قرر البنك المركزي المصري في اجتماعه اليوم، الخميس، رفع سعر الفائدة بنسبة 2%، لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة وتراجع الجنيه وهروب الأموال الساخنة من مصر، والتي قدرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، هذا الأسبوع، بنحو 20 مليار دولار خرجت في الربع الأول من العام الجاري.
وقال البنك المركزي في بيان نشره على موقعه الإلكتروني إن لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصـري قررت في اجتماعها اليوم الخميس رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 11.25%، 12.25% و11.75 % على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 11.75%.
وشرح البنك المركزي أنه على الصعيد العالمي، اتسم النشاط الاقتصادي العالمي بالتباطؤ جراء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. وقد أدت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، مثل الأسعار العالمية للبترول والقمح.
ولفت إلى تأثر حجم المعروض العالمي من القمح بسبب الأحوال السيئة للطقس وانخفاض المحاصيل في مناطق معينة، وفي ذات الوقت، تم تقييد الأوضاع المالية العالمية، حيث استمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم، وبالإضافة إلى ذلك، تثير عمليات الإغلاق التي تم فرضها مؤخرًا في الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
وتابع البيان أنه قبل اندلاع الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، كانت البيانات الأولية تشير إلى استمرار النشاط الاقتصادي المحلي في الارتفاع خلال الربع الرابع من عام 2021، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 8.3%، وهو ثاني أعلى معدل نمو منذ الربع الثالث من عام 2002.
وشرح البنك المركزي أن معظم المؤشرات الرئيسية للنشاط الاقتصادي بدأت في العودة إلى وتيرتها الطبيعية أخيراً، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه على المدى القريب، بالتوازي مع تلاشي الأثر الإيجابي لفترة الأساس.
وأضاف أنه على المدى المتوسط، من المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي تباطؤاً في النمو مقارنة بالمعدلات المتوقعة سابقاً، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
تراجع التضخم
وفيما يتعلق بسوق العمل، انخفض معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2022 مسجلاً 7.2 %، ويرجع هذا الانخفاض إلى الزيادة في معدلات التوظيف التي حدت من الزيادة في القوى العاملة ، كما ارتفع المعدل السنوي للتضخم العام إلى 13.1 % في أبريل 2022، من 10.5% في مارس/ آذار، مسجلاً أعلى معدل له منذ مايو/ أيار عام 2019.
وأوضح أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي (وهو ما يستبعد الخضروات والفاكهة الطازجة والسلع والخدمات المحدد أسعارها إدارياً) استمر في الارتفاع ليسجل 11.9 % في أبريل 2022، من 10.1 % في مارس 2022، وهو أعلى معدل مسجل له منذ أبريل 2018.
وقد جاءت تلك الزيادة مدفوعة بارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل أساسي، والتي دعمها أيضاً ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية، في حين تأثر كل من السلع الغذائية والسلع غير الغذائية بانخفاض قيمة الجنيه المصري اعتباراً من 21 مارس والنمط الموسمي لهما.
إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي ساهمت في ارتفاع أسعار السلع الغذائية وفق بيان البنك المركزي، مثل أحوال الطقس غير المؤاتية، وارتفاع أسعار الأسمدة، والتي أدت لحدوث صدمة عرض في الطماطم، وبالإضافة إلى أثر الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار القمح، وأسعار السلع الغذائية الأخرى، فقد ساهم استمرار الأثر الموسمي لشهر رمضان، وأثر موسم الأعياد خلال أبريل 2022 في زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية الأخرى.
وذكر البنك المركزي أنه فى ضوء ما تقدم، والمخاطر المحيطة بالتضخم، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ويعد ذلك إجراءً ضرورياً للسيطرة على الضغوط التضخمية، كما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وأشار البنك إلى أنه يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض لما لها من تأثير على توقعات التضخم وتخطي المعدلات المستهدفة والمعلن عنها مسبقاً.
وبالنظر إلى الآثار الأولية لصدمات العرض حالياً، فمن المتوقع وبشكل مؤقت ارتفاع معدلات التضخم نسبياً عن معدل التضخم المستهدف للبنك المركزي والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، وذلك على أن تعاود معدلات التضخم الانخفاض تدريجياً.
وأكدت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط هو شرط أساسي لدعم القوة الشرائية للمواطن المصري وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة. كما تؤكد اللجنة على أن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساسي على معدلات التضخم المتوقعة وليس المعدلات السائدة.
