تتواتر الدعوات الأوروبية إلى إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، بتبنّي استراتيجية طويلة المدى للتعامل مع أفغانستان. ويحذّر مسؤولون غربيون من التداعيات الخطيرة لـ"فراغ النفوذ السياسي والأمني" في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأميركية، على مستقبل المصالح الغربية في منطقة جنوب ووسط آسيا.
وبينما يعترف مسؤولون في الإدارة الأميركية، بأن الولايات المتحدة ليست لديها رؤية واضحة في التعامل مع مستقبل الحكم في أفغانستان أو خطة حول كيفية التعامل مع حكومة "إمارة أفغانستان الإسلامية" الانتقالية التي أعلنت عنها طالبان في سبتمبر/أيلول الماضي، يدور السؤال حول ماذا تريد العواصم الغربية من طالبان، هل تريد الديمقراطيات الغربية لحركة طالبان أن تنجح أم تفشل في حكم البلاد؟
ووسط الضغوط الغربية المالية والاقتصادية على حكومة طالبان، يرى محللون أن هناك أربعة مخاطر ربما ستدعو واشنطن وحلفاءها في أوروبا إلى ترك التردد والانتظار وإعادة العلاقات مع حكومة طالبان الانتقالية ومساعدة أفغانستان على الاستقرار الاقتصادي والأمني.
وحتى الآن، لا توجد لدى الحكومات الغربية سفارات في العاصمة الأفغانية كابول، بينما أبقت كل من روسيا والصين وإيران وباكستان وتركيا على سفاراتها في كابول. وبالتالي تركت واشنطن الباب مفتوحاً أمام النفوذ الصيني الروسي للهيمنة على القرار في أفغانستان وتشكيل مستقبل منطقة آسيا الوسطى الاستراتيجية. وهذه المخاطر تتمثل أولا في انهيار الاقتصاد الأفغاني، وحدوث كارثة إنسانية تدفع الأفغان إلى الهجرة بالملايين من أفغانستان إلى أوروبا.
أما الخطر الثاني فهو ترك "فضاء النفوذ الأفغاني" وثرواتها للصين وروسيا. وثالث المخاطر أن يقود انهيار البلاد إلى فوضى وعودة المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان وتغذية تنظيم القاعدة الذي يحارب حركة طالبان. ورابعاً مخاطر تتمثل في تمدد مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية إلى منطقة الخليج، ومنح إيران فرصة التجارة المباشرة مع الشركات الصينية عبر الأراضي الأفغانية، حيث ترتبط أفغانستان جغرافيا بحدود مع إقليم شينجيانغ شرقي الصين وبحدود مع إيران في منطقة الهزارة في الحدود الغربية.
وقال مسؤول أوروبي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"واشنطن بوست"، يوم الجمعة "لا بد أن تكون لدينا خطة لمساعدة أفغانستان للخروج من أزمتها الإنسانية والاقتصادية، والتأكد من أن البلاد لن تتحول إلى دولة فاشلة".
كما تحذّر منظمات الإغاثة والعون الإنساني من حدوث مجاعة في أفغانستان تؤدي إلى فوضى أمنية وهجرات جماعية إلى الخارج. ورغم ما جمعته من أموال لا تستطيع هذه المنظمات إيصال المساعدات إلى أفغانستان من دون رفع الحظر الأميركي على البلاد، أو الاعتراف الشرعي بحكومة طالبان الانتقالية من قبل المجتمع الدولي.
في ذات الصدد، يقول الزميل في مركز دراسات التعاون الدولي بجامعة نيويورك والدبلوماسي الأميركي السابق، بارنيت روبن، "لابد من مساعدة طالبان، لأن الخيار المتاح أمام الإدارة الأميركية هو إما مساعدة طالبان وبناء الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد، أو ترك أفغانستان للانهيار وبروز تنظيم القاعدة من جديد".
وحتى الآن، نفّذ تنظيم "داعش" هجمات انتحارية مدمرة في مطار كابول وفي بعض المدن الأفغانية.
من جانبه، يقول مسؤول في طالبان، ذبيح الله مجاهد، في لقاء بكابول هذا الشهر: "لن يكون في صالح الشعب الأفغاني أو الولايات المتحدة إضعاف الحكومة الانتقالية في أفغانستان".
وكانت حركة طالبان قد تعهدت للولايات المتحدة بعدم ترك الحدود الأفغانية للحركات الإرهابية المتطرفة، ولكن محللين يرون أن الوفاء بهذا التعهد يحتاج إلى قدرات مالية واقتصادية وأمنية للسيطرة على الأراضي الأفغانية، وهو غير متوفر الآن لحكومة طالبان الانتقالية التي تواجه عودة الهجمات الانتحارية التي يشنها تنظيم داعش في البلاد.
