الانحياز الأميركي لإسرائيل

13 ديسمبر 2023
بايدن زار تل أبيب لإظهار التضامن مع إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

نقلت وسائل الإعلام المختلفة، ومنها ما هو أميركي، ما لم ينكره الأميركيون مطلقاً من انحياز واضح لصالح إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية الثابتة، بداية من إعلان مرشحي الرئاسة المحتملين تأييدهم لدولة الاحتلال أملاً في حصد الأصوات، ومروراً بالزيارات الرسمية لكبار المسؤولين، وصولاً إلى تصريحات تؤكد تضامن وتأييد العديد من هؤلاء المسؤولين لإسرائيل في حربها على المقاومة الفلسطينية.

زار الرئيس الأميركي جو بايدن تل أبيب لإظهار التضامن مع إسرائيل ومناقشة أمور الحرب على غزة، حيث التقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، كما زار نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، وأكد دعمه غير المشروط لإسرائيل.

أيضاً زار أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إسرائيل أربع مرات منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، ويستعد حالياً لزيارته الخامسة قبل نهاية الأسبوع الجاري.

وفي أول زيارة، قال بلينكن عبارته الشهيرة، التي أكد فيها أنه حضر "كيهودي" لا كوزير خارجية لأميركا. وزار لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي، إسرائيل، ليؤكد "الدعم الراسخ من الولايات المتحدة لشعب إسرائيل والتزامها بأن توفر لإسرائيل ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها".

وغير تلك المشاهد، كانت هناك لقطات عديدة أوصلت رسالة الدعم نفسها/ الانحياز للدولة العبرية، لكن على الجانب الاقتصادي، كانت هناك بعض الأحداث التي جرت تحت العنوان نفسه، وإن لم تظهر للضوء بهذا الوضوح.

ورغم عدم التصويت بصورة رسمية حتى الآن، عطل الكونغرس الأميركي، الأسبوع الماضي، تمرير قانون يسمح بمنح إسرائيل ما يقرب من 14 مليار دولار من المساعدات العسكرية، رغم موافقة مجلس النواب عليه. لكن تقارير صحافية عدة أشارت إلى أن موافقة الكونغرس تكاد تكون مضمونة، رغم الخلافات السياسية.

موقف
التحديثات الحية

بعد ذلك، استندت الإدارة الأميركية إلى "متطلبات الأمن القومي" للموافقة على بيع ذخيرة دبابات لإسرائيل تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار، متجاوزة الكونغرس، الذي سيوافق بالتأكيد على كل ما يرغب البيت الأبيض في إرساله لإسرائيل.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، يوم السبت، إن "هناك حالة طوارئ" تبرر تجاوز المراجعة المعتادة للكونغرس بشأن بيع ما يقرب من 14 ألف قذيفة دبابة وعناصر أخرى لإسرائيل بكلفة تقدر بـ106.5 ملايين دولار.

وتمنح أميركا إسرائيل سنوياً نحو 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية، طبقاً لاتفاقية وقعها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 2016. وتقول أميركا إن هذه الأموال تساعد دولة الاحتلال على الدفاع عن نفسها في مواجهة "جيرانها".

ومنذ عام 1972، قدمت الولايات المتحدة ضمانات قروض لإسرائيل، ما مكنها من الاقتراض من البنوك الأميركية بأسعار فائدة أقل من أي دولة أخرى. وقد بلغ إجمالي هذه الضمانات أكثر من 100 مليار دولار، وهو ما ساعد إسرائيل في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.

ويوجد في الولايات المتحدة صندوق الدعم الاقتصادي (ESF)، الذي يقدم مساعدة مباشرة للحكومة الإسرائيلية لمختلف مشاريع التنمية الاقتصادية، بما في ذلك ما يعرف (زوراً) باسم تعزيز جهود السلام والتعايش.

أيضاً تقوم مؤسسة العلوم الثنائية الوطنية (BSF)، المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بتمويل مشاريع بحثية تعاونية بين العلماء في كلا البلدين. كذلك تقدم مؤسسة BIRD منحًا لدعم المشاريع المشتركة بين الشركات الأميركية والإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا العالية وتسويق الأبحاث.

وقبل نهاية الأسبوع الماضي، وبعد أسابيع من الاستجوابات والتضييقات، دُفعت ليز ماغيل، رئيسة جامعة بنسلفانيا وسكوت بوك، رئيس مجلس أمنائها، للاستقالة، بسبب تصريحات أدلت بها رئيسة الجامعة لم تكن "ٌقوية بالشكل الكافي" تجاه من وصفوا بـ"معاداة السامية" من طلبة الجامعة ممن أيدوا الحقوق الفلسطينية، على مدار الشهرين الماضيين.

ومن المرجح أنه عند نشر هذه السطور سيكون رئيسا جامعتي هارفارد وMIT العريقتين قد لقيا المصير نفسه. وتلقت الجامعات الثلاث تهديدات متكررة من كبار المتبرعين بإيقاف تبرعاتهم في حال بقاء رؤساء الجامعات في مناصبهم.

ولا يرتبط الدعم المادي والمعنوي الأميركي لإسرائيل بعملية "طوفان الأقصى"، والحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال على غزة خلال الشهرين الماضيين فحسب، حيث كانت هناك مساعدات قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان آخرها منحة تمويل عسكري أجنبي (FMF) بقيمة مليار دولار لدعم قيام إسرائيل بشراء أسلحة ومعدات دفاعية متطورة، في سبتمبر/أيلول من العام الحالي.

وشهد شهر أغسطس/ آب موافقة الكونغرس الأميركي على تقديم مساعدة عسكرية بقيمة 400 مليون دولار لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي للدفاع الصاروخي.

وفي يوليو/ تموز، كانت هناك موافقة على تقديم ضمانات قروض بقيمة 500 مليون دولار لدعم الشركات الإسرائيلية وتعزيز النمو الاقتصادي.

وقبلها بشهر، قدمت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 100 مليون دولار للمساعدة في تعافي إسرائيل من جائحة كوفيد-19، وهذا بخلاف تخصيص 50 مليون دولار كمساعدات لدعم القطاع الزراعي الإسرائيلي.

موقف
التحديثات الحية

تضاف كل تلك المساعدات إلى ما يتم تنظيمه بصفة دورية من تدريبات عسكرية مشتركة، وبرامج تدريب، ومشاريع نقل التكنولوجيا والتنمية بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.

وتربط البلدان اتفاقية تجارة حرة، كما تساهم العديد من الشركات الأميركية الكبرى في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الناشئة. وأشار تقرير حديث لشركة "برايس ووترهاوس كوبر" إلى أن صفقات التخارج الإسرائيلية من شركات التكنولوجيا الناشئة في البلاد تجاوزت قيمتها 82 مليار دولار، كان أكثر من أربعة أخماسها قادماً من الولايات المتحدة.

هذا الدعم المستمر الذي لا يوجد مثيل له، بشقيه المادي وغير المادي، يزيد من التفاوت في القدرات بين جيش الاحتلال والقطاع المحاصر، ويضع في الوقت نفسه الكثير من علامات الاستفهام على الدور الذي تلعبه الدول العربية والإسلامية التي دأبت على إعلان دعمها للقضية الفلسطينية.

وليس المقصود هنا المساعدات الغذائية والإنسانية التي ترسلها بعض البلدان، وإنما الأهم كيف يمكن استخدام ثروات إمارات النفط وممالكه لإحداث التأثير العربي المطلوب في الداخل الأميركي، بما يكفل فرض صورة أكثر توازناً، بدلاً من هذا الانحياز الأميركي الصارخ.

المساهمون