وسوف تتابع اللجنة، وفق البيان، عن كثب كافة التطورات الاقتصادية ولن تتردد في استخدام كافة أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
جنيه أكثر ربحية
وقال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، أمس الأربعاء، إنّ "البنك المركزي لن يتردد في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لكبح جماح التضخم، وتحقيق الاستقرار للنقد الأجنبي"، مؤكداً أنّ تصحيح سعر الصرف في مارس/آذار الماضي "نتجت عنه زيادة في تدفقات النقد الأجنبي، بنسبة بلغت 30% خلال الشهر ذاته".
وتعهد عامر بأن يكون الجنيه أكثر ربحية مقارنة بالعملات الأخرى على المدى المتوسط، قائلاً: "البنك المركزي وافق على إصدار شهادة ادخار بعائد 18% سنوياً لدعم المواطن المصري، والاستثمار في الجنيه هو الأفضل في الوقت الراهن. وليس لدي شك في قدرة الاقتصاد على تجاوز الأزمة، بفضل القرارات الاستباقية التي اتخذناها بناءً على تنبؤات الأسواق، حماية للاقتصاد من التقلبات العالمية".
وتوقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، اليوم الخميس، أن يرفع المركزي المصري الفائدة بنسبة 2 إلى 3% في اجتماع اليوم.
بينما توقع استطلاع أجرته وكالة "رويترز" ونشرته أول من أمس، الثلاثاء، أن يرفع المركزي المصري سعر الفائدة للإيداع لليلة واحدة 175 نقطة أساس (1.75%)، بعد رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي أسعار الفائدة وارتفاع أسعار واردات السلع الأساسية بسبب أزمة أوكرانيا.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مؤتمر، الأحد الماضي، إنّ رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة وحرب أوكرانيا، تسببا في نزوح محفظة استثمارات بقيمة 20 مليار دولار. كما توقع مدبولي في بيان، الاثنين، معدل نمو 4.5% في العام المالي المقبل 2023/2022، من 5.5% معلنة في مارس/آذار الماضي.
ويبدأ العام المالي في مصر أول يوليو/ تموز من كل عام، وينتهي آخر يونيو/حزيران من العام التالي.
وقال مصدر مطلع في البنك الأهلي المصري، أكبر البنوك الحكومية في البلاد، إنّ البنك سيطرح شهادة ادخار مرتفعة العائد لمدة عام بنسبة 20% مع بداية تعاملات الأسبوع المقبل، في حال اتخاذ لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي قراراً برفع سعر الفائدة مجدداً، في اجتماعها المرتقب في نهاية هذا الأسبوع.
وأضاف المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة للمرة الثانية، في مواجهة الضغوط التضخمية، يجب أن يصاحبه خفض في قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ولكن بنسبة أقل مما كان الحال عليه في 21 مارس/آذار الماضي، حين قرر البنك رفع الفائدة بنسبة 1%.
وتراجع الجنيه أمام الدولار بنحو 18% إثر رفع سعر الفائدة إلى 9.25% على الإيداع، و10.25% على الإقراض، وذلك من 15.70 جنيهاً إلى 18.55 جنيهاً، قبل أن يتراجع السعر الرسمي لصرف الدولار إلى 18.30 جنيهاً خلال الأيام القليلة الماضية، وسط ندرة في حجم المعروض من الدولار في السوق المصري.
ارتفاع أسعار الغذاء
وقفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 14.9% لشهر إبريل/نيسان الماضي، مدفوعاً بزيادة أسعار الغذاء من جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا، وسط توقعات بالمزيد من الارتفاع في الأشهر المقبلة، على خلفية رفع أسعار الفائدة الأميركية، وتأثير ذلك سلباً على تدفقات الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة للأسواق الناشئة.
وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "غولدمان ساكس"، أمس الأربعاء، إنّ مصر تلقت ما يقرب من 13 مليار دولار من الدعم المالي حتى الآن من دول الخليج، ما أدى إلى تجنب الحاجة إلى تعديل اقتصادي أكثر حدة لصدمة ميزان المدفوعات التي مرت بها في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتسعى مصر للحصول على قرض من البنك الدولي بقيمة 2.48 مليار دولار، لتمويل برامج شراء القمح وأخرى للسكك الحديدية والتحول الرقمي، كما تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج دعم يمكن أن يندرج تحت "خط احترازي"، وقد يصل إلى 3.5 مليارات دولار يتم منحه على 3 سنوات.
وارتفع الدين الخارجي للبلاد إلى نحو 145.529 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، مقابل 137.42 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
كما تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بشكل حاد في مارس/آذار الماضي، ليصل إلى 37.082 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، مقابل 40.99 مليار دولار بنهاية فبراير/شباط السابق له.