التضخم يشعل غضب المغاربة

28 ابريل 2023
ارتفاع الأسعار في المغرب (Getty)
+ الخط -

يتزايد الغضب الشعبي في المغرب من جراء موجة التضخم غير المسبوقة التي تمر بها البلاد والتي زادها ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية اشتعالا، وهو الأمر الذي أثر سلبيا بشدة على القدرة الشرائية لذوي الدخول المحدودة والطبقة الوسطى التي تضاءلت قدرتها على تلبية احتياجاتها من السلع الأساسية، وذلك وسط اتهامات للحكومة بالتعثر في مواجهة الأزمة وعدم الوفاء بتعهداتها السابقة المبرمة مع النقابات العمالية خلال العام الماضي.

ولم تكن مظاهرات الأخيرة هي الأولى من نوعها احتجاجا على التضخم، حيث سبقها عدة تظاهرات أخرى في العام الماضي، واعتبرت دعوة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى خوض إضراب عام وطني في الوظيفة العمومية تصعيدا جديدا لم يعهده المغرب من قبل، لا سيما، في ظل التوقعات ألا يسفر الاجتماع المرتقب بين الحكومة والمركزيات النقابية عن نتائج إيجابية، لأنه يبقى رهينا بتنفيذ تعهدات الحكومة، وهو الأمر الذي بات مشكوكا في تنفيذه إلى حد كبير.

تصاعد التضخم شهدت معظم البلدان حول العالم ارتفاعا ملحوظا في معدلات التضخم كنتيجة لتداعيات فيروس كورونا وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الشحن، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وعلى الرغم من ذلك، يرى المغاربة أن شركات الوقود حققت أرباحا طائلة خلال العام الماضي على حساب جيوب المواطن المغربي، وأن الحكومة فشلت في كبح جماح تلك الشركات ولم تقدم المساندة الواجبة للمواطن المغربي، بل بادرت بتحريك أسعار المحروقات لأكثر من مرة، وذلك على الرغم من تراجع الأسعار عالميا.

وطبقا للمندوبية السامية للتخطيط، فقد ارتفع التضخم في المغرب إلى 8.2 في المائة في مارس/آذار الماضي مقارنة مع مارس/آذار 2022، لأسباب أهمها ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 16.1 في المائة، في مقابل 3 في المائة فقط ارتفاعا في أسعار السلع غير الغذائية، وكان معدل التضخم في المملكة قد ارتفع إلى 6.6 في المائة بنهاية العام الماضي، وسط استمرار تأثر البلاد بارتفاع أسعار المواد الأساسية وفى مقدمتها الطاقة، وذلك في مقابل 1.4 في المائة فقط بنهاية 2021.

ومن الجدير بالذكر أن الارتفاع الراهن في معدل التضخم يعد مخالفا لتوقعات البنك المركزي المغربي الذي توقع في مطلع العام الحالي انخفاضه إلى 3.9 في المائة فقط، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.

وتزامنا مع استمرار ارتفاع معدل التضخم، قرر البنك المركزي رفع معدل الفائدة في مارس/آذار الماضي من 2.50 في المائة إلى 3 في المائة، مؤكدا أن القرار يأتي من أجل تجنب الانزلاق إلى دوامات تضخمية، لافتاً إلى الاتجاه نحو بلوغ التضخم حدود 5.5 % في العام الحالي.

وخالف مدير المندوبية السامية للتخطيط أحمد الحليمي قرارات البنك المركزي، حيث أكد أنه لا يرى جدوى من رفع سعر الفائدة الرئيسي من أجل خفض الطلب والتأثير على التضخم، حيث إن المشكلة تكمن في عدم كفاية العرض، خاصة على مستوى السلع الفلاحية، كما شدد على أنه يجب التعايش مع التضخم الذي سيصبح معطى هيكليا، حيث يمكن أن ينخفض عندما يزداد الإنتاج، وحتى يحدث ذلك يمكن قبول تضخم يتراوح بين 4 و5 في المائة.

