- البيانات تظهر أن تحقيق هدف التضخم السنوي 2% قد يتأخر، مما يقلل من توقعات خفض أسعار الفائدة ويزيد من احتمالية رفعها للسيطرة على التضخم.
- إبقاء الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة مرتفعة يجعل القروض أكثر تكلفة، مؤثرًا على الاقتصاد العالمي ومضعًا البنوك المركزية في مأزق بشأن توجهات السياسة النقدية المستقبلية.
لا يزال شبح التضخم يطارد مسؤولي البنوك المركزية حول العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ما يجعلهم أكثر تحوطاً نحو الإقدام على خفض طال انتظاره لأسعار الفائدة.
ويراهن المستثمرون في السوق الأميركية على أن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) قد يفاجأ الأسواق ويرفع أسعار الفائدة مرة أخرى على عكس ما كان الكثيرون يتوقعون، ما يسلّط الضوء على تحول في توقعات السوق.
التحول في التوقعات ضرب أسواق السندات، إذ وصلت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين الحساسة لأسعار الفائدة، إلى أعلى مستوى لها منذ خمسة أشهر بنسبة 5.01%، وفقاً لتقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أمس.
من المقرر أن تعقد لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة في البنك الفيدرالي اجتماعها المقبل على مدار يومي 20 إبريل/نيسان الجاري والأول من مايو/أيار المقبل، وهو الاجتماع الثالث للبنك من بين ثمانية اجتماعات مجدولة مقرر عقدها هذا العام، ومن المتوقع أن يُثبّت خلاله الفائدة دون تغيير أيضاً، كما حدث في الاجتماعات السابقة. وذلك بعدما أثارت بيانات التضخم لشهر مارس/آذار الصادرة أخيراً، مخاوف من أن الوصول للمستهدف السنوي البالغ 2% قد يستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً في السابق، حيث تظهر تسارع أسعار المستهلكين قليلاً من مستوياتها المتدنية المسجلة في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتقلّصت توقعات المستثمرين حيال خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة هذا العام إلى مرة أو مرتين، بمقدار ربع نقطة مئوية لكل منهما، بانخفاض من ست أو سبع مرات عن توقعاتهم قبل ثلاثة أشهر.
وقال المستشار الاقتصادي في شركة بيمكو، ريتشارد كلاريدا، الذي كان في السابق نائب رئيس البنك المركزي الأميركي: "في مرحلة ما، إذا استمرت البيانات مخيبة للآمال، فأعتقد أن بنك الاحتياط الفيدرالي سيضطر إلى البدء من جديد في رفع أسعار الفائدة"، مشيراً إلى أن هذا الاحتمال مرتبط بحالة ارتفاع التضخم الأساسي مرة أخرى إلى ما فوق 3%.
وتسارع معدل التضخم السنوي للشهر الثاني على التوالي إلى 3.5% في مارس/آذار الماضي من 3.2% في فبراير/شباط. وكان البنك الفيدرالي قد رفع أسعار الفائدة بقوة بين مارس/آذار 2022 ويوليو/تموز 2023 في محاولة لترويض التضخم. ومنذ ذلك الحين ظلت أسعار الفائدة تتراوح بين 5.25% و5.5%.
ولا شك أن تأخير تخفيف السياسة النقدية، وإبقاء أسعار الفائدة "أعلى لفترة أطول"، سيكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الأميركي، وسيتردد صداه أيضاً حول العالم. ويؤثر سعر الفائدة القياسي في تكاليف الاقتراض.
فإشارة رئيس البنك الفيدرالي الأميركي جيروم باول أخيراً إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي ربما يبقي سعر الفائدة عند مستواه الحالي بين 5.25% إلى 5.5% لفترة أطول يعني أن القروض لشراء المنازل والسيارات ستظل أكثر تكلفة بكثير مما كانت عليه قبل البدء في رفع أسعار الفائدة في 2022.
وواقع الأمر أن متوسط أسعار الرهن العقاري في الولايات المتحدة تجاوز 7% هذا الأسبوع لأول مرة هذا العام، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية. وتشكّل تكلفة التمويل عقبة أمام الزخم الأخير في سوق الإسكان، مع تراجع المشترين المحتملين عن صفقات الشراء، على أمل انخفاض تكاليف التمويل.
كذلك، لا يزال المعروض منخفضاً، نظراً لعدم رغبة العديد من أصحاب المنازل في التخلي عن الرهون العقارية الرخيصة التي حصلوا عليها عندما كانت الفائدة تقترب من الصفر، وهذا يبقي أسعار طرح المنازل الجديدة مرتفعة.
كما شكل قرار باول بتأجيل خفض أسعار الفائدة مأزقاً بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية العالمية الذين اجتمعوا لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انعقدت مؤخراً في واشنطن. فإذا مضت بنوك مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا والبنك الاحتياطي الأسترالي، قدماً في دورات التيسير النقدي الخاصة بها، فإن ذلك يعرّض عملاتهم للتهاوي، مما يرفع أسعار الاستيراد، ويقوّض التقدم في خفض التضخم.
ويخطط البنك المركزي الأوروبي لأول خفض في اجتماعه المقرر في يونيو/حزيران المقبل. فيما يُرجح أن يستغرق تحول بنك إنكلترا نحو خفض الفائدة وقتاً أطول، حيث يتوقع المتداولون التخفيض الأول في الخريف. كما قال مسؤولون في بنك كندا، الذي يقترب من خفض الفائدة، إن هناك حدوداً لمدى وسرعة التحرك دون الحصول على إشارة أوضح من "الاحتياط الفيدرالي".
وقال "يواكيم ناجل" رئيس البنك المركزي الألماني، إن "المركزي الأوروبي" لا يمكنه أن يجزم بما سيحدث عقب التخفيض المحتمل للفائدة في اجتماع يونيو/ حزيران. وأضاف ناجل الذي يشغل أيضاً منصب عضو في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، خلال مؤتمر "دي زي بنك" لأسواق المال في برلين، أمس، أنه سوف يؤيد قرار خفض الفائدة في يونيو/حزيران إذا أدت البيانات التي سوف تصدر على مدار الأسابيع الستة حتى حلول موعد الاجتماع لزيادة الثقة بشأن اتجاه التضخم نحو مستوى 2%.
وأعرب عن عدم اقتناعه التام بأن معدل نمو الأسعار يتجه نحو المستوى المستهدف، مؤكداً أنه يتعين على البنك المركزي الأوروبي اتخاذ قراره بشأن الفائدة حسب مجريات كل اجتماع، واستناداً للبيانات الواردة.