لم يسبق أن استعجل الجزائريون نهاية سنة، كما استعجلوا نهاية 2021، لما حملته عليهم من أوزار معيشية ثقيلة، أنهكت جيوبهم المكوية بغلاء الأسعار، قابلتها ندرة في المواد واسعة الاستهلاك، ما يجعل السنة الثانية من "كورونا" كما تسمى "الأعسر" على الجزائريين في العقد الأخير.
غلاء المعيشة
إذا ما كان من سبر لآراء الجزائريين حول عنوان لسنة 2021، الأكيد أن الإجماع سيكون حول "سنة القفزات في الأسعار" دون منافسة، وذلك للتطورات التي عرفتها الأسواق طيلة أشهر السنة، متأثرة بتهاوي العملة الجزائرية "الدينار"، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية لحد 300 بالمائة كما حدث مع البطاطا وزيت المائدة والعجائن.
في وسط سوق "علي ملاح" الشعبي وسط العاصمة الجزائرية، حركة قليلة مع نهاية السنة يشهدها السوق الذي يعد ملاذ الأسر متوسطة الدخل، مقارنة مع السنوات الماضية، بسبب غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، ولا حديث يعلو في أروقة السوق على "سنة 2021" وما حملته من ثقل.
يقول المواطن عبد الهادي بلغة متهكمة لـ" العربي الجديد" إن " سنة 2021 هي بداية السنوات العجاف فعلا، أكلت كل ما جمعناه في السنوات السمان، الراتب بات لا يصمد لنهاية الشهر، والعائلات باتت تدخر كما في الماضي، ومن ادخر أنفق ما عنده لمواجهة مخلفات "كورونا".
وأضاف "احسب بالدقائق والثواني متى تنتهي هذه السنة، التي تضاعفت فيها الأسعار لمستويات جعلت الجزائري يخاف حمل القفة والتوجه للأسواق".
تركنا عبد الهادي يبحث عن خضر وفواكه يستطيع جيبه تحمل أسعارها، ورحنا نقلب في ملامح المواطنين داخل "سوق علي ملاح" بحثا عن تفاؤل يبدو غائبا عن وجوه الجزائريين الذين تركت فيهم السنة أثارا يصعب محوها.
يرد المتقاعد رشيد مخلوف حول سؤال "العربي الجديد" عما ميز سنة 2021 قائلا: " هي سنة جلد المواطن، كل شيء زاد سعره إلا كرامتنا رخصت، لاحظ معي فقط، العدس كان بأقل من 100 دينار وأصبح بـ300 دينار، والفاصولياء الجافة كانت بـ160دينارا وباتت عند 200 دينار، والأرز كان عند 80 دينارا وأصبح فوق 150 دينارا من النوعية الرديئة، أما العجائن غذاء الفقراء، فتضاعف سعرها من 40 دينارا إلى 75 دينارا، والطحين من 2500 دينار للكيس إلى 4500 دينار، أما اللحوم والسمك فأسعارهما خيالية، لهذا فسنة 2021 هي سنة للنسيان على أمل أن لا تتكرر".
ويرجع خبراء غلاء الأسعار لتهاوي الدينار الجزائري، الذي سجل تراجعاً غير مسبوق، مطلع ديسمبر/ كانون الأول، عند 139.2 ديناراً للدولار، و155 ديناراً لليورو، و185 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني، علماً أنه في بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوي 83 ديناراً للدولار الواحد.
وبهذا التهاوي يقترب سعر الصرف الرسمي من سعر السوق الموازية، حيث سجل 190 ديناراً للدولار و210 دنانير أمام اليورو و125 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني.
وترجع خسارة الدينار الجزائري إلى تبنّي البنك المركزي ، سياسة تعويم العملة عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الماضية، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
ندرة مؤرقة
ثلاث صور تختزل سنة الجزائريين الصعبة في البحث عن قوتهم رغم غلاء المعيشة، وتؤكد أن الجزائر وبالرغم من أموالها وقدراتها الطبيعية و البشرية عاجزة عن تأمين أسواقها من ندرة السلع واسعة الاستهلاك وتحريرها من قبضة المضاربين.
