- السوق الدوائية تشهد فوضى في التوزيع والتسعير، مما يضع المرضى في موقف صعب بالحصول على الأدوية، خاصةً في المستشفيات الحكومية.
- صناعة الأدوية تواجه تحديات مثل صعوبات الاستيراد وارتفاع تكاليف التشغيل، مع خطط حكومية لبيع حصص في شركات الأدوية العامة دون رؤية واضحة لتعزيز المنافسة.
تحسم هيئة الدواء في مصر الأسبوع المقبل، طلب شركات الأدوية رفع أسعار 1500 صنف من الأدوية المنتجة محليا.
يأتي الاجتماع المؤجل لعدة مرات منذ مطلع العام 2024، بضغط من غرفتي الصناعات الدوائية والغرفة التجارية، لدفع الحكومة إلى رفع أسعار الدواء، بنسب تزيد عن 50%.
مطالب المصنعين برفع الأسعار بنسبة 60%، وهو معدل تهاوي قيمة الجنيه منذ يناير/ كانون الثاني 2023، جاءت وسط شح هائل بمعظم الأدوية المحلية، المتأثرة بتعطل سلاسل إمدادات المصانع من المواد الخام، وارتفاع تكاليف التشغيل، مع تراجع حاد بقيمة الجنيه.
فجرت أزمة المصنعين نقصا حادا في أدوية الأمراض المزمنة وبخاصة القلب والسكر والدم، ولبن الأطفال، وندرة بأدوية الأعصاب والأدوية النفسية، أدت إلى انتشار سوق سوداء للأدوية، دفعت برلمانيين إلى دعوة الحكومة إلى الحد من آثارها السلبية على المواطنين.
فوضى الأسواق
كشفت الأزمة عن حالة فوضى بسوق الدواء المصرية، حيث يتبادل أطراف صناعة الدواء الاتهامات حول نقص الدواء المحلي واختفاء المستورد بالأسواق، مع لجوء شركات توزيع مستحضرات طبية إلى بيع منتجاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتحدد سعرا خاصا للأدوية بعيدا عن رقابة الدولة.
أجرت "العربي الجديد" جولة بين صيدليات العاصمة القاهرة، حيث رصدت فروقا هائلة في سعر الأدوية المستوردة، بين صيدلية وأخرى، وعدم التزام الصيدليات بكتابة التسعير للمنتج المحلي، مع زيادة مستمرة في السعر على مدار الأشهر الماضية، تصل إلى ضعف قيمة الدواء.
يواجه المرضى بالمستشفيات الحكومية والعامة ندرة وجود الأدوية، ونقصا بقطع غيار المعدات الطبية، بما يدفعهم إلى تدبيرها عبر شرائها من خارج المؤسسات الحكومية، أو اللجوء للمستشفيات الخاصة التي تبالغ بشدة في بيع الأدوية والخدمات الطبية للمرضى، حيث تخرج من نطاق التسعير الجبري إلى العلاج الاستثماري باهظ التكلفة.
قال أطباء لـ"العربي الجديد" إن أزمة الأدوية تجعلهم يكتبون عدة بدائل لكل دواء، والاعتماد على الأدوية المحلية، لتسهيل الأمر أمام المرضى، مشيرين إلى صعوبة حصول مرضاهم على الأدوية التي لا بديل لها المنتجة في الخارج، خاصة اللازمة للأمراض المستعصية، منها أدوية الأورام والدم وقسطرة القلب والأسنان.
ندرة في الأدوية
يشكو صيادلة لـ "العربي الجديد" من عدم قدرتهم على الحصول على حصتهم من الأدوية من الشركات التي تلجأ إلى توزيع الأدوية، خارج نظام الحصص المقررة رسميا، أملا في تحقيق المزيد من الأرباح، وخصم حوافز البيع المقررة للصيدليات.
يؤكد صيادلة أن نسبة العجز في توريد الأدوية تزيد عن 50% شهريا، بما يضعهم في ورطة أمام المرضى الذين يأتون لشراء ما يفرضه الأطباء لعلاجهم، فلا يجدون ما يطلبونه لدى صيدلية واحدة.
قدمت شركات الأدوية طلبا لهيئة الدواء برفع أسعار 1500 منتج دوائي، بنسبة تتراوح ما بين 20% - 25% في فبراير/ شباط الماضي، مدفوعة بارتفاع قيمة الدولار بالأسواق، حيث ظل تسعير الأدوية السائد ثابتا منذ نهاية 2022، عند سعر 20 جنيها للدولار، بينما تحرك رسميا عند مستوى 31 جنيها للدولار.
تداعيات التعويم
ارتفعت مطالب الشركات برفع الأسعار الأسبوع الماضي، بعد التعويم الجديد للجنيه الذي بلغ 47 جنيها مقابل الدولار بالبنوك، عدا عمولة تدبير العملة التي تفرض بواقع 10% على الدولار الموجه لاستيراد المنتجات الطبية والأدوية.
تعهدت الحكومة عدة مرات بالعمل على تدبير احتياجات قطاع الأدوية من الدولار ومستلزمات إنتاج ومعدات وقطع غيار، واكتفت في أغلب الأحيان بتدبير الأموال السريعة للأدوية والمنتجات الطبية المطلوبة بصفة عاجلة للجمهور، بينما تركت المصانع تواجه نقصا في مدخلات الإنتاج، لتتسع الفجوة بين مطالب السوق وقدرة المصانع على توفير الإنتاج المحلي.
