلا أن وزارة الصناعة تماطل في الإفراج عن القائمة النهائية، والإشكال الآخر هو السقف الذي حددته الحكومة بملياري دولار، هل هي فاتورة السيارات الجديدة أم تدخل فيها هياكل السيارات الموجهة للتجميع؟ يجب أن تفصل الحكومة في هذا الملف".
وقررت الحكومة في الموازنة التكميلية لسنة 2020، غلق مصانع تجميع السيارات، مع السماح للوكلاء الممثلين للعلامات العالمية باستيراد سيارات جديدة موجهة للبيع، مع رفع الرسوم الجمركية المُطبقة على العملية. وجمدت الجزائر استيراد السيارات الجديدة مطلع 2018، وذلك لكبح الواردات التي تخطت 4 مليارات دولار سنة 2016، ولدعم مصانع التجميع المعتمدة منذ 2016، التي تمثل علامات رينو الفرنسية وفولكس فاغن الألمانية، وكيا وهيونداي الكوريتين الجنوبيتين، بالإضافة إلى إيفيكو الإيطالية.
لكن سرعان ما توقفت المصانع عن تجميع السيارات سنة 2019، بعد سجن ملاكها في قضايا فساد، في أعقاب إطاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطلع السنة ما قبل الماضية، ما أحدث خللاً في كفتي ميزان العرض والطلب، وأثر في أسعار السيارات المستعملة التي قفزت وباتت خارج قدرة الجزائريين الشرائية.
وانتقل ملف استيراد السيارات إلى داخل البرلمان الجزائري، حيث تحول إلى ورقة سياسية في يد النواب الذين يضغطون على حكومة رئيس الوزراء عبد المجيد جراد، بين تأييد ومعارضة للخطوة.
وفي هذا الإطار، يقول عضو مجلس الأمة (البرلمان الجزائري)، عبد الوهاب بن زعيم، إن "رخص استيراد السيارات ستسلم قريباً، المشكلة ليست في تسليم الرخص ومن المستفيد، بل المشكلة هل عندنا أموال بالعملة الصعبة تكفي لتمويلهم وبالسعر الرسمي؟ احتياطاتنا بالعملة الصعبة تتآكل كل يوم، علماً أن استيراد السيارات يُفوتر (إصدار فواتير) بمئات الملايين من الدولارات سنوياً".
ويضيف: "ثم ما علاقة وزارة الصناعة برخص الاستيراد؟ حسب ما أعلم عمليات الاستيراد والبيع والشراء من اختصاص وزارة التجارة، لذلك ندعو إلى تجميد هذه العمليات والتزام القانون، لكي نحافظ على العملة الصعبة ونترك المجال للمواطنين والمهاجرين بتمويل العملية بإمكاناتهم الخاصة".
ويذكر المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أنه "توجد رقابة صارمة في العالم وأوروبا على نوعية السيارات والبطاقات الرمادية بمعنى يستحيل تزويرها، وما علينا إلا أن نراقب النوعية التي تدخل بدفتر شروط تقني، نتمنى أن تتخذ الحكومة هذه الإجراءات، فاليوم اتُّخِذَت إجراءات من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حق مسؤولين بوزارة النقل لعدم الحفاظ على العملة الصعبة، بعد استيراد عتاد للخطوط الجوية الجزائرية في عز الأزمة المالية، فكيف الحال إذا جرت عمليات واسعة لاستيراد السيارات بالعملة الصعبة؟".
وتتجه الحكومة الجزائرية نحو فرض تعويم جديد للعملة المحلية (الدينار)، خلال السنة الحالية، لكبح فاتورة الواردات من جهة، وحماية احتياطي الصرف من التبخر السريع من جهة ثانية، بالإضافة إلى امتصاص جزء من التضخم المنتظر أن يصل خلال السنة القادمة إلى 4 في المائة، حسب توقعات الحكومة.
وستنخفض قيمة الدينار 5 في المائة مقارنة بالسعر الحالي، حسب موازنة 2021، ما يرفع سعر الصرف في المتوسط السنوي إلى 142.20 ديناراً للدولار لسنة 2021 و149.31 لعام 2022، و156.78 لسنة 2023، وهذا بافتراض تسجيل انخفاض طفيف في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار بنحو 5 في المائة سنوياً.