التقارير الدولية.. تتجاهل الأسباب وتغرق بالنتائج

27 مارس 2021
التقارير تتجاهل أكثر من نصف الشعب المقيم في المخيمات ومناطق محاصرة داخل الوطن (فرانس برس)
+ الخط -

مبرر ساقط، ليس من مهام التقارير الدولية البحث في الأسباب، بقدر ما تختص بتوصيف الواقع واقتراح الحلول، لأن بكهذا عذر أقبح من ذنب، تشجيعاً على تكرار الأسباب من دون محاسبة المقترفين، فضلاً عن الخلط بين أسباب الكوارث الطبيعية والأسباب التي تدفع إليها القادة، لتأديب شعوبها بالتجويع الخراب، إن تجرأت وتمادت وطالبت بالآدمية والمواطنة والحقوق المشروعة.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، صدر تقرير أممي قبل يومين، عن" برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة" ليدق ناقوس الخطر في 20 نقطة ساخنة في العالم، مهددة بخطر انعدام الأمن الغذائي الخطير خلال الأشهر الخمسة المقبلة، وكان لسورية موقع الصدارة بالمنطقة العربية، فضلاً عن اليمن والسودان والصومال ولبنان.
وأتى التقرير باستحياء، على أن أسباب المجاعة المقبلة، هي الصراعات المسلحة والأوبئة ومنعكسات فيروس كورونا، من دون أن يفرّق بين أسباب التدهور الاقتصادي بكل بلد على حدة، وكأن الأسباب التي هجّرت نصف سكان سورية وأوصلت نسبة الفقر إلى نيف وتسعين بالمئة، هي ذاتها الأسباب التي أوصلت إثيوبيا على سبيل المثال إلى أحد أفقر بلاد العالم.
قصارى القول: حينما يقول تقرير دولي إن العقوبات على سورية منعت الحكومة من الاستيراد وتأمين المتطلبات المحلية، بل ويحمّل الحصار والعقوبات سبب تردي الواقع المعيشي، من دون أن يذكر أن فرض العقوبات جاء نتيجة، وليس سبباً، مذ بدأ رئيس الدولة قتل الشعب والرد على مظاهرات سلمية بالحديد والنار، ففي ذلك، وبألطف الألفاظ،  تضليل لأي متابع بعيد عن تفاصيل الأزمة السورية.
ووقت يتطرق التقرير الأممي إلى أن العملة السورية تراجعت من 50 ليرة مقابل الدولار عام 2011 لنحو 4 آلاف اليوم، ولا يتحدث عن تبديد الاحتياطي النقدي البالغ 20 ملياراً عام 2011، على التسليح وخدمة العسكرة ورشى الدول المستعمرة، ولا يأتي بذكر على التمويل بالعجز الذي يلجأ إليه القادة العجّز للاستمرار بالتسلّط، ولو على حساب العملة ومستوى معيشة الشعب، فأيضاً بذلك تعميم وتعمية، حتى لمن يطلب إليهم المساعدة وإبعاد الفقراء عن حوافّ الموت.

كذلك إن تجاهل التقارير الدولية لأكثر من نصف الشعب المقيم بالمخيمات ومناطق محاصرة داخل وطنه، والقفز على أسباب النزوح، يمكن القول وقتذاك، عن انحياز التقارير ومعديها للظلم، إن لم نفكر في دوافع دنيئة من شأنها الإيصال إلى إبادة فئات محددة من الشعب.
نهاية القول: أن نطالب مصدري التقارير الدولية وإن الإنسانية، بالوقوف على الأسباب والمسببين، فلتحميل وتوزيع المسؤولية أولاً، فأن تتقدم روسيا الاتحادية على سبيل المثال، ببضعة ملايين من الدولارات كمساعدات لنجدة السوريين، فهل ذلك يبعد عنها المسؤولية عن جرائم إنسانية اقترفتها بسورية منذ تدخلت عام 2015 إلى جانب الأسد، لتحول دون حلم السوريين بالحرية والعدالة، وتجعل من سورية والسوريين، بحسب الرئيس بوتين، ساحة تجارب لترسانة أسلحتها الجديدة.
وأن تقدم إيران، على سبيل المثال أيضاً، بعض صهاريج أو ناقلات نفط للسوريين، بالمجان أو بأسعار تفضيلية، فهل ذلك يبعدها عن تهمة سرقة مقدرات سورية وتوقيع اتفاقات للسيطرة على ثروات السوريين وحقوقهم، وكذا الولايات المتحدة وما سمّوا قوات التحالف التي أسهمت بدعم النظام القاتل وتهديم البنى وتهجير السوريين.
يمكن القول، ولا نعتقد بمبالغة أو ظلم بالوصف، إن جلّ التقارير الدولية، حق يراد منه باطل، فحين يُسلَّط الضوء على أعداد ونسب الجوعى للاستعطاف ونقل واقع البؤس لعقد مؤتمرات للمانحين، ولا تُذكَر جرائم القاتل ولا المطالبة بجلاء المحتلين، سراق الأحلام والثروات، فوقتذاك، تنتفي صفة الإنسانية عن التقارير الإنسانية، ويصبح لزاماً على مصدريها، البحث عن اسم وصفات أخرى.

المساهمون