الجزائريون يواجهون الغلاء: رقعة المتضررين تشمل التجار

07 مايو 2022
تراجع المبيعات خلال شهر رمضان (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

تتسع دائرة المتضررين من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في الجزائر، لتمس التجار الذين وجدوا أنفسهم يواجهون القفزات التي شهدتها أسعار مختلف المواد الغذائية من جهة، واضطرارهم إلى مراجعة هوامش أرباحهم من أجل تفادي كساد سلعهم وركود نشاطهم التجاري، من جهة ثانية. واقع أدى إلى هبوط مداخيلهم، فيما تتصاعد في المقابل كلفة توفير الحاجات الأساسية لأسرهم.

ويشكو العديد من التجار من هبوط مبيعاتهم، وتقلص الطلب على العديد من السلع التي كانت توفر لهم مداخيل كافية. وأكد شهر رمضان لتجار الجزائر أنهم دخلوا قائمة "ضحايا غلاء الأسعار والمعيشة"، بعدما تبيّن لهم حجم التراجع الحاد لأرباحهم خلال شهر الصيام الذي يتميز عادة بإنفاق استهلاكي مضاعف للأسر، ما يقفز بأرباح التجار، خاصة تجار اللحوم الحمراء والبيضاء وبائعي الخضر والفواكه.

لا بل تخوف العديد من التجار في أحاديث مع "العربي الجديد" على مستقبل نشاطهم التجاري، وسط قلق من استمرار ارتفاعات التضخم وتأثيراتها على القدرة الشرائية للمواطنين. في منطقة "أولاد فايت" في الضاحية الغربية للجزائر العاصمة، شرح الجزار حسان بوثلجة أن أرباحه في شهر رمضان هوت بأكثر من 60 في المائة عن السنوات الماضية، والأمر لا يقتصر فقط على شهر الصيام، لكنه معيار للقياس فقط، إذ حتى الأرباح السنوية سجلت تراجعاً سنة 2021، ومن المنتظر أن تتراجع أكثر هذه السنة.

وأوضح التاجر الجزائري لـ "العربي الجديد" أنه اضطر الى تقليص هوامش الربح، سواء في أسعار اللحوم الحمراء أو البيضاء، حيث باتت نسبة الزيادة ضئيلة جداً في الكيلوغرام الواحد، وذلك حتى لا يخسر زبائنه من جهة، ولا تبقى اللحوم مكدسة في غرفة التبريد من جهة ثانية.

وتابع حسان قائلاً: "في العادة يأتي موزّع اللحوم يومياً ليبيعني اللحوم الحمراء والبيضاء من الدواجن والديك الرومي، إلا أنه أمام تراجع المبيعات بسبب الغلاء أصبح يوزع لي كل يومين". ومنذ أشهرٍ، تشهد أسعار الخضراوات واللحوم والمواد الغذائية واسعة الاستهلاك ارتفاعاً كبيراً، ما ضاعف من المتاعب المعيشية بالنسبة لغالبية الجزائريين، ويتقاذف المزارعون والمنتجون التهم مع التجار حول أسباب هذا الارتفاع، على الرغم من نداءات وجهتها عدة أطراف مدنية ورسمية إلى التجار لـ "الرأفة بالمواطنين"، في وقت تعيش فيه العملة الجزائرية (الدينار) تهاوياً تاريخياً، بعدما لامست عتبة 145 ديناراً للدولار مطلع مايو/ أيار الحالي لأول مرة في تاريخ البلاد.

في شارع "المنظر الجميل" في أعالي العاصمة، المشهور بتجار المواد الغذائية بالجملة، دقت ساعة مراجعة الدفاتر والفواتير في أول أيام العمل بعد شهر الصيام وعيد الفطر، والحال لا يبدو مفرحاً للكثيرين، بل لجل التجار، الذين أجمعوا على تهاوي أرباحهم بسبب الغلاء الذي عصف بالمواد المنتجة محلياً أو المستوردة.

وقال التاجر زيان محمد الأمين إن "الأرباح تراجعت وهبط إقبال تجار التجزئة على التبضع، لاحظنا أن منهم من أصبح يأتي مرة في الأسبوع لتموين محله، واللافت أيضاً أن حتى ما يقتنيه تجار التجزئة تقلص جداً، إذ باتوا يفضّلون اقتناء الضروريات كزيوت المائدة والعجائن والطحين والأجبان العادية، فيما تراجع الإقبال على السلع الأخرى كالأجبان المستوردة والصلصة والشوكولاتة وغيرها لأسعارها المرتفعة".

وأكد التاجر نفسه لـ "العربي الجديد" أن "تقليص هوامش الربح بات ككرة الثلج، نحن كتجار الجملة خفضنا أرباحنا حتى نسمح لتاجر التجزئة ببيع سلعته وكسب بعض الدنانير، مثلاً في العجائن لا تتعدى الأرباح متوسط 8 إلى 10 دنانير في الكيلوغرام الواحد، وهذا ضئيل إذا احتسبنا مصاريف الإيجار والكهرباء وعمال الشحن والتفريغ، والضرائب وغيرها من المصاريف، في الحقيقة نحن نتخوف على مستقبلنا كمواطنين أولاً ثم كتجار".

ويعيش تجار الجزائر تحت ضغطٍ كبيرٍ منذ أشهر، بسبب الندرة التي تطاول المواد واسعة الاستهلاك، أرجعتها الحكومة إلى المضاربة واحتكار التجار للسلع بهدف القفز بأسعارها، ما دفع وزارة التجارة لعرض قانون يجرم المضاربة ويعاقب عليها بـ 30 سنة سجناً، صادق عليه البرلمان نهاية 2021، ودخل حيز التطبيق مطلع السنة الحالية.

وأكد حزاب بن شهرة رئيس الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين أن "التجار اليوم يعيشون ضغطاً غير مسبوق، في العادة هم المتهم الأول وراء كل زيادة تمس الأسعار، لكنهم الآن الأكثر حرصاً على كبح قفزات الأسعار، من خلال تخفيض هوامش الربح، هو ليس خياراً فعلاً، لكنه ساعد على استقرار القدرة الشرائية للمواطن".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة مطالبة بالتدخل الآن لكبح ارتفاع كلفة المعيشة وإنقاذ نشاط التجار، سواء بمراقبة الأسواق وحمايتها من المضاربين مع مراجعة الضرائب، في مقدمتها الضريبة على القيمة المضافة التي تبلغ 19 في المائة". وتابع أن "التجار تهاوت أرباحهم، هم أيضاً لهم عائلات يعيلونها".

المساهمون