شهدت أسواق المال المصرية حالة من الترقب والحذر إثر استقالة طارق عامر من رئاسة البنك المركزي الذي أعلن في بيان، أنه أبقى على أسعار الفائدة الرئيسية من دون تغيير في اجتماع لجنة السياسات النقدية الخميس، وذلك إثر إصدارالرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، قراراً بتعيين حسن عبد الله (62 عاماً) قائماً بأعماله.
وأبقت اللجنة على سعر فائدة الإقراض لأجل ليلة واحدة عند 12.25% وسعر فائدة الإيداع لأجل ليلة واحدة عند 11.25%، وذلك للمرة الثانية على التوالي.
وتسببت الاستقالة المفاجئة لطارق عامر من رئاسة البنك المركزي، في ارتباك البنوك التي باتت تنتظر قرار لجنة السياسات النقدية المجدولة منذ أشهر، لتحديد سعر الفائدة على الجنيه.
وشهدت التعاملات على الدولار والعملات الصعبة استقرارا نسبيا في سعر الصرف، حيث سادت وفقا للأسعار السائدة في البنوك منذ مطلع الأسبوع الجاري.
في البداية، علقت أسواق المال آمالها على عدم قيام البنك المركزي بتغيير سعر الفائدة، وتطايرت التوقعات التي أطلقتها مؤسسات مالية ووكالات أنباء متخصصة مثل وكالة "رويترز" التي كانت قبل قرار اللجنة قد أفصحت عن نتائج استطلاع يتوقع زيادة الفائدة بنحو 50 نقطة أساس، وتوقع خبراء آخرون أن تكون الزيادة في حدود 100 نقطة.
وكشفت ساعات العمل الأولى قبل قرار اليوم، عن وجود مخاوف حكومية من زيادة الفائدة، حيث تضيف الزيادة بنحو 100 نقطة أساس للدين العام عجزا قيمته 28 مليار جنيه بالموازنة العامة للدولة، كما صرح فخري الفقي. (الدولار= 19.1486 جنيها).
ويفسر الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، وكيل وزارة التجارة السابق، في اتصال بـ"العربي الجديد"، الارتباك الذي شهدته الأسواق، بأنه أمر كان متوقعا مع الخروج المفاجئ لعامر من منصبه، مؤكدا إمكانية حدوث تغيير شامل في سياسات البنك المركزي، برحيل محافظه وتغيير مجلس إدارته.
وقال عبد المطلب إن "رفع الفائدة أصبح توجها عالميا حاليا، لذلك فإني أعتقد أن مخالفة طارق عامر لتلك التوجهات هي من أهم أسباب ابتعاده عن مركز صنع القرار بالبنك في الآونة الأخيرة".
وتوقع الخبير الاقتصادي أن تلجأ لجنة السياسات النقدية إلى زيادة سعر الفائدة بمعدل يتراوح ما بين 100 إلى 200 نقطة أساس، مبينا أن ذلك يرجع إلى أن الحكومة ما زالت تدير الجنيه، وتحديد سعره بقرار إداري وليس وفقا لسوق العرض والطلب، وهناك تقييد على عملية تحويل الدولار إلى جنيه، لا سيما أن هناك ضغوطا من المستثمرين تطلب السماح باستيراد مكونات الإنتاج، من دون تكليف المستورد بتدبير العملة، بما يعني مزيدا من الضغوط على الجنيه.
وتوقع عبد المطلب أن يشهد الجنيه تراجعاً في الفترة المقبلة، مع فتح باب الاستيراد وانخفاض الاحتياطي النقدي، وخروج الأموال الساخنة من مصر والأسواق الناشئة والتي كان طارق عامر يجيد التعامل في جذبها للسوق المحلية، قبل الحرب في أوكرانيا.
وأكدت المصادر أن الحكومة تسعى إلى إرضاء تجمعات رجال الأعمال والمستثمرين، الذين فضل بعضهم الخروج من الأسواق المصرية، مع تشدد البنك المركزي في قيود الاستيراد، بما عرض 88% من المصانع للتوقف الكلي أو الجزئي عن التشغيل، بما سيؤدي إلى خفض قيمة الضرائب، المقدرة بنحو تريليون جنيه للموازنة العامة، العام الحالي.
