شهد اليمن طوال العام الماضي انتشاراً غير مسبوق للجراد الصحراوي الذي شكل أزمة كبيرة وتبعات ضارة تكبدها القطاع الزراعي في اليمن، في ظل محدودية عمليات المراقبة والمكافحة وعدم وجود تنسيق وتكامل بين الأجهزة المختصة المعنية في البلاد.
غزو الجراد لليمن بهذه المستويات غير المسبوقة ساهم إلى جانب عوامل أخرى في توسيع فجوة الأمن الغذائي الحاد عند مستويات مرتفعة، تنذر بالخطر في ظل الصراع المستمر والتدهور الاقتصادي وتعطل سبل العيش، والظروف ذات الصلة بالمناخ وآفات المحاصيل.
وأدى تعرض المزارع والمحاصيل لغزو متواصل للجراد الصحراوي طوال الفترة الماضية، إلى إتلاف المنتجات وتكبيد المزارعين خسائر فادحة. ويشكل اليمن أرضا خصبة لتكاثر الجراد الصحراوي، إذ شهدت البلاد فوران غير مسبوق للجراد الصحراوي خلال العامين 2019 و2020، ويرجع سبب ذلك إلى التغيرات المناخية وما عاشته البلاد من أعاصير والتي تركزت بشكل أكبر في سواحل اليمن الشرقية.
يقول رئيس قسم المعلومات في المركز الوطني لمراقبة ومكافحة الجراد، أحمد الإرياني، إن الجراد استمر بالتكاثر ومع حلول فصل الصيف بدأ بالتحرك والانتقال إلى مناطق المرتفعات الغربية من صعدة شمالا والجوف إلى ذمار وسط اليمن وتكاثرت الأسراب في أماكن غير أماكنها المعتادة بمساعدة الرياح.
ومع حلول الشتاء بدأت تنتقل أسراب منها إلى المناطق الساحلية كما يؤكد الأرياني لـ"العربي الجديد"، لأن الجراد يجد ضالته بالنمو والتكاثر في البيئات الخصبة والرطبة حسب توضيحه، إذ ألحقت وفق تأكيداته، أضراراً بالغة بالمحاصيل، خصوصاً في مناطق بالجوف وتهامة في الحديدة وصعدة، وكانت محاصيل الحبوب والخضروات وبعض الفاكهة مثل البرتقال الأكثر تأثراً.
ومن المتوقع أن يؤدي الجراد الصحراوي ودودة الحشد الخريفية والفيضانات إلى زيادة مستويات انعدام الغذاء الحاد وانعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى ما خلفه فيروس كورونا من تبعات عديدة مؤثرة، في حين من المتوقع أيضاً أن يصل عدد الأشخاص الذين يعانون من أزمة غذاء حادة شديدة في اليمن وفق تقارير رسمية إلى ما يزيد عن 17 مليون مع نهاية العام 2020، وهو ما ينذر بتزايد خطر المجاعة.
نائب مدير مركز مراقبة ومكافحة الجراد الصحراوي في اليمن، أمين الزربة، يؤكد أن مساحة تكاثر الجراد واسعة جدا وهناك معاناة كبيرة في عملية مكافحتها بسبب الافتقاد للإمكانيات اللازمة للمكافحة مثل السيارات الخاصة بالرش وغيرها من الأدوات التي ساهمت الحرب في إضعافها مثل المراقبة.
رغم ذلك وفق تأكيدات المسؤول اليمني لـ"العربي الجديد"، تم بذل جهود كبيرة بأبسط الإمكانيات والتمكن من مكافحة الجراد في مناطق واسعة، لكن الأمر يحتاج إلى تكامل الجهود في مختلف مناطق اليمن وهذا ما سيتم افتقاده بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2015، لذا يزحف الجراد بأعداد واسعة وما يخلفه من خسائر وتبعات على مصادر الأمن الغذائي في اليمن.
وأطلقت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي سلسلة تحذيرات من أن جيلا جديدا من أسراب الجراد الصحراوي يهدد سبل العيش والأمن الغذائي لملايين الرعاة والمزارعين في منطقة القرن الأفريقي واليمن على الرغم من الجهود المكثفة للسيطرة على هذه الآفة طوال عام 2020. وأشارت الوكالة الأممية إلى أن الدعم الدولي وحملة الاستجابة الواسعة وغير المسبوقة ساعدا في معالجة أكثر من 1.3 مليون هكتار من غزو الجراد في عشرة بلدان منذ يناير / كانون الثاني الحالي. ولكن الفاو أشارت إلى أن الظروف المناخية المواتية والأمطار الموسمية الغزيرة تسببت في تكاثر واسع النطاق للجراد، إضافة إلى أن أسراب جديدة من الجراد تتشكل، كما يجري التكاثر على جانبي البحر الأحمر، مما يشكل تهديدا جديدا لمجموعة من الدول مثل اليمن.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أسباب عدة منها النزاع وعوامل أخرى كالكوارث الطبيعية وما خلفته من تبعات وتفشي الجراد الصحراوي وضعف التدخلات اللازمة لمكافحته، والتي أدت إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى الانعكاسات التي أصابت الفئات الضعيفة خصوصاً الذين يعملون في القطاع الزراعي. وتصنف مؤشرات دولية أزمة الغذاء في اليمن حسب عدد الأشخاص في المرحلة الثالثة أو أعلى، كأسوأ أزمة غذاء على مستوى العالم، حيث بلغ العدد 15.9 مليون شخص يعانون من أزمة غذائية حادة، أي ما نسبته 53% من عدد السكان الإجمالي، بينما يصنف 8.9 ملايين من الأشخاص ضمن المرحلة الثانية أي بما نسبته 30%.
ويعد اليمن من بين أعلى 8 دول في تصنيف التقرير العالمي لأزمة الغذاء، بينما يحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد النازحين واللاجئين والتي تعد أحد العوامل التي تدفع ملايين الأشخاص للدخول في حدة الأزمة الغذائية، إضافة إلى أن 10 ملايين شخص في اليمن في حالة أزمة غذائية و5 ملايين في أزمة غذائية طارئة و64000 في حالة أزمة غذائية كارثية.
بدوره، يطالب الباحث الزراعي مجيب العبيدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بضرورة تقديم المساعدة الإنسانية بشكل متواصل ومن دون عوائق لإنقاذ حياة السكان الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك الفئات الضعيفة التي لا تستطيع تحمل الصدمات الغذائية، وحماية سبل عيشهم، وإعادة تأهيل البنى التحتية للمياه التي تضرّرت بفعل الفيضانات. ويشدد على ضرورة التقليل لأدنى مستوى، آثار الفيضانات المقبلة على نظم المياه والريّ، ودعم المزارعين الذين خسروا محاصيلهم ومراعيهم بسبب الآفات والصدمات المناخية والفيضانات وتفشي الجراد، فيما يقتضي الأمر كذلك رفع مستوى المساعدات في اليمن لتمكين المزارعين والرعاة والصيادين اليمنيين من إنتاج الغذاء لأنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم، ولا سيما أنهم يواجهون مشكلة تفشي الجراد الصحراوي في ظل ما تعيشه البلاد من حرب أثرت بشكل كبير على التدخلات الهادفة لمراقبتها ومكافحتها.