خنقت أزمتا تراجع عائدات النفط وكورونا شركة النفط الجزائرية "سوناطراك" التي تضمن أكثر من 92 بالمائة من مداخيل البلاد الإجمالية سنويا، إذ دفعها شح الموارد إلى مراجعة حساباتها، وانتهاج سياسة "شد الحزام"، من خلال تجميد خطة استثمارية بـ 10 مليارات دولار.
وحسب المعلومات التي تحوزها "العربي الجديد" من مصدر داخل "سوناطراك" فإن "العملاق الجزائري قرر تعليق 3 مشاريع كبرى، أولها مصنع للغاز المسال في حقل "رورد الباغيل" بمدينة حاسي مسعود (981 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائرية)، والذي يتضمن وحدة ضغط الغاز ووحدات تجفيف الغاز ووحدة معالجة الغاز، كما جمدت سوناطراك مشروع "تين ريت1"، الذي يهدف إلى تطوير الحقل بآبار وشبكة تجميع ووحدة لمعالجة الغاز، بالإضافة لمشروع "رود شقا"، وذلك تحت ضغط نقص الأموال" .
وكشف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن " الشركة أيضا جمدت التنقيب في 26 بئرا للاستغلال في إطار تخفيض ميزانية 2020، إضافة لثلاثين بئرا يجري تطويرها، وإبطال خدمة 50 حفارة نفطية، والمرور تدريجيا من 68 آلة حفر إلى 18 حفارة، بنهاية العام الجاري، لكبح الإنفاق".
ولفت المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إلى احتمال تسريح أكثر من 5 آلاف عامل قبل نهاية السنة، ويضاف لهذا العمال الذين سيتم تقليص عددهم في شركات الخدمات المرتبطة بالأشغال في الآبار، بما فيها شركات فرعية لسوناطراك، وشركات مناولة أخرى في مجالات النقل والهندسة المدنية وغيرها، ما قد يؤثر على الوضع الاجتماعي خاصة على الولايات الجنوبية".
وكانت وزارة الطاقة الجزائرية قد كشفت الشهر المنصرم، أن خسائر شركة المحروقات الحكومية "سوناطراك"، جراء جائحة كورونا بلغت 10 مليارات دولار في الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، وحسب وزارة الطاقة، فإن صادرات سوناطراك تراجعت بنسبة 41 في المئة حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من 2019.
بدورها، تكبدت شركة "نفطال" وهي فرع سوناطراك التي تحتكر توزيع وتسويق الوقود، خسائر بلغت 333 مليون دولار، كما طاولت الخسائر شركة طيران "الطاسيلي" أحد فروع سوناطراك وبلغت 12 مليون دولار.
من جانبه أكد وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار، في 03 نوفمبر/تشرين الثاني، تراجع عائدات سوناطراك من المحروقات حتى سبتمبر/أيلول الماضي إلى 14.6 مليار دولار مقابل 25 مليارا في نفس الفترة من السنة الماضية.
وأرجع عطار سبب تراجع المداخيل إلى انخفاض حجم التصدير بـ 14 بالمائة وإلى تدهور معدل أسعار البترول، مشيرا إلى أن المداخيل التقديرية من الجباية النفطية تراجعة نهاية سبتمبر/أيلول إلى 31 بالمائة.
ومن المنتظر أن يزيد اختناق سوناطراك ماليا من حدة الأزمة المالية التي تعصف بالجزائر، فالعملاق النفطي يعتبر قاطرة الاقصاد الجزائري، ومحرك عجلة السيولة في البلاد، بضمانها لأكثر من 92 بالمائة من عائدات الجزائر المالية المتأتية من بيع النفط أساسا.
وفي السياق يرى الخبير النفطي ومدير معهد "إيمرجي" للدراسات النفطية بباريس، مراد برور، أن "اختناق سوناطراك المالي بات يهدد الإقتصاد الجزائري وليس الشركة فقط، فالشركة عانت من سوء التسيير والفساد لسنوات طويلة، إلا أن تراجع عائداتها بات مصدر قلق للحكومة قبل مجلس ادارة الشركة "
وأضاف الخبير الجزائري في حديث لـ "العربي الجديد" أن "سوناطراك هي ضامنة قوت الجزائر فهي وحدها تشكل جل عائدات النفط إذا اعتبرنا أن 3 من صادرات الجزائر هي مشتقات نفطية تضاف إلى 92 بالمائة التي تمثل النفط والغاز، بالتأكيد أن الاقتصاد الجزائري سيتأثر قريبا من تضرر سوناطراك، والخطير في الأمر أن الشركة دخلت في مرحلة ارتفع فيها الطلب الداخلي ما سيقلص الصادرات أكثر، وفي ظل شح الموارد لن تستطيع رفع طاقة إنتاجها واستكشاف حقول جديدة".