ولا تزال أميركا تجمد أموال أفغانستان وتحظر التعامل المالي معها، كما تمنع المصارف التجارية العالمية من التعامل مع البلاد، عدا الحالات الاستثنائية الخاصة بالمساعدات الإنسانية.
على صعيد فراغ النفوذ السياسي والأمني الذي تركه انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، يرى خبراء غربيون أن هناك قلقا في العواصم الغربية من ملء الصين لهذا الفراغ، واستغلال موقع أفغانستان الجغرافي الاستراتيجي في تعزيز مشاريع "الحزام والطريق"، وتعبيد الطرق السريعة وبناء السكك الحديدية التي تربط الصين مع منطقة الخليج وإيران، إضافة إلى تنشيط ميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب.
وبالتالي، يمنح الفضاء الجغرافي الأفغاني، الصين، فرصة إنشاء ممر تجاري واسع وغني يربط بين مصالح روسيا ومشاريع "الحزام والطريق" في آسيا الوسطى مع مشاريعها في باكستان وإيران.
وتبعاً لذلك يمنح الفضاء الأفغاني بكين فرصة تمديد تجارتها بشكل مباشر مع سلطنة عمان ومنطقة الخليج العربي. وحسب تحليل في صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن ذلك سيشكل تهديداً مباشراً للمصالح الغربية في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة.
ومعروف أن عين الصين هي على المعادن النادرة في جبال أفغانستان، والتي تقدر مصلحة الجيولوجيا الأميركية قيمتها بما بين تريليون وثلاثة تريليونات دولار. وتعد تلك المعادن التي تهيمن الصين على جزء كبير من احتياطاتها العالمية إحدى نقاط الضعف في الصناعة الأميركية، ونقطة قوة لدى الحكومة الصينية في نزاعاتها التجارية والتقنية مع الولايات المتحدة.
في هذا الشأن، قال الخبير الاستراتيجي أندرو سمول، في تعليقات لـ"مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي": "الحكومة الصينية لا تنظر لأفغانستان بعد صعود طالبان للحكم بمنظار الفرص التجارية والاستثمارية فقط، ولكن بمنظار إدارة المخاطر التي تمثلها طالبان على مصالحها السيادية".
ويلاحظ أن الأقلية المسلمة من جماعة الإيغور التي تتعرض لاضطهاد بكين، تسكن في إقليم شينجيانغ أو تركمنستان الشرقية المجاور لأفغانستان. وفي ذات الصدد، قال مسؤول غربي لصحيفة "واشنطن بوست"، إن "بكين تقول لحركة طالبان لا تحتاجون لعودة الخبراء الغربيين لبلدكم، نحن نديرها لكم".
على صعيد استغلال دول الجوار للفضاء الجغرافي الأفغاني، فإن بكين تعمل منذ سنوات مع باكستان على إنشاء ميناء غوادر الذي تخطط له أن يربط بين مشاريعها في باكستان ودول آسيا الوسطى وإيران، التي تربطها بها اتفاقية تجارية واستثمارية لمدة 25 عاماً وتبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار.
كما أن ترك النفوذ الغربي لتحالف بكين وموسكو وطهران سيعني إضعاف الحظر الأميركي على إيران، وربما عرقلة المفاوضات النووية التي من المتوقع أن تبدأ خلال الشهر الجاري بين واشنطن وطهران، حيث إن التجار الإيرانيين وشبكة الهزارة الشيعية في أفغانستان يمكنها مواصلة خرق الحظر الغربي وتنشيط الحركة التجارية الإيرانية مع الشركات الصينية عبر أفغانستان.
على صعيد المخاوف الأوروبية من الهجرة، قال مسؤولون أوروبيون إن ترك الاقتصاد الأفغاني للانهيار سيقود تلقائياً إلى موجات هجرة جديدة إلى أوروبا.
وهذه الهجرة تقلق المفوضية الأوروبية التي تعاني من الهجرة الكثيفة من دول أفريقية وشرق أوسطية. وتتخوف القيادات الأوروبية من تداعيات موجة هجرة جديدة على مستقبل التوازن الديمغرافي في دولها، وكذلك من تأثيرها السالب على صعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة في دول القارة.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "على الرغم من أن الولايات المتحدة أعفت المنظمات الإنسانية من الحظر، إلا أن وكالات الأمم المتحدة الإغاثية تجد حالياً صعوبة في إيصال المساعدات بسبب الحظر... حتى أننا لا نستطيع إيصال أموال إلى كابول لدفع رواتب موظفينا هناك".