مطالبات بزيادة الأجور

وقّعت الحكومة المغربية في 30 إبريل/نيسان من العام الماضي، ميثاق الحوار الاجتماعي مع النقابات الأكثر تمثيلا وأرباب الشغل ممثلين في الاتحاد العام لمقاولات المغرب. وتعهدت الحكومة في الميثاق بتنفيذ جميع الالتزامات التي وردت في الاتفاق والحوار، والتي كان في مقدمتها الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص بنسبة 10 في المائة على دفعتين ابتداء من العام المقبل، ورفع الأجر الأدنى في القطاع العام إلى 3500 درهم صافية، والتزام الحكومة بتخفيض الضريبة على الدخل.

كما يتضمن الاتفاق ذاته توحيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي مع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة في أفق 2028، ورفع التعويضات العائلية من 36 درهما إلى 100 درهم بالنسبة للأطفال الرابع والخامس والسادس. وتطالب الاتحادات العمالية بتطبيق الزيادة الثانية في الحد الأدنى للأجور بقيمة 5 في المائة، غير أن الزيادة في الحد الأدنى كانت مشروطة من قبل رجال الأعمال بإصدار قانون الإضراب وتعديل قانون العمل، بما يستجيب لمطالب الشركات التي تريد إدخال مرونة أكبر على سوق العمل.

وقد صعّدت مجموعة من النقابات من لهجتها في انتقاد الحكومة والاحتجاج على عدم وفائها بما تم التوقيع عليه، متهمة إياها بتجاهل الوضع الاجتماعي المأزوم الذي تعيشه البلاد نتيجة استمرار الارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين.

وقد تجمّع نقابيون مغربيون للمرة الثانية خلال أشهر قليلة للاحتجاج ضد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية خلال الفترة الماضية، رغم منع السلطات الاحتجاج في شكل مسيرات، وشارك العشرات في الوقفة التي دعت إليها نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ورفع المتظاهرون شعارات ضد "ضرب القدرة الشرائية" و"إمعان الدوائر الرسمية في إدارة الظهر للمطالب الاجتماعية الأساسية والمستعجلة".

في المقابل، دافعت الحكومة المغربية عن نفسها بأنها اتخذت عدة إجراءات لمواجهة الأزمة، وأنها في طريقها لتقديم دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة والمعوزة، حيث تجري حاليا "عملية إحصائية كبرى" لتحديد من "يستحق الدعم"، فضلا عن "تعميم التغطية الصحية على جميع المواطنين، سواء العاملين في القطاع العام أو الخاص أو العاطلين عن العمل".

وحظيت تلك الإجراءات بالتشكيك الكبير من جانب النقابات العمالية التي تساءلت عن جدوى تقديم دعم مالي مباشر للأسر، في ظل تصميم الحكومة على رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، كما أن الدعم لن يطاول كافة الأسر التي باتت تحت خط الفقر.

الحل في الإنتاج الزراعي

تشير التقارير الصادرة عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن المغرب من بين الخمس دول عربية الأقل إنتاجا محليا للغذاء على مستوي العالم العربي، حيث توفر فقط 51.4% من احتياجاتها. ومن الملاحظ البطء الشديد في التنفيذ الحكومي لمخططات تحسين الإنتاج الزراعي "المخطط الأخضر" والتي تهدف إلى مضاعفة الناتج الزراعي كي يصل إلى ما بين 20 و25 مليار دولار خلال عشرة أعوام، ومضاعفة الصادرات الزراعية لتصل إلى 6 مليارات دولار، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يوقف تراجع نسب الاكتفاء الذاتي زراعيا وغذائيا ويقي البلاد شر التضخم المستورد.

تستلزم معالجة الفجوة الزراعية في المغرب التوسع الرأسي في إنتاج الحبوب والبذور الزيتية بأنواعها المختلفة، وكذلك تحسين نظم الإنتاج الحيواني لتوفير المزيد من اللحوم والألبان ومنتجاتها، وهي الأمور التي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية توفر الدعم اللازم للمزارع. وحتى يحدث ذلك يجب أن تتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، وعلى الأخص الفقراء منهم، من خلال ليس فقط الإبقاء على الدعم للسلع الأساسية، ولكن أيضا توسيع نطاقه السلعي والمستفيدين منه.

المساهمون