وتشير المصادر إلى أن تلك الأزمة دفعت الحكومة إلى الاختيار بين أمرين؛ إما زيادة الفائدة على الجنيه، مقابل توفير الدولار لبعض الصناعات والواردات الحيوية، لتتراجع قيمة الجنيه الذي فقد 22% من قيمته منذ إبريل/نيسان الماضي، أو الاستمرار في تلك القيود، انتظارا لوصول قروض دولية ودفعة جديدة من الدعم الخليجي وأموال المصريين في الخارج، لدعم استقرار العملة.
وأشارت المصادر إلى صعوبة التزام الدولة بالحل الثاني رغم أنه يلقى دعما من مؤسسة الرئاسة التي تخشى صدمة شعبية، مع تراجع قيمة الجنيه، تؤدي إلى مزيد من تآكل قيمة الأجور ورواتب المواطنين، الذين يعانون من الغلاء الفاحش في أسعار الغذاء والسلع والخدمات الأساسية.
وتشير المصادر إلى أن الاتجاه الأول بخفض قيمة الجنيه مع زيادة الفائدة، يستهدف رفع معدلات الإنتاج وزيادة الصادرات، وإصدار شهادات ادخار بفائدة تصل إلى 18%، لكبح معدلات التضخم، ومنع لجوء المصريين إلى الهرولة على حيازة الدولار.
وتبين المصادر أن الأيام القليلة القادمة ستظهر إلى أي اتجاه ستسير الحكومة، مع حاجتها الماسة لتوفير العملة الصعبة، لدفع قيمة مستلزمات السلع الاستراتيجية، وطلبات الشراء للمستثمرين، وأقساط القروض الدولية والديون المتأخرة للشركات والبنوك الأجنبية، العاملة في مصر، والتي تطلب تسوية مستحقاتها، قبيل انتهاء العام الحالي.
وأوضحت مصادر أن الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة لتحرير سعر الصرف، بمنع وضع سعر للجنيه عن الطريق الإداري، وتركه للعرض والطلب، ستدفع حتما إلى تراجع الجنيه في الفترة المقبلة، ليصل إلى 23 جنيها مقابل الدولار، كما تشير غالبية الدراسات المالية التي أجراها خبراء الصندوق ومؤسسات مالية كبرى.
وفي تقرير أصدره أخيرا خبراء ماليون لدى "أتش إس بي سي"، أشار البنك إلى أن توصل مصر لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي والدول الخليجية الداعمة لها، سيسهل الانتقال المنظم لميزان المدفوعات، ويساعد على خفض العجز في الحساب الجاري الذي يبلغ 13.5 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023.
وشدد التقرير على أن الاتفاق مع الصندوق والخليج سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو، ليصل الدولار إلى 22 جنيها بنهاية العام الحالي.
وتوقع كبير المحللين بوكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية زياد دواد، أن ينخفض الجنيه بنحو 23% عن قيمته الحالية، ليصل سعر الصرف إلى 24.6 جنيها مقابل الدولار.
وأعرب المحللون عن أملهم بأن تؤدي تلك السياسات المشددة إلى عودة الانتعاش وإعادة التوازن عام 2023، في حالة تعزيز المكاسب من الاستثمار الأجنبي المباشر والممول من السعودية وقطر والإمارات، تمكن مصر من جدولة بعض ديونها قصيرة الأجل، بعدما سجل إجمالي الدين الخارجي 157.8 مليار دولار نهاية مارس/آذار الماضي، بزيادة 8.4% وفقا لإحصاءات البنك الدولي، بما رفع حاجة الحكومة إلى 41 مليار دولار لسد العجز بين قيمة المصروفات والغيرادات في الموازنة العامة للدولة، والتي ارتفعت إلى تريليونَي جنيه العام الحالي.