- الرئيس أردوغان والمعارضة يتنافسان في الوعود الاقتصادية لكسب دعم الناخبين، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع شعبية الحكومة.
- تأثير الاقتصاد على الانتخابات يختلف بين الانتخابات الرئاسية والمحلية، لكنه يبقى عاملاً مهماً في تحديد مواقف الناخبين، خاصة في المدن الكبرى.
يعد الاقتصاد من أبرز المؤثرات في السياسة التركية ومحددا أساسيا في أي انتخابات تجري في البلاد، حيث إن البرامج التي تطاول الأسعار وسعر العملة وغيرها من العناصر التي تهم المواطنين، تحدد مصير الأحزاب السياسية المتنافسة، وهذا ما يجري في الانتخابات المحلية المرتقبة الأحد المقبل.
وتواجه الحكومة ظروفا اقتصادية سيئة نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، ورغم زيادة الرواتب أكثر من مرة إلا أنها لا تزال غير كافية في مقارنة مع صعود أسعار المنازل وغلاء الأسعار، خاصة في المدن الكبرى. وتسعى المعارضة من جهتها للضغط على الحكومة واتهامها بالفشل في إدارة الملفات الاقتصادية، في ظل سنوات الحكم الممتدة منذ العام 2002 لحزب العدالة والتنمية، ومن هذه البوابة زادت المعارضة من استهداف الحكومة في مقابل تقديم الوعود بزيادة رواتب العمال والموظفين، ودعم المتقاعدين، وتقديم أنواع مختلفة من الدعم للمحتاجين.
وخلال الحملة الانتخابية يكرر الرئيس أردوغان إدراكه بصعوبة الحياة الاقتصادية ويقدم الوعود بحلها. ودخل الرئيس أردوغان الانتخابات الرئاسية السابقة في ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة، وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أيار/مايو الماضي، استمر ارتفاع سعر صرف الدولار، وزادت بعض الضرائب، وارتفعت الفائدة المصرفية، ما أدى لازدياد التضخم وسجل في شباط/فبراير الماضي 67% على أساس سنوي.
وعلى الجبهة الأخرى تستغل المعارضة هذه الحالة بضرب الحكومة من خاصرة الاقتصاد، حيث يقول مرشح بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في أحد تجمعاته "لا نستطيع أن نتحدث لأن الشعب مدمر حاليا نحن نعاني من أغلى تكاليف المعيشة في تاريخ الجمهورية، نعاني من مشكلة التضخم الذي لا يقل عن 3 خانات تقريبا، وهي الفترة الأكثر بؤسا في تاريخ الجمهورية".
وأضاف "يصطف آباؤنا الذين تتراوح أعمارهم بين 70 و80 عاما في الطوابير للحصول على طعام رخيص، وهذه الحكومة هي التي جلبت هذه الحالة، كان الاقتصاد سيئا قبل انتخابات أيار/مايو الماضي، لقد اعتقد الشعب أنه ربما تقوم الحكومة بإصلاح الأمر. لقد مرت 10 أشهر، هل تحسن أي شيء؟ الأمر ازداد سوءاً".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي بكير أتاجان لـ"العربي الجديد"، إن "أوضاع الاقتصاد تؤثر بنسبة 25-30 في المائة على الانتخابات في تركيا، وذلك لأنها انتخابات إدارة محلية، ولو كانت الانتخابات رئاسية وبرلمانية لكان التأثير سيصل إلى نحو 65 في المائة تقريبا، وسبب ذلك أن الحكومة هي المعنية بالسياسات الحكومية الاقتصادية". ويضيف "نسبة التأثير هذه تشمل المتقاعدين والعاملين بالحد الأدنى للأجور، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار وتأثرهم بعوامل الاقتصاد مباشرة، وبشكل عام التأثير محسوس في المدن الكبرى وعلى رأسها إسطنبول وأنقرة وبورصة وإزمير وأنطاليا، حيث إن انعكاس ارتفاع الأسعار والتضخم في الأرياف يكون أقل في المدن من ناحية الإيجارات والأسعار في مقارنة مع الأرياف".
ويشدد "لم يكن هناك تحسن ملحوظ من الانتخابات السابقة التي جرت في أيار/مايو الماضي حتى الآن، وخاصة في مسألة التضخم وارتفاع الأسعار، ما يرجح كفة مرشحي المعارضة على حساب مرشحي التحالف الجمهوري". من ناحيته، يلفت الكاتب والباحث جاهد طوز في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعيار الأهم عادة في تركيا هو الاقتصاد سواء كان الأمر يتعلق بالانتخابات المحلية أو الانتخابات البرلمانية، وبالطبع هناك انكماش اقتصادي خطير في العالم بالآونة الأخيرة، خاصة منذ جائحة كورونا، وتعد تركيا من أكثر الدول المتضررة من هذا الانكماش والتضخم، ولذلك فإن الاقتصاد في تركيا له دائما تأثير على أصوات الناس في الانتخابات".
ويضيف "في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في 14 و28 مايو/أيار كان المعيار الأول هو تحقيق السلام والأمن للشعب، والاقتصاد جاء بعد المعيارين الحاسمين الأولين، ويبدو أن المعيار الاقتصادي سيصبح أكثر أهمية قليلا، لكن الانتخابات المحلية لديها ميزة أن الناس يصوتون للمرشح المناسب وليس للحزب".
ويتابع "لقد ارتفع التضخم في تركيا، وخاصة في العامين الأخيرين إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وكمراقب أستطيع أن أقول كانت هناك ردة فعل شعبية على التضخم، ولكنْ هناك معياران مهمان هنا الأول هو قيادة الرئيس وحقيقة أنه منح الثقة للشعب، بما في ذلك تحسين الرواتب حيث اتخذت الحكومة خطوات جادة للغاية، حتى موظفي القطاع العام حصلوا على زيادة كبيرة جدا، ومع ذلك فإن القضية التي تبدو الأكثر إشكالية في تركيا الآن هي مسألة المتقاعدين، حيث يبلغ أدنى راتب شهري للمتقاعدين حوالي 10 آلاف ليرة، ويعتقد على نطاق واسع أن هذا منخفض جدا بالنسبة لظروف تركيا الاقتصادية".
ويكمل أن "المشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار أصبحا ورقة رابحة للمعارضة إذا جاز التعبير، ولذلك يمكن القول إن المعارضة هي التي ستستفيد أكثر خلال الانتخابات، ومع ذلك هناك نقطة هامة هنا، إذ هناك مشكلة كبيرة مع المعارضة بتشتتها وتعدد مرشحيها، كما أن مرشح حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول أكرم إمام أوغلو، يواجه قضية فساد في الآونة الأخيرة وفق مقاطع فيديو سربت أخيراً، وهي حاليا محل نقاش جدي داخل المعارضة، ما يثير تساؤلات حول الانعكاسات عل النتائج الانتخابية".