يضع المصنعون إعادة النظر في أسعار الأدوية على قائمة مطالبهم المتكررة شهريا أمام رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة، والأجور والتأمين على العاملين، الأمر الذي يوسع الفجوة في مصروفات الشركات وعوائدها.
تلزم وزارة الصحة مصانع الأدوية بسعر جبري وفقا للقرار الوزاري رقم 2012، الذي يخول الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة تحديد الأسعار وفقا لسعر المنتج السائد في الدول الأخرى، لمدة 5 سنوات، على أن تضع الإدارة السعر بمعدل أقل من نظيره بالخارج، مع إمكانية تجديد السعر في حالة تذبذب أسعار صرف العملات الأجنبية الرسمية، بنسبة 15%، أو أكثر خلال عام واحد، أو إذا قدمت إحدى الشركات طلبا رسميا لإعادة تسعير منتجاتها بنسبة تصل إلى 5% سنويا.
تستغل بعض الشركات النفوذ السياسي لبعض ملاكها في التأثير على القرارات الحكومية، وعمل تحريك منفرد لأسعار منتجاتها، بما يؤدي إلى تضارب بقيمة نفس الدواء من شركة لأخرى.
وسع ثبات سعر الصرف بالبنوك خلال الفترة من مارس/ آذار 2023 - إلى مارس 2024، الفجوة بين الأسعار الرسمية لتكلفة الخامات، وقيمتها الحقيقية، مع لجوء الشركات إلى السوق الموازية لتدبير العملة الصعبة، بضعف قيمة الدولار السائدة بالبنوك.
تدهور الصناعة
تشير تقارير غرفة صناعة الأدوية إلى التدهور الذي يصيب صناعة الأدوية، متأثرة بشدة بسب تراجع استيراد المواد الخام للأدوية، من الصين والهند اللتين تشكلان أكبر مورد للمواد الكيماوية والطبية لمصر والشرق الأوسط، التي تأثرت بحالة الاضطراب العسكري في البحر الأحمر وشح العملة الصعبة، والقيود المشددة التي تفرض على استيراد المواد الخام والموافقة الفعالة للأدوية والمنتجات الدوائية.
يؤكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف، اعتماد صناعة الأدوية على استيراد 90% من مكونات الإنتاج المحلي من الخارج، بينما تشير مصادر بغرفة صناعة الأدوية لـ"العربي الجديد" إلى خضوع استيراد الخامات الدوائية لقيود أمنية مشددة منذ عام 2015، تدفع إلى استيراد تلك الخامات عبر جهات حكومية، وعدم خروجها من المنافذ الجمركية دون موافقة أجهزة الكشف عن المفرقعات وتحليل جهات عسكرية لكافة المكونات، بما يؤخر عمليات الإفراج الجمركي، ويعرض نسبة عالية من المنتجات المستوردة للتلف.
تسبب عمليات تأخير الإفراج الجمركي في فرض رسوم هائلة على الشركات، نتيجة تأخر المنتجات في الموانئ عدا ما تتحمله من ضرائب ورسوم لكافة الجهات الرقابية والحكومية.
يشكو أعضاء بالغرفة من لجوء مصانع إلى تدبير احتياجات التشغيل من السوق السوداء، بما يدفع إلى زيادة تكلفة التشغيل والإنتاج، ويجعل بعض الشركات تتجه إلى إنتاج مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية، للحصول على الحد الأدنى من العوائد التي تمكنهم من البقاء، لافتين إلى ضرورة تبسيط الإجراءات وتسريعها بالجهات المشرفة على صناعة الدواء.
يضع المصنعون إعادة النظر في أسعار الأدوية على قائمة مطالبهم المتكررة شهريا أمام رئيس الوزراء
تبحث شركات الأدوية عن سبل إنقاذ الصناعة من روتين نظام تسجيل المستحضرات الدوائية المطول، والذي يحتاج إلى تكلفة ترخيص بقيمة ما بين 100 ألف إلى مليون جنيه، لتسجيل المنتج المحلي، بينما يحصل المنتج الأجنبي على حق تداوله في الأسواق بمجرد حصوله على شهادة بحق تداوله في الأسواق، لمجرد إنتاجه في إحدى الدول العربية والأجنبية المسموح بتداول أدويتها محليا.
يبلغ عدد مصانع الأدوية المرخصة نحو 191 مصنعا، تمتلك 799 خط إنتاج، وفقا لبيانات هيئة الدواء المصرية.
من جانبه، يبين رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات، جمال الليثي، وجود 170 مصنعا للأدوية، و40 مصنعا تحت الإنشاء، و500 مصنع للمستحضرات الطبية و300 لإنتاج المعدات الطبية.
ويرفض برلمانيون وممثلو جمعيات المستثمرين توجه الحكومة إلى بيع شركات الأدوية العامة، مطالبين بأهمية إصلاح شركات القطاع العام، ودعم قدراتها المادية والفنية لإنتاج المواد الخام، التي لن يستطيع القطاع الخاص الاستثمار بها، لحاجتها إلى تمويل ضخم لا يقدر القطاع الخاص على تدبيره، ولا تحمل أعبائه.
وتتجه الحكومة إلى بيع حصص في الأصول المملوكة للدولة بشركات الأدوية لمستثمرين محليين وأجانب، ضمن هدفها لتحصيل 40 مليار دولار خلال 3 سنوت، من عوائد بيع القطاع العام، دون رؤية واضحة لتمكين القطاع الخاص من حل قيود عميقة تجعله غير قادر على العمل، والمنافسة مع المنتجات الدوائية الدولية.