الصورة الأولى هي تدافع الجزائريين لشراء أكياس السميد أو الطحين، بعد تسجيل ندرة حادة في الأسواق، ما دفع بأسعار المادة المدعمة للقفز مرتين وأكثر في الجزائر العميقة، ما دفع بالحكومة للتدخل بشراء كميات من المصانع وبيعها عبر نقاط بيع متنقلة وشاحنة تحت تأمين قوات الأمن في مشهد لم يكن أشد المتشائمين بحاضر ومستقبل الجزائر يتوقعه.
الصورة الثانية هي لما بات يعرف في الجزائر بـ "طوابير الزيت"، التي يشكلها الجزائريون إلى يومنا هذا أمام المساحات التجارية الكبرى للظفر بقارورة زيت سعة 5 لترات، بعدما شهدت الأسواق ندرة مفاجئة مطلع السنة، وسط تقاذف للتهم بين الحكومة والمنتجين والتجار، دفع بالسلطات لسن قانون يجرم المضاربة والتخزين العشوائي للمواد الغذائية.
أما الصورة الثالثة فلا تختلف كثيرا، وهي تتعلق بطوابير طويلة أخرى، هذه المرة تتعلق بمادة البطاطا، التي أرقت الحكومة ودفعتها للاجتماع عدة مرات لحل مشكلتها، كونها المادة الأكثر استهلاكا في غذاء الجزائريين، وفتح نقاط التخزين الكبرى وبيع مخزون البطاطا بأسعار مدعمة، وبات ملف "البطاطا" ملفا سياسيا ومادة اعلامية، بل وحتى موضوع الساعة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السياق يلخص الموظف كمال سيدي نعمان في حديث مع "العربي الجديد" يوميات الجزائريين قائلا: " يبدأ الجزائري يومه بطابور الحليب، ثم طابور مركز البريد لسحب الأموال، ثم ينتقل لطابور البطاطا ثم الزيت، ثم طابور الخبز، ومرة في الأسبوع طابور السميد أو الطحين، حياتنا هي التنقل والانتظار من طابور إلى طابور، والله مؤسف حال الجزائر البلد النفطي والزراعي والصناعي، دول في أفريقيا كانت خلفنا وأصبحت أكثر تنمية وتطور."
بصيص أمل
يبحث الجزائريون عن بصيص أمل في نفق الأزمات الذين دخلوه سنة 2021، ويخشون أن يستمر في 2022 الذي يمثل السنة الثالثة من حكم الرئيس عبد المحيد تبون، الذي تعهد بإعادة الكرامة للجزائريين، الذين خرجوا بحثا عنها في حراكهم الشعبي مطلع 2019، انهى عقدين من حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي تميز بالفساد الشمولي والتسييري.
تقول المواطنة أم ربيع لـ"العربي الجديد" إن " الكثير اليوم بات يبكي أيام بوتفليقة للأسف، كان هناك فساد لكن المواطن كان يعمل ويتقاضى راتبا كريما يسمح له بالعيش الكريم، اليوم كل شيء زاد سعره ومداخيل العائلات تراجعت، والحكومة تتحدث عن مشاريع تنموية، ماذا يعمل المواطن بالمشاريع وهو لا يجد ما يأكله".
وأضافت أن "على الرئيس تبون تدارك ما فاته منذ نهاية 2019، بالعمل على تحسين معيشة الجزائريين، عوض الاهتمام بملفات أخرى، الدولة القوية خارجيا هي الدولة القوية داخليا، وليس العكس".
من جانبه يأمل عبد الكريم معتوق الموظف بشركة تأمينات، أن " تتعافى قدرة الجزائريين الشرائية، ورفع الرواتب، وخلق مناصب شغل، فبعد سنتين من كورونا والركود، حان وقت العمل، المواطن تحمل تبعات الركود الاقتصادي لوحده وعلى الحكومة تعويضه، سنة 2022، بتحسين قدرته الشرائية فقط".
وأضاف معتوق لـ "العربي الجديد" أن " الجزائريين لا يبحثون عن المعجزات، بل يبحثون عن عيش كريم، نحن 45 مليون نسمة في بلد مساحته بحجم قارة أو بحجم 10 دول أوروبية، مع مداخيل نفطية وغازية معتبرة، تسمح لنا بالعيش أحسن مما عليه الحال اليوم" .
(الدولار= 139 دينارا تقريبا)