التقارب السياسي يفتح الباب لزيادة التجارة بين تركيا ومصر

09 ديسمبر 2022
أردوغان والسيسي يتصافحان خلال حضورهما حفل افتتاح مونديال قطر (الأناضول)
+ الخط -

يسود التفاؤل بتطبيع العلاقات التركية المصرية، كلا الجانبين، بعد عشر سنوات من القطيعة السياسية، أثّرت وإن بشكل محدود، على العلاقات الاقتصادية والاستثمارات وحجم التبادل، لتأتي مصافحة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والمصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مونديال كأس العالم بقطر، لتؤشر على إعادة بناء العلاقات الثنائية بين البلدين وفق مراقبين، وبالتالي سينعكس ذلك على الملف الاقتصادي.

ويعوّل كل من المصريين والأتراك على عودة العلاقات السياسية، وما سيرافقها من زيادة التبادل التجاري والسياحة والاستثمارات، على تحسن الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين.

ويرى المحلل الاقتصادي المصري، علاء شديد، أن "علاقات بلاده الاقتصادية والتجارية خاصة، لم تنقطع مع تركيا، رغم توتر العلاقات السياسية منذ منتصف عام 2013، لكن ذلك لا يعني أنها لم تتأثر، فالاقتصاد هو وجه السياسة الآخر ويتأثر بأي أزمة، سواء على صعيد قلق الرساميل والاستثمارات أو لجهة السياحة، فمن حق رأس المال أن ينظر لأفق العلاقات".

ويشير الاقتصادي المصري لـ"العربي الجديد" إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع، منذ لاحت ملامح الانفراج السياسي، فخلال الربع الأول من العام الجاري زاد بنسبة 85% عمّا كان عليه العام الماضي، كما أن الصادرات التركية إلى مصر، وصلت للمستوى الأعلى ربما منذ عشر سنوات، بعد أن سجلت خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، نحو 2.8 مليار دولار بنسبة نمو 17% لتبلغ مصر المرتبة الـ 15 ضمن قائمة الدول الأكثر استيراداً من تركيا، متوقعاً مزيداً من ارتفاع أرقام التبادل والاستثمارات، بعد المصالحة وتعيين السفراء "وربما مؤتمر اقتصادي استثماري قريب يجمع رجال أعمال البلدين برعاية حكومية رسمية".

في المقابل، يرى الاستشاري التركي، علاء الدين شنكولر، أن مشوار تطبيع كامل العلاقات "يتطلب وقتاً وتنازلاً من كلا الطرفين"، لأن الملفات العالقة "حرجة وحساسة"، خاصة مسألة غاز شرق المتوسط، وعلاقات تركيا مع الدول العربية، خاصة ليبيا، والتي ترفعها مصر شرطاً لتطبيع العلاقات، متوقعاً أن يقع التنازل من كلا البلدين لما فيه مصلحة الشعوب.

ويعتبر شنكولر خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن بداية "الانطلاقة الاقتصادية" كانت بعد لقاء رجال الأعمال بالقاهرة في آب/ أغسطس الماضي، وقت التقى 450 رجل أعمال مصرياً إلى جانب أكثر من 50 رجل أعمال من تركياً، وجرى وضع ملامح العمل المستقبلي، التجاري والاستثماري.

وتتزايد الآمال في تركيا، بتسريع وتيرة تحسين العلاقات مع مصر، بعد تأكيد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بأن تركيا ومصر قد تستأنفان العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتعيدان تعيين سفيرين "في الأشهر المقبلة"، في حين التقى وفدان استخباراتيان من البلدين في مصر مطلع الأسبوع الجاري.

وترى الباحثة السورية سعاد خبية من القاهرة أن الفترة الراهنة، هي الأنسب لعودة العلاقات بين تركيا ومصر، نظراً لما يعانيه اقتصاد وشعب البلدين، بعد ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم النقدي، معتبرة أن التكامل فيما بين البلدين، على صعيد التجارة والزراعة والسياحة، يمكن أن يبدل من واقع الأزمة الاقتصادية التي طاولتهما، خاصة بعد زيادة أسعار النفط والقمح، لأن تركيا تستورد جل ما تستهلك من النفط والغاز بفاتورة تزيد عن 50 مليار دولار، ومصر من أكبر مستوردي القمح بالعالم بأكثر من 10 ملايين طن.

وتضيف الباحثة خبية لـ"العربي الجديد": أن لغة الأرقام تؤشر على زيادة التجارة بين البلدين بعد إزالة التوتر السياسي.

وتذكّر بتعطيل عمل جمعية رجال الأعمال التركية المصرية "أو تأثر العمل والاستثمار خلال التوتر السياسي على الأقل"، فالجمعية التي تضم نحو 730 شركة، كانت تعمل "بتردد والحد الأدنى".

ولكن، لم تزل برأي مراقبين "مسائل عالقة وحساسة" ربما تؤثر أو تؤخر من عودة العلاقات السياسية بين مصر وتركيا، ومنها الخلاف على الحدود البحرية وغاز شرق المتوسط، كما لا يستبعد المراقبون أن وجود تركيا بليبيا التي تربطها بها اتفاقات اقتصادية وأمنية مشتركة، عامل إخافة إضافي، لمراوحة العلاقات وبطئها.

ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن بلاده "قدمت مرونة شديدة، وستقدم المزيد حول الملفات العالقة"، لكن غاز المتوسط أمر حاسم لأنقرة، كما أن علاقتها مع ليبيا شأن تركي داخلي".

ولكن كاتب أوغلو يستدرك خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن مصالح البلدين وما تشكله مصر لتركيا، من بعد تاريخي وجغرافي ومصدر للغاز، وما تعنيه تركيا لمصر، بمجال تطور الصناعة ونقل التكنولوجيا، سيدفع الطرفان للبحث عن قواسم مشتركة تحافظ على مصالحهما، كاشفاً لـ"العربي الجديد" أن تركيا وضعت برنامجاً لزيارات متبادلة لوزيري الطاقة، لبدء التفاهم حول ترسيم الحدود البحرية "أحد أهم الخلافات" بعد تهميش تركيا بمنتدى غاز شرق المتوسط، مضيفاً أن ثمة إشارات مصرية على مراعاة خارطة حدود المنتصف "وتركيا شكرتها على ذلك، وستقدم من طرفها مرونة".

ويضيف أوغلو أن "تعليمات الرئيس أردوغان بأن يكون التعاون مع مصر استراتيجياً" بمعنى ألا يقتصر على حل المسائل العالقة، بل زيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري ليتعدى 10 مليارات دولار، واستفادة مصر من الأسطول التركي بالتنقيب، بدل العروض الفرنسية، والتطلع لعقود طويلة الأجل مع مصر، لاستيراد الغاز المسال.

وتشير أرقام التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى 4.5 مليارات دولار العام الماضي، والمتوقع أن يزيد عن 5 مليارات دولار العام الجاري حسب مراقبين. وتتركز أهم الصادرات التركية إلى مصر على الملابس الجاهزة، والغذائيات، والمواد الكيميائية، ومنتجاتها، إضافة إلى المنتجات الزراعية والغزل والنسيج. في حين تستورد تركيا من مصر السيارات، والمحركات، والمواد البترولية، والمعادن، إضافة إلى المطاط، والمواد البلاستيكية، والورق، والصناعات الكرتونية.

 

المساهمون