التطورات العشرة الكبار

31 ديسمبر 2020
إسرائيليون وإسرائيليات يحتفلون بأعيادهم في فندق بدبي
+ الخط -

التطورات الأساسية ذات البعد الاقتصادي والسياسي في الوطن العربي كثيرة وخطيرة. وقد قمت باستفتاء عدد من الكتّاب وأصحاب الرأي ممن أعرفهم، لأستعلم منهم عن رأيهم في أهمها. وبعد التمحيص والدراسة، وإضافة ما لدي من هواجس وفكر، أتقدّم للقراء في صحيفة "العربي الجديد" بِمَا أعتقد أنه أهم عشرة تطوّرات ضمن هذا الإطار المكاني والزماني: المكان هو الوطن العربي، والزمان هو عام 2020.

من أطرف ما حدث مساء الحادي والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، كان اصطفاف أكبر كوكبين شمسيين، المشتري وزحل، لقرب بعضهما من بعض (عملياً ملايين الكيلومترات)، ما أعطى للناظر وجبةً طبيعيةً رائعةً تألق فيها نجمٌ ساطعٌ في السماء. ويسمي علماء الفلك هذه الظاهرة "الاقتران العظيم" Great Conjunction. وإذا كان زحل فألاً سيئاً عند المنجّمين، والمشتري رمزاً للسلام والهدوء، يجب بناءً عليه أن يسمى عام 2020 عام زحل، وعام 2021 عام المشتري. 
دعونا نتأمل في أهم عشرة تطورات خلال عام زحل:
أولاً: انفجار جائحة كورونا، ودخول العالم، قبل الأوان وقبل أن يكون جاهزاً لها، في رؤية المستقبل. ومنحت الجائحة مراقبين كثيرين كوّة يطلون منها على عالم الغد، بتباعده الاجتماعي، وانعزاله النفسي، وفقدان العاطفة، والعيش في عالم يعتدى فيه على خصوصية الإنسان، ونمط حياته، وحرية فكره، ومصادر رزقه. 
هذا فضلاً عن أن كوفيد 19 قد كبّد العالم في قيمة إنتاجه خسارة لا تقلّ في مجموعها عن خمسة تريليونات دولار حتى الآن، بينما خصص العالم حوالى 20 تريليون دولار عام 2020 على الأقل لكي يخرج منها خلال هذا العام والأعوام المقبلة. أما في الوطن العربي، فقد وصلت الخسائر إلى ما يقارب تريليون دولار.
ثانياً: صِدقُ نبوءة بعض كبار الكتّاب في العالم، أن الديمقراطية تمرّ بأزمة خطيرة في كثير من دوله. ومن أبرز من تنبأوا بذلك من الكلاسيكيين كارل ماركس، ومن المحدثين فرانسيس فوكوياما، وريك شينكمان في كتابه الصادر عام 2019، "الحيوانات السياسية: كيف تعوق عقولنا المتحجرة الطريق إلى السياسة الذكية"، وغيرهم كثيرون. 
وقد شهد عام 2020 آلاف الشواهد على تراجع الديمقراطية، ليس في دولٍ متهمة بأنها ليست ديمقراطية، بل في دول تفخر بأنها كذلك، مثل الولايات المتحدة التي يرفض رئيسها ترامب نتائج الانتخابات، وجرأته في الإفصاح عن ذلك. الدول العربية متهمة بخنق الحريات، وإساءة المعاملة ضد المعارضة، وتهميش الإنسان. ولذلك، شهدت مطالب الشعب العربي بالحقوق الأساسية في ظل التراجع الاقتصادي كبتاً وانتكاساً.
ثالثاً: لم تقتصر الديكتاتورية على الأنظمة السياسية التي استفادت من أزمة كورونا، ولكن هذه انتقلت على شكل احتكارات دولية إلى القطاع الخاص العالمي، وعلى الأخص شركات الإنترنت الكبرى، مثل غوغل وفيسبوك والتي تتدخل في محتوى ما ينشر. وبهذا تحوّلت هذه الشركات إلى أدوات سياسية بديلة للمنظمات الدولية التي أُضعفت، فصارت شركة مثل أمازون لها نفوذ سياسي بإمرة شخص واحد. أما العرب، فهم لا يساهمون في التطور التكنولوجي، أو البرامجي، للخواشن والنواعم في التكنولوجيا الرقمية والذكية، فقد صاروا من أسهل الدول انصياعاً لهذه الشركات الكبرى، وسنرى مزيداً من هذه الهيمنة قريباً.

