البرلمان الأردني يناقش الموازنة على وقع الاضطرابات واختلال سلاسل التوريد والتباطؤ الاقتصادي
واصل البرلمان الأردني مناقشة مشروع الموازنة لعام 2024، على وقع عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واضطرابات البحر الأحمر وباب المندب والتباطؤ الاقتصادي، ووسط مخاوف من التداعيات السلبية لهذه التطورات على الاقتصاد الأردني واحتمالات ارتفاع الأسعار واختلال سلاسل التوريد وتراجع أداء العديد من القطاعات.
وقد ألقى العدوان والاضطرابات بظلال واضحة على انطلاقة مناقشات مجلس النواب "الشق الأول للبرلمان" للموازنة منذ الأربعاء الماضي، والتي ستتواصل على مدار الأسبوع الحالي ولعدة أيام.
وبلغ إجمالي الإيرادات العامة المقدرة للعام الحالي حوالي 10.392 مليارات دينار (نحو 14.56 مليار دولار) والنفقات العامة "حجم الموازنة" نحو 12.371 مليار دينار بعجز مالي 2.068 مليار دينار.
وكشف مشروع الموازنة العامة 2024 أن الحكومة تخطط لاقتراض مبلغ حوالي 7.5 مليارات دينار "10.57 مليارات دولار"، وذلك لتغطية عجز الموازنة وبنود مالية أساسية وتنفيذ مشاريع تنموية ذات أولوية في إطار الإنفاق الرأسمالي.
توصيات اللجنة المالية
من جانبها، ركزت اللجنة المالية في مجلس النواب في توصياتها على مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع آثار العدوان بما يجنب المواطنين موجهة غلاء أسعار محتملة خلال الفترة بسبب اختلال سلاسل التوريد وارتفاع أجور الشحن إضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع التحديات الراهنة.
وشددت اللجنة في توصياتها على ضرورة تحييد ارتفاع أسعار شحن السلع من المستوردات في معادلة الرسوم الجمركية والضريبة العامة على المبيعات واعتماد كلف الشحن إلى ما قبل الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتكثيف الرقابة على الأسواق بما يضمن استقرار أسعار السلع وتوفيرها في المؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية بهامش تغطية الكلفة عند الضرورة.
كما طالبت بدراسة أثر الضريبة غير المباشرة على نمو الاستهلاك والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مستقبلاً على أن تتخذ خطوات تسهم بمعالجة هيكل الضرائب واستئناف برامج الدعم التمويلي من البنك المركزي لمستوردات السلع الغذائية لتخفيف كلف الإقراض وانعكاسها على تخفيض أسعار السلع.
وطالبت الحكومة الالتزام بمسار تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه ومشروع سكة الحديد الوطني وإرسال تقرير دوري كل ثلاثة أشهر إلى مجلس النواب ولجنته المالية.
وتوقع مراقبون أن تشهد مناقشات مجلس النواب للموازنة انتقادات حادة للحكومة بسبب ضعف الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والمديونية العامة والمطالبة كالعادة بمحاربة الفساد والمحافظة على المال وتعزيز إجراءات الرقابة الجهاز الحكومي.
وبحسب المراقبين فإن وتيرة مناقشات النواب للموازنة هذا العام، على الأرجح أن تكون أكثر حدة من السنوات السابقة، لعدة أسباب أهمها الأوضاع الاقتصادية وتراجع مستويات المعيشة، لا سيما أن هذه الدورة الأخيرة للمجلس الحالي شارفت على الانتهاء ولم يتبق له سوى ثلاثة أشهر.
وفي جانب آخر يرى المراقبون أن الحكومة ستواجه هجوماً من قبل نواب محسوبين على تيار المعارضة وحركة الإصلاح القريبة من التيار الإسلامي، بسبب عدم الاستجابة لمطالبات الشارع وعدد من النواب بإلغاء أو على الأقل تجميد العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل المبرمة منذ عام 1994.
انتقادات برلمانية متوقعة
من جهته، قال النائب ضرار الحراسيس لـ"العربي الجديد" إنه "من الطبيعي أن تواجه الحكومة انتقادات من قبل أعضاء مجلس النواب لدى مناقشة الموازنة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعدم توفير فرص عمل بالحد الذي يتناسب مع مخرجات سوق العمل ولو بشكل متدرج".
وأضاف أن "الحكومة رصدت مخصصات للحماية الاجتماعية للعام الحالي لمساعدة الشرائح الفقيرة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة لكنها غير كافية لتجنيب المواطنين ارتفاعات الأسعار وما قد يحصل خلال الفترة المقبلة من غلاء".
وقال إن "عدداً من النواب طالبوا الحكومة بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وهم شريحة كبيرة من أبناء المجتمع لتحسين قدراتهم الشرائية بعض الشيء، إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور"، مشيراً إلى أن "رواتب الموظفين لم تتم زيادتها منذ عدة سنوات طويلة وفي المقابل نشهد ارتفاعات في التضخم".
وأكد المرصد العمالي الأردني في تقرير حديث له أن "مستويات الأجور في الأردن ما تزال على حالها، أكان بالنسبة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص (البالغ 260 ديناراً) أو حتى الأجور في القطاع العام وبخاصة علاوة غلاء المعيشة الشهرية البالغة 135 ديناراً التي لم تزد منذ نحو 10 سنوات".
وأعلنت دائرة الإحصاءات العامة الحكومية في وقت سابق من الشهر الجاري ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) لعام 2023 بنسبة 2.08% مقارنة مع عام 2022.
وخصصت الحكومة مبلغ 2.349 مليار دينار لشبكة الأمن الاجتماعية في موازنتها للعام المقبل 2024 بارتفاع نسبته 6% عن عام 2023 وتوجه لصرف معونات شهرية متكررة لحوالي 222 ألف أسرة فقيرة وتقديم معالجات طبية وإعفاءات من العلاج للمعوزين ودعم سلع غذائية أساسية مثل القمح وكذلك أسطوانة الغاز المنزلي إضافة إلى تقديم مساعدات لطلبة الجامعات وغير ذلك.
جردة حساب للحكومة
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن "مناقشات النواب للموازنة عادة ما تشكل مناسبة وجردة حساب للحكومة على إنجازاتها في الفترة السابقة، وخاصة ما يتعلق بتحسين الوضع الاقتصادي والحد من الفقر والبطالة ومحاربة الفساد وتعزيز الواقع الاستثماري".
وأضاف أن "الحكومة كانت قد أطلقت رؤية للتحديث الاقتصادي في شهر أغسطس/ آب من عام 2022 لزيادة النمو وتشتمل على توفير مليون فرصة عمل على مدى الـ10 سنوات المقبلة ومن المؤكد أن يطالبها نواب بكشف عن إنجازاتها، وخاصة ما يتعلق بتخفيض نسبة البطالة".
وقال عايش إن "المسيطر على المشهد العام حالياً هو العدوان المستمر على قطاع غزة ومن قبل الاحتلال وتداعياتها على الاقتصاد الأردني وبالتالي سيكون ضمن أولويات النواب التأكيد على أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع ارتفاعات الأسعار المحتملة وضبط الأسواق وتعزيز المخزون الغذائي".
ويستبعد عايش أن "توافق الحكومة على زيادة الرواتب هذا العام بسبب ارتفاع العجز المالي وتباطؤ النمو الاقتصادي وتكتفي بمخصصات شبكة الأمان الاجتماعي لتخفيف الأعباء عن الأسر الفقيرة".