أكدت السلطات العراقية انخفاض عمليات التهريب عبر الحدود مقارنة بما كانت عليه في السابق، مؤكدة أنّ استخدام التقنيات الأمنية الحديثة ساهم بشكل فعال في تحجيمها، في وقت أكد فيه مسؤولون وسياسيون صعوبة السيطرة على عمليات التهريب في ظل تورط فصائل مسلحة بها.
ويمثل ملف التهريب واحداً من أبرز الملفات التي ألحقت خسائر فادحة بالاقتصاد العراقي، وتسببت أيضاً باتساع رقعة المخدرات القادمة من إيران داخل المجتمع، عدا عن عمليات تهريب البضائع والمواد المختلفة من خلال ما يعرف بالمعابر غير الشرعية.
وقال مسؤول عراقي بقوات حرس الحدود مع سورية، في حديث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، إنّ "الإجراءات المتبعة حاليا ساهمت في تراجع عمليات التهريب، لكنها ما زالت متواصلة".
ووفقاً للمسؤول ذاته، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، فإنّ "الحكومة شددت من الإجراءات الأمنية وعمليات مراقبة الحدود مع الجانب السوري، واستطاعت من خلال تلك الإجراءات تحجيم عمليات التهريب".
ملف شائك
وأوضح المسؤول أنّ "ملف التهريب يعد ملفاً شائكاً جداً، حيث إنّ فصائل مسلحة تعمل في التهريب، وتستخدم قوتها وسلطتها لتنفيذ عمليات تهريب كبيرة، ما يصعّب السيطرة عليها، فهي ما زالت تمارس عمليات التهريب وإن كان على مستوى أقل مما كانت عليه في السابق".
وأشار المسؤول إلى أنّ "الحدود مع الجانب الإيراني تعد من أكثر الحدود التي تشهد عمليات تهريب، والتي تصعب السيطرة عليها، حيث يتم تهريب البضائع والمواد الغذائية والأدوية والمواد الإنشائية، فضلاً عن تهريب السلاح والمخدرات، وهي الأخطر".
وأكد المسؤول أنّ "السيطرة على ملف التهريب تحتاج إلى بسط نفوذ الدولة على الحدود مع إيران، وهذا ما تصعب السيطرة عليه".
كان المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء خالد المحنا، قد أكد، أمس الإثنين، أنّ "حالات تهريب البضائع عبر الحدود بدأت بالانخفاض بشكل كبير، خاصة عبر الحدود السورية"، مبيّناً، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أنّ "الوزارة استخدمت التقنيات الحديثة في ضبط الحدود ومنع تهريب البضائع".
وأضاف أنّ "عمليات التهريب التي يتم ضبطها هي لبعض المنتجات الزراعية التي تم منعها من قبل وزارة الزراعة، فضلاً عن أن بعض البضائع تتهرب من الواقع الجمركي والضريبي"، مشيراً إلى أنّ "بعض البضائع المهربة تدخل من إقليم كردستان خلافا للضوابط المعمول بها".
دور المليشيات
بدوره، اعتبر عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي أنّ "ضلوع المليشيات بعمليات التهريب على الحدود العراقية السورية والعراقية الإيرانية يجعل من إمكانية القضاء على الظاهرة أمراً شبه مستحيل".
وأضاف حقي أنّ تلك المليشيات "تمارس عمليات تجارية كبيرة وغير شرعية لتمويل نفسها، وتعتبر أنّ أي إجراء حكومي ضدها بمثابة إعلان حرب، لذلك فإن جميع الحكومات السابقة تجنبت الاصطدام الحقيقي معها"، موضحاً أنّ "تجارة المخدرات تكاد تكون محمية بشكل كامل من قبل فصائل مسلحة نافذة أغرقت الشارع العراقي بمشاكل جمة جراء ترويج ونقل المخدرات، بما فيها اتساع رقعة الجريمة المنظمة في البلاد والمشاكل الاجتماعية المختلفة".
واعتبر الخبير بالشأن الأمني، العقيد السابق سعد الحديثي، أن الإعلان الرسمي عن انخفاض التهريب عبر الحدود "يتعلّق بأنشطة ثانوية لشبكات تهريب صغيرة نجحت قوات الأمن فعلاً في ضربها أخيراً، كانت تستخدم معابر غير شرعية لإدخال البضائع إلى العراق بدون رسوم جمركية، وأكثر البضائع تالفة وغير صالحة للاستهلاك من إيران وسورية أيضاً".
وأضاف الحديثي، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أنّ "التهريب المحمي من خلال الفصائل المسلحة يبلغ نحو 80% من مجمل أزمة التهريب في العراق، وهي ما زالت متواصلة للأسف، بل زادت أخيراً عبر سورية، وكذلك البصرة عبر شط العرب ومياه الخليج الحدودية مع إيران".
وأشار إلى أنّ "السلطات أثبتت خلال الأشهر الأخيرة أنها تحاول تجنب الاصطدام بتلك المليشيات، لكنها في الوقت نفسه أجرت تغييرات ناجحة لموظفين ومسؤولين بالمنافذ الحدودية وحرس الحدود كانوا متورطين بالتعاون أو التواطؤ مع الفصائل بعمليات التهريب تلك".
وأطلق رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، منتصف يوليو/تموز العام الماضي، حملة واسعة للسيطرة على المنافذ البرّية والبحرية للعراق، كلّف بموجبها قيادة عمليات الجيش بإدارة ملف المنافذ الحدودية والموانئ البحرية للبلاد المطلة على الخليج العربي، ومنحها صلاحيات واسعة في هذا الإطار.
وأكدت بيانات عسكرية سابقة تحقيق تقدم في أمن المنافذ وإغلاق المعابر غير الشرعية، من بينها معابر مع إيران وسورية، ساهمت في خفض معدلات التهريب بشكل واضح.
ويُقصد بالمعابر غير الرسمية أو غير الشرعية في العراق، والتي توجد على الحدود مع إيران وسورية، الفتحات التي تحدثها جماعات مسلحة متنفذة على الحدود، وتقوم من خلالها بإدخال البضائع والممنوعات من دون رسوم جمركية أو محاسبة ضريبية، وباتت أيضاً ممراً لعبور الأفراد.