رابعاً: ضعف دور الاتحاد الأوروبي كوحدة اقتصادية بخروج بريطانيا، وبتهديد بعض الدول بالخروج أو رفضها الانصياع للشروط المطلوبة من رئاسة الاتحاد الأوروبي في مجالات الهجرة، واللاجئين، والسياسة النقدية وحرية التجارة وغيرها. 
وفي المقابل، رأينا نمواً نسبياً في تأثير الصين، ومن بعدها الهند، اللتين بدأتا في التدخل المباشر في شؤون المنطقة العربية، والسعي إلى زيادة نفوذهما فيها. والسؤال هو كيف سيتعامل العرب مع هذه التغيرات، وهل سيتبنون استراتيجيات جديدة لإحداث توازن في علاقاتهم مع شرق الأرض وغربها؟
خامساً: استمرار سعر النفط في التذبذب ضمن 40 - 50 دولاراً للبرميل الواحد، بعدما دخلت كل من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في اتفاق مع بعض المنتجين الآخرين، خصوصاً روسيا. وقد بقي هذا السعر في النصف الثاني من عام 2020 مستقرّاً، بسبب هذا الاتفاق. لكن مع ارتفاع نسبة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، والتهديدات المكبوتة، وإرسال بوارج وغواصات إلى بحري العرب والأحمر، فقد شهد النفط ارتفاعاً إلى حدود الخمسين دولاراً، بزيادة دولارين أو نقصهما عن ذلك السعر المرجعي. وهو بالطبع أقل من السعر الذي يضمن توازن موازنات دول الخليج، التي أُقر معظمها لعام 2021 بعجز أكبر من السابق.
سادساً: دخول أربع دول عربية في حالة تطبيع كامل مع إسرائيل، من النواحي السياسية والاقتصادية، الإمارات البحرين والسودان والمغرب. 
وفي المقابل، استأنفت السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتلقت مقابل ذلك مليار دولار من مستحقاتها الضريبية التي تجبيها إسرائيل نيابة عنها، وعدم تسامح السلطة مع من ينتقدون التطبيع الذي وضع مزيداً من الضغوط على الأردن، ومصر خصوصاً، وعلى قطاع غزة بشكل أعمق.
سابعاً: أما الحدث السياسي الذي أقلق بعض الأنظمة العربية، وأراح بعضها الآخر، سقوط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية، بعد فترة واحدة حافلة بالتطورات والأحداث العجيبة. وقد بنى ترامب علاقات وثيقة مع دول عربية عليها أن تبذل جهوداً دبلوماسية وسياسية، لاستعادة علاقاتها مع الإدارة الديمقراطية الجديدة التي سيتابع المراقبون تنفيذها وعودها بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وعضويتها في منظمة الصحة العالمية، وإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وتحسين العلاقات مع إيران، وكذلك التشدّد مع روسيا.

ثامناً: تراجع كل الاقتصادات العربية دون استثناء. وتوقعت مصادر مثل Arab Investment Portal أن يراوح معدل التراجع من 0.8%، في مصر إلى 8.0% - في الكويت إلى 25.0%- في لبنان ليصل إلى سالب 68.0%- في ليبيا، نقلاً عن آخر تقارير صندوق النقد الدولي. وهذه أرقام مفزعة، وتعني تراجعاً كبيراً جدّاً في معدّل دخل الفرد العربي خلال عام 2020 بنسبة لا تقل عن 7.0%.


تاسعاً: سيكون معدل العجز في موازنات الدول العربية نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، وستعاني دول، مثل لبنان، من عجز 15.3% في الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، و 16.9% في السودان، و 11.8% في الكويت. وسيتحوّل العالم العربي إلى منطقة متخمة بالديون، وما قد يترتب عن ذلك من تهديدٍ للأمن والاستقرار.
عاشراً: ازدياد التحرّكات الشعبية لسوء الأحوال الاقتصادية، كما حصل في العراق، واليمن، وفلسطين، والأردن (بشكل مخفف)، وبعض مناطق مصر، والمغرب، وتونس، وليبيا، والسودان. والوضع هذا مرشّح للتفاقم عام 2021 بسبب ارتفاع البطالة بين الشباب خصوصاً، واتساع مساحة الفقر.

المساهمون