التنافس بين بكين وواشنطن..ما تريد أميركا تحقيقه من حرب التجارة؟

24 ابريل 2023
الصراع على النفوذ العالمي بين بكين وواشنطن بات يتمحور حول الثروة والتقنية (Getty)
+ الخط -

أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل خمس سنوات حرباً تجارية مع الصين، عبر فرض الرسوم الجمركية على مجموعة كبيرة من السلع الصينية المصدرة للولايات المتحدة بهدف تقليل العجز التجاري الثنائي، ثم أضاف خليفته الحالي جو بايدن بنوداً جديدة على الحرب، بتقييد صادرات التكنولوجيا الفائقة وتقليص الروابط المهنية والمالية مع بكين. وأراد كلاهما تقليل واردات السلع المصنعة وإعادة المزيد من الوظائف المهاجرة إلى الولايات المتحدة.

ولكن الأرقام التجارية بين الصين والولايات المتحدة تشير إلى أن سياسة الرسوم التجارية لم تفلح حتى الآن في تقليل العجز التجاري، وعلى العكس من ذلك فإن العجز التجاري الأميركي مع الصين تزايد منذ بداية الحرب التجارية.

وبالتالي ربما تبدو الأهداف الأميركية الحقيقية وراء الحرب التجارية تصب في كسب التنافس العالمي على النفوذ العالمي بين دولة عظمى ترغب في الاحتفاظ بموقعها القيادي الأحادي لـ "النظام العالمي القائم"، وهي الولايات المتحدة، وبين دولة صاعدة ترغب في بناء "نظام عالمي جديد" متعدد الأطراف، وهي الصين المتحالفة مع روسيا.

وترى دراسة في معهد "كارنيغي للسلام الدولي" الأميركي أن المخاوف الأمنية الأميركية أصبحت الآن هي الأساس لتقليص العلاقات التجارية الأميركية مع الصين وتقويض إمكانات النمو الصينية، خاصة بعد نشوب الحرب في أوكرانيا وتهديد موسكو للتماسك الأوروبي.

في ذات الصدد، يرى تحليل بمؤسسة "تي جي بي" العالمية للأبحاث أن صعود الصين الاقتصادي والمالي بات مقلقاً للولايات المتحدة التي تعتقد أن الثروة هي وسيلة لتحقيق السلطة السياسية والنفوذ العالمي. وبالتالي فإن الصراع على النفوذ العالمي بين بكين وواشنطن بات يتمحور حول الثروة والتقنية.

ويثير التقدم الذي يحرزه الصينيون في مجالات تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي قلقاً كبيراً لدى العديد من المراقبين الغربيين الذين يعتقدون أن انقلاباً جذرياً يجري في ميزان القوة العسكرية والثروة يجري حالياً وبسرعة على النطاق العالمي.

خاصة وأن الرئيس الصيني شي جين بينغ يعمل على تحديث القوات المسلحة الصينية بشكل كامل خلال العقود المقبلة. ويقول إن على قوات بلاده المسلحة أن تصبح قوة عسكرية "متفوقة عالمياً" بإمكانها "خوض الحروب وتحقيق النصر فيها" بحلول عام 2049.

كما أن الولايات المتحدة تستهدف محاصرة أسواق الصين في الدول النامية عبر ضرب مبادرة "الحزام والطريق" التي أنفقت عليها الصين حتى الآن نحو تريليون مليار دولار ولكن شركاتها تواجه الآن خسائر كبيرة بدلاً من الحصول على عوائد مجزية منها. وتتراجع الشركات الصينية منذ عام 2020 عن وضع استثمارات جديدة في العالم النامي.

على صعيد التبادل التجاري بين الصين وأميركا تشير بيانات مكتب الإحصاء الأميركي الأخيرة إلى أن عجز تجارة البضائع الأميركية الحساسة سياسياً مع الصين كان أكبر في العام الماضي 2022 مما كان عليه عندما أصبح ترامب رئيساً، حيث سجل العجز التجاري الإجمالي لأميركا أعلى مستوى له على الإطلاق عند 1.18 تريليون دولار.

وهو ما يعزز وجهات نظر خبراء الاقتصاد أن التعريفات الجمركية والقيود لم تقلل العجز التجاري للولايات المتحدة وأن الحرب التجارية رفعت من التضخم في أميركا وكبدت المواطن الأميركي خسائر كبيرة.

وحسب تعليقات الزميلة في برنامج كارنيغي آسيا، جينيفيف سلوسبرغ، فإن الحرب التجارية ألحقت ضرراً كبيراً بالاقتصاد الأميركي دون تقليل المخاوف الاقتصادية التي كانت عنوان الحرب التجارية.

وحتى الآن يمكن القول إن الحرب التجارية نجحت في زيادة حصص تجارة شرق آسيا الأخرى مع الولايات المتحد، كما انخفض نصيب أوروبا من العجز التجاري الإجمالي لأميركا من 21% إلى 18%. وتمكنت كندا والمكسيك كذلك من خلال اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا من زيادة حصتها التجارية مع أميركا من 11% إلى 18%.

ويرى محللون أن صعود النفوذ الصيني في العالم يهدد النظام الليبرالي الحالي بقيادة الولايات المتحدة في ثلاثة مجالات وهي هيمنتها على النظام السياسي والاقتصادي والمالي ويمهد الطريق لتفوق الصين في المستقبل في مجالات التقنية المتقدمة وبناء القوة العسكرية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة مهدت لدخول الصين في منظمة التجارة العالمية الليبرالية (WTO)، إلا أن هذا الانضمام لم يحقق الهدف الذي كانت ترمي إليه واشنطن بتحرير النظام الاقتصادي الصيني القائم على نظم التخطيط المركزي وسيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي.

وكانت واشنطن تأمل في تحول الصين إلى اقتصاد السوق عبر عضويتها في منظمة التجارة العالمية وتحرم تدريجياً الشركات الصينية من الائتمان منخفض الفائدة التي تحصل عليها من بنوك الدولة، لأن إدارة الاقتصاد مركزياً في الصين تمنح حوافز عديدة لشركاتها وترفع من قدرتها التنافسية.

وسجّل الاقتصاد الصيني نمواً أعلى من المتوقع في الربع الأول من العام الجاري، بدعم من تحرّك صانعي السياسات لتعزيز الاقتصاد، بعد إلغاء القيود الصارمة لمكافحة فيروس كورونا في نهاية العام الماضي.

ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% على أساس سنوي في الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى نهاية مارس/ آذار، حيث أدى النمو القوي في الصادرات والاستثمار في البنية التحتية بالإضافة إلى انتعاش الاستهلاك المحلي وصعود أسعار العقارات إلى انتعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

المساهمون