التوتر السياسي المغاربي يفاقم أزمة الطاقة بأوروبا.. وإسبانيا تلجأ للغاز المسال

09 نوفمبر 2021
تظاهرات ضخمة بالعاصمة مدريد ضد أزمة الكهرباء (Getty)
+ الخط -

بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية خلال تعاملات أمس الإثنين، بنسبة 9.7%، في ظل علامات على أن روسيا لن تزيد إمدادات الغاز لأوروبا، كما وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تواصل أزمة الطاقة خنق أوروبا خلال الشتاء الجاري.

ويبدو أن شركة "غاز بروم" الروسية التي تحتكر تصدير الغاز إلى أوروبا وتزود القارة بنحو 40% من احتياجاتها ترغب في استمرار شح الغاز المتعاقد عليه مسبقاً عبر الأنابيب، بسبب الفوائد النقدية المتدفقة عليها من مبيعات الغاز المرتفعة في السوق الفوري.

وحسب وكالة "بلومبيرغ"، ارتفع سعر الغاز في السوق الفوري في بورصة أمستردام صباح أمس الإثنين للغاز إلى 79.25 يورو لكلّ ميغاواط ساعة، وكان قد ارتفع في تعاملات مبكرة في صباح الأثنين إلى أعلى من 81 يورو في بعض الصفقات.
وتشير بيانات المفوضية الأوروبية، إلى تزايد استهلاك الغاز الطبيعي وسط القيود المفروضة على الغازات الملوثة للمناخ في القارة العجوز، حيث ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي في دول الاتحاد الأوروبي إلى 379.9 مليار متر مكعب في العام الماضي، وتتوقع أن يرتفع بنسبة 7.6% خلال العام الجاري.
ويأتي ارتفاع الاستهلاك الأوروبي في وقت تواصل موسكو استخدام سلاح الغاز، للتأثير على القرار الأوروبي وتسريع الترخيص لأنبوب مشروع "نورد ستريم 2" الذي يغذي ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز.

كما تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن حصة الغاز الروسي ارتفعت إلى نحو 48% من إجمالي استهلاك الغاز بدول الاتحاد، وهو ما يعني أنّ العديد من دول الاتحاد ربما ستلجأ أكثر للسوق الفوري للغاز الطبيعي المسال لتغطية النقص خلال الشتاء الجاري.
ولاحظ محللون أن أزمة النقص في الغاز تتفاوت بين دولة وأخرى، بعد فشل محاولات بعض القادة لصفقة شراء الغاز ضمن نطاق موحد لجميع دول الاتحاد الأوروبي تحت إشراف المفوضية الأوروبية.
وحتى الآن، اشتدت الأزمة في إسبانيا التي تتواصل فيها الاحتجاجات ضد فواتير الكهرباء، حيث تعاني البلاد من إمدادات الغاز من جهتين، من جهة أنها ليست مرتبطة بشبكة الغاز الأوروبية، ومن ناحية أخرى لأنها تعتمد على واردات الغاز من الجزائر التي دخلت في نزاع مع المغرب حول الصحراء الغربية أدى إلى توقف ضخ الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر أنبوب الغاز "المغاربي الأوروبي". كما أن إسبانيا لديها احتياطات ضئيلة جداً من الغاز الطبيعي. وحسب تصريحات وزيرة الطاقة الإسبانية، تيريزا ريبرا يوم الأحد، فإن احتياطات الغاز الطبيعي تكفي الاستهلاك في البلاد لمدة 43 يوماً فقط. كما أن إسبانيا لا تستخدم الغاز فقط للتدفئة والصناعة والطبخ لكنها تستخدمه كذلك في توليد الكهرباء.

ويغذي الغاز الجزائري إسبانيا بنحو 25% من احتياجاتها من الوقود الأزرق. وتبلغ سعة الغاز المغربي 13 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لكن جزءا منها يتم استهلاكه في المغرب.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد طلب من شركة "سوناطراك" الجزائرية وقف ضخ الغاز عبر"الأنبوب المغاربي" في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ورغم أن الجزائر قد وعدت إسبانيا بتغطية النقص في الغاز الذي خسرته من وقف الضخ عبر"الأنبوب المغاربي"، إلّا أنّ خبراء يرون أنّ الدولة الأوروبية ستواجه متاعب كبيرة وأنّ هناك عقبات قد تعترض تصدير شحنات الغاز المسال الجزائري.
في هذا الشأن، قال خبير الطاقة الإسباني بمعهد "ريال أنستيتيوتو الكانو" للدراسات في مدريد، غوانزاليو أسكريبانو، إنّ"وقف الجزائر للغاز عبر الأنبوب المغاربي سيفاقم من أزمة الطاقة في إسبانيا وسيجبر الحكومة على شراء الغاز من السوق الفوري بأسعار مرتفعة".

يتوقع محللون أن تواجه مدريد خيارات أكثر صعوبة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تستفيد من إمدادات الغاز عبر أنابيب الغاز الروسية

وأضاف أسكريبانو، في تعليقات نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز"، قائلاً: "رغم تعهد الجزائر بتغطية النقص في إمدادات الغاز إلى إسبانيا، هنالك عقبات لوجستية ربما تعترض شحنات الغاز المسال الجزائري في الشتاء". وبالتالي، يتوقع محللون أن تواجه مدريد خيارات أكثر صعوبة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تستفيد من إمدادات الغاز عبر أنابيب الغاز الروسية.
وعلى الرغم من أنّ إسبانيا كثفت خلال السنوات الأخيرة من مشاريع توليد الكهرباء عبر بدائل الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، إلا أنها لا تزال تعتمد على نحو 50% من احتياجات الطاقة على الغاز الطبيعي. وبالتالي، ربما سيكون الخيار المتاح خلال الشتاء الجاري هو شراء شحنات الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يعني أنّها ستتنافس مع الصين ودول شرقي آسيا التي تدفع أسعارا مرتفعة للغاز الطبيعي المسال.


ويرى محللون أنّ الحلّ الآخر المتاح لإسبانيا، لكن في المستقبل، هو توسعة أنبوب "ميد غاز" أو خط غاز المتوسط الذي يمر تحت المتوسط ويضخ الغاز الجزائري مباشرة إلى إسبانيا. وخط "ميد غاز" تم إنشاؤه قبل 10 سنوات ضمن شراكة بين الحكومة الجزائرية وشركة الطاقة الإسبانية التي تعرف اختصارا باسم "ناتورجي" وبحصة 51% للحكومة الجزائرية و49% لشركة "ناتورجي".

وتنوي الحكومة الجزائرية توسيع سعة الأنبوب من مستواه الحالي 8 مليارات متر مكعب سنوياً إلى 10 مليارات متر مكعب، كما أنّ لدى الجزائر طموحات بزيادة حصتها من سوق الغاز الأوروبي إلى 30% خلال السنوات الخمس المقبلة. لكن خبراء الطاقة لا يثقون في قدرة الجزائر المالية، حيث إن البلاد تعاني مجموعة أزمات من بينها تداعيات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي والفساد المستشري وسوء الإدارة والنزاع السياسي والفوضى.

المساهمون