ربما يكون كل ما يقال عن عدم حسم كلا المرشحين بتركيا الانتخابات من الجولة الأولى صحيحاً أو يحمل شيئاً من الصحة والوجاهة.
فللزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/شباط الماضي، من تعاط خلاله ومعالجة ما بعده، دور، ولتوق بعض الأتراك للتغيير، بعد الحكم المستمر لعشرين سنة من حزب "العدالة والتنمية"، أهمية.
كما للحريات ونزعات الشباب أو لكاريزما كلا المرشحين والاستقطابات، خلال التكتلات، نسبة بعدم الحسم، أمس الأحد، والانتقال لجولة ثانية في الثامن والعشرين من أيار/ مايو الجاري.
بيد أن المتفق عليه بتركيا، وعلى اختلاف الانتماء الإيديولوجي والمناطقي، وحتى الحزبي والمذهبي، هو الاقتصاد ومعيشة الأتراك، والذي تسلحت به المعارضة واعدة بالتغيير والرفاهية والمحاسبة، ودافع عنه الحزب الحاكم بالحديث عن أثر الأزمات الدولية حيناً ولفت الانتباه لإنجازات المشروعات الكبرى والوعود بالمزيد غالب الأحايين.
بيد أن كلا العذرين لم يروقا للناخب على ما يبدو، بدليل تردده برمي بيضاته بسلة محددة واستمرار التردد حتى اليوم الأخير، ليكتفي المواطن التركي بانتصار ديمقراطيته على المرشحيّن، ومحاولة المحافظة على مكتسباتها، من استقرار وأمن وحرية، من خلال نسبة مشاركة تخطت 88% وربما الأعلى بالعالم.
ولكن، السؤال الذي بدأ يتوثب على شفاه الأتراك منذ صبيحة الإثنين، كيف سيكون أداء الاقتصاد التركي وتعاطي حكومة العدالة والتنمية، خلال الأيام الميتة، حتى يأتي موعد الجولة الثانية التي سترسم ملامح تركيا المستقبل بقرنها الجديد، بعد انقضاء مئة عام على تأسيس جمهورية مصطفى كمال أتاتورك.
قصارى القول: أغلب الظن أن يعاني الاقتصاد التركي، بقطاعاته المختلفة، والمالي أولاً، من سكون قلق وتردد، بانتظار نتائج الجولة المقبلة، لأنه وببساطة، اتساع البون بين برنامجي المعارضة والحكومة الحالية، يدلل على اختلاف كبير، إن لم نقل نسفاً، يمكن أن يغير بشدة بينة الاقتصاد التركي وقوانينه وشركاءه، الأمر الذي يزيد من إحجام رؤوس الأموال التي تتصف أصلاً بالحذر والجبن.
فمن يطلع على برنامج المعارضة الذي قدمه مرشح تحالف الأمة كمال كلجدار أوغلو، يلحظ أن العين، إذا ما وصل للحكم، على الغرب، ما يعني إعادة نظر بطبيعة العلاقات والاتفاقات مع دول المشرق وروسيا.
ويكتشف المطلع أن المعارضة تتوعد بنهج اقتصادي جديد ومختلف، يبدأ بنظام برلماني يعيد منصب رئيس الوزراء وعدم تفرد الرئيس بالقرار الاقتصادي وإلغاء الصندوق السيادي والوديعة المحمية بالليرة، ولا ينتهي بالملاحقة والمحاسبة.
الأمر الذي يزيد من مخاوف الرساميل وزيادة التوقعات باضطراب، وإن حمل برنامج المعارضة دغدغة بما يتعلق بزيادة نسبة النمو ورفع نصيب الفرد من الدخل القومي 200% خلال خمس سنوات وآمالاً بتحسين سعر الصرف باليوم التالي، من دون ذكر الآلية، حيث صرح مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلوا قائلا: "لا تقلقوا من أخبار انخفاض الليرة التركية أو ارتفاع البورصة... انتظروا السيد كمال في اليوم التالي للانتخابات، عندما يصبح رئيساً، سترون النتائج".
بالمقابل، وبالتوازي مع رمي حكومة الحزب الحاكم جلّ الإنجازات التي وقتت تدشينها مع الانتخابات، زادت الوعود بزيادة نسبة النمو ليصل الناتج المحلي إلى 1.5 تريليون دولار بنهاية الفترة الرئاسية المقبلة، فضلاً عن خفض نسبة البطالة إلى 7% عبر توفير 6 ملايين فرصة عمل، وتخفيض التضخم وتحسين سعر صرف الليرة.
وكل ذلك إلى جانب ما اختاره الحزب الحاكم كجناحين لنهوض الاقتصاد التركي، التصدير والسياحة، ليكونا رديفاً بتعديل عرج الميزان التجاري الذي ستدعمه الاكتشافات النفطية والغازية، بعد توفير فاتورة الطاقة التي تزيد عن 50 مليار دولار سنوياً.
إذن، نهاية القول، كيف ستمر الأيام ما بين جولتي الانتخابات على الاقتصاد التركي، بواقع، على الأرجح سيشهد تردداً بقدوم الاستثمارات ما يعني ضغطاً إضافياً على سعر الليرة، وتوقعات بتراجع الإنتاج والتصدير، بسبب ما يمكن أن يحدث من تبدلات على صعيد سعر التصدير أو حتى الشركاء، وليرة سيزيد تذبذبها وتراجعها بسبب خلل العرض جراء تراجع التصدير والاستثمار وربما السياحة.
وكل عقابيل التردد ستنعكس على التركي وخياره الجديد بصناديق الجولة الثانية.
ربما تجاهل اكتشاف النفط ونقل الغاز، أو غض الطرف عن مفاعل "آق قويو" النووي، أو حتى استسهال قفز الصادرات لعتبة 300 مليار، فيها حيف وظلم لحكومة الحزب الحاكم، بيد أن تلك الإنجازات وغيرها، وعلى أهميتها، لن تنعكس مباشرة على المواطن التركي الذي يعاني من تضخم أسعار يزيد عن 150% خلال عامين ومن تضخم نقدي يودي بليرته ويأكل أجره.
لذا، كيف ومن سيعيد الثقة للمواطن التركي باقتصاده وتحسين دخله ومعيشته، خلال نصف شهر، أغلب الظن ستعاني تركيا من الترقب والحذر، إن لم نقل من الركود المتعمد للقصاص من حكومة أردوغان، علّ معارضته التي لم تصل من بوابات التحالف والسياسة وحقوق المرأة وطموح الشباب، يتوّجها الاقتصاد على كرسي الرئاسة لخمس سنوات مقبلة.