اتسعت دائرة أزمة السيولة النقدية في الجزائر، لتنتقل من البنوك إلى مراكز البريد، الأمر الذي يهدد رواتب ومعاشات ملايين الجزائريين، الذين يصرفون مستحقاتهم من خلال هذه المراكز التي أضحت مشاهد الانتظار لطوابير طويلة أمامها مألوفة في الآونة الأخيرة، بينما تنفي الحكومة وجود أزمة في الأموال.
وتتزايد المخاوف من تردي الأوضاع الاقتصادية مع دخول الجزائر نفق الموجة الثانية من تفشي وباء كورونا والإغلاق مجدداً، بعد تخطي الإصابات حاجز ألف إصابة يومياً، لأول مرة منذ دخول الجائحة إلى البلاد في فبراير/ شباط الماضي.
وأمام مركز البريد بالقبة (وسط العاصمة الجزائرية)، يقف المواطن حكيم بولعراس وعينه على مقدمة الطابور، يقول لـ"العربي الجديد" إنه "تعود على هذه الحالة التي تدوم منذ أشهر، على الأقل ينتظر نحو ساعتين من أجل سحب راتبه، الذي لا يتعدى 30 ألف دينار (238 دولاراً)".
وأضاف بولعراس أن "مراكز البريد تسقف عمليات السحب اليومية للمواطنين بـ 20 ألف دينار (158 دولاراً)، ما يعني أنه يضطر للقدوم مرتين لسحب راتبه، ما يضاعف خطر إصاباته بالوباء".
وتعتمد مركز البريد الجزائرية جدولاً زمنياً لسحب أجور عمال القطاع العمومي والمتقاعدين وأعوان (أفراد) الشرطة والجيش، حيث يتم صرف أجور وأعوان الأمن والجيش من 16 إلى 19 من كل شهر، تليها معاشات المتقاعدين من 20 إلى 23 من كل شهر، على أن تصرف أجور العمال من 26 إلى 3 من الشهر الموالي، ما يجعل الضغط والطلب يرتفعان في الثلث الأخير من كل شهر.
وكشف عثمان شرفي، مدير أحد مركز البريد لـ "العربي الجديد" أن "الإدارة العامة لمراكز البريد قررت توسيع فترة صرف الأجور مع تسقيف عمليات السحب اليومية بين 20 ألف دينار و30 ألف دينار بحسب حجم السيولة في كل مركز مقارنة مع حجم الطلب".
وأضاف شوقي أن "حجم السيولة المتدفقة على المركز تراجع بالفعل مؤخراً، ما أثر على عمليات السحب وأدى إلى وجود طوابير طويلة يومياً، خاصة في فترة الأزمة الصحية".
وقد تقاطعت تفسيرات الحكومة للأزمة، حيث اعتبرها رئيس الحكومة عبد العزيز جراد، في البداية، "مؤامرة"، بينما قالت إدارة البريد إنها ناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، لكن المراقبين يرونها أعمق من ذلك ويربطونها بعوامل أخرى.
وكانت أزمة السيولة النقدية قد بدأت في المؤسسات المصرفية، قبل انتقالها إلى مراكز البريد، حيث هوى حجم السيولة المتداولة في البنوك إلى ما دون 8 مليارات دولار، لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً، ما يهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط، وجائحة كورونا التي أضرت بالاقتصاد وباتت تهدد الآلاف من الشركات بالإفلاس.
وقفزت نسبة العجز في السيولة من 49% في مارس/ آذار إلى 55% في نهاية مايو/ أيار، بينما كانت 20% في مطلع 2019، بحسب تقرير حديث صادر عن البنك المركزي.
وفقدت البنوك سيولة تقدر بنحو 180 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، بنهاية مايو/ أيار، مقارنة مع ديسمبر/ كانون الأول 2019، لتستقر عند 916 مليار دينار (7.9 مليارات دولار)، بحسب بيانات المركزي، وهو رقم غير مسبوق في السنوات العشرين الماضية.
واضطر البنك المركزي إلى التدخل لإنقاذ القطاع المصرفي من أزمة السيولة التي تعصف به، وازدادت حدتها منذ بداية تفشي كورنا بحلول مارس/ آذار، إذ سمح للمصارف والمؤسسات المالية المعتمدة في البلاد باللجوء إلى تخفيض احتياطاتها الإلزامية إلى 6% من إجمالي موجوداتها بعدما كانت عند 12% مطلع العام.
وقال الخبير المالي نبيل جمعة إن أزمة السيولة في مراكز البريد تبدو أكثر تأثيراً، وذلك بالنظر لعدد زبائنها الذي يتجاوز 22 مليوناً، أي ما يمثل 80% من إجمالي زبائن النظام المصرفي.
وأضاف أن "البنوك تعاني أيضاً من ارتفاع حجم القروض المتعثرة وارتفاع الطلب على الأموال جراء الأزمة الصحية وما خلفته من ركود اقتصادي دفع بالمتعاملين الاقتصاديين لسحب مدخراتهم وأموالهم لتسيير نشاطاتهم، وبالتالي فإن الأزمة مركبة، وتحتاج إلى خطة تمويلية كبيرة قد تدفع بالحكومة لتبني خيار طبع الأموال المجمد سياسياً".