الاقتصاد المغربي... توقعات مقلقة

31 ديسمبر 2021
يعاني المغرب منذ سنوات عدة من تدني وعدم استقرار معدل النمو (getty)
+ الخط -

تعاني المملكة المغربية منذ سنوات عدة من تدني وعدم استقرار معدل النمو، حيث لم يتجاوز متوسطه 3.2% خلال العشرين سنة الماضية، وهي النسبة التي انخفضت بحدة إلى سالب 6.3% خلال العام الماضي، نتيجة لتداعيات جائحة فيروس كورونا، وكان من المأمول تحسنها بصورة كبيرة خلال 2021 والأعوام القادمة، ولكن لا يزال الموقف ضبابيا وأقل من المأمول إلى حد كبير، خاصة فيما يخص معدل النمو لمجمل الخمس سنوات القادمة.

وفيما كشف بنك المغرب (المركزي) أن نسبة النمو التي ستسجل في 2021 ستبلغ 6.2%، وهي نفس النسبة تقريبا التي أشار اليها رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى المغرب روبرتو كاردارلي، في التقرير الختامي لبعثة الصندوق المتعلق بتقييم السياسات والآفاق الاقتصادية للمملكة.

كما أشار المركز المغربي للظرفية توقعه تحقيق نسبة نمو 7.1%، إلا أن توقعات الأعوام القادمة جاءت صادمة إلى حد كبير، خاصة في ما يتعلق بالتوقع بمعدل نمو لا يزيد عن 3% فقط في 2022.
وقد اتبع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، استراتيجية حذرة في تعامله مع نسب النمو الاقتصادي المتوقع تحقيقها خلال السنوات الخمس المقبلة، وبدا ذلك واضحا بجلاء خلال استعراضه للخطوط العريضة للبرنامج الحكومي 2021-2026، والذي أكد فيها أخنوش أنه يهدف إلى تحقيق نسبة نمو لن تقل عن 4% في المتوسط.
ومن الواضح أن توقعات أخنوش تأثرت بالأوضاع الحالية للاقتصاد العالمي، وتفشي المتحور الجديد "أوميكرون" الذي أعاد فكرة الإغلاق، وما صحبه من تداعيات ضخمة على الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني التداعيات حتى الوقت الحالي.
عموما مسألة تباين توقعات النمو بين الحكومة وبنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، مسألة جدلية تضفي الكثير من الشكوك حول حقيقة الأداء الاقتصادي العام وليس معدل النمو فقط، وينبغي العمل على إيجاد حل سريع لها بشكل علمي من خلال تنسيق الأطراف الثلاثة، لتفادي أي صورة من صور المبالغة في الإعلان عن الأرقام المتوقعة في هذا الشأن، وهو الأمر الذي سيؤثر سلبا علي الخطط المطروحة لمواجهة المشكلات وعلى الأخص الهيكلية منها.

اتبع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، استراتيجية حذرة في تعامله مع نسب النمو الاقتصادي المتوقع تحقيقها خلال السنوات الخمس المقبلة

فقد أثار متوسط معدل النمو الذي أعلنه رئيس الوزراء، للخمسة أعوام القادمة، المخاوف حول مستقبل الاقتصاد المغربي، خاصة في ظل المشاكل الاعتيادية السابقة علي فيروس كورونا والتي بات واضحا تجذرها، وأن مواجهتها ستحتاج إلي وقت كبير، ويأتي على رأس المخاوف، عدم القدرة على الاستمرار في تحسين معدلات البطالة واستيعاب الأيدي العاملة المستجدة في سوق العمل، لا سيما بعد قفز معدل البطالة إلى 11.9% بنهاية عام 2020.
ووفقا للتقرير الأخير الصادر عن بنك المغرب، فقد حدث تراجع ملموس في العدد الصافي لمناصب الشغل المفقودة سنويا إلى 202 ألف في النصف الأول من عام 2021، مقارنة بحوالي 451 ألفا في النصف الأخير من عام 2020، وبحسب الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول الشغل والبطالة، فقد ارتفع معدل البطالة في الربع الثاني من 2021 إلى 12.8%، مقابل 12.3% في الفترة نفسها من 2020، وهي الأرقام التي تؤكد أن هذه التحسينات دون المطلوب، خاصة أن معدل نمو 1% يخلق 26 ألف وظيفة فقط.

وبحسبة بسيطة فإن توظيف المتعطلين في المغرب والبالغ إجمالي عددهم 1.6 مليون نسمة، يحتاج إلى استمرار وتراكم لمعدل نمو يبلغ 6% لمدة تزيد عن 10 سنوات أو معدل نمو 10% لمدة تزيد عن 6 سنوات، مع عدم دخول وارد جديد إلى سوق العمل، وهو الأمر الذي يشير إلى معايشة الاقتصاد المغربي طبقا لتوقعات رئيس وزرائه لأزمة بطالة كبيرة، تمتد لما بعد انتهاء الخطة الخمسية الحالية في عام 2026.
ويعاني سوق العمل المغربي حتى قبل أزمة كورونا الكثير من مظاهر الهشاشة التي يتضرر منها العمال، حيث تنتفي العقود في الكثير من القطاعات، وبحسب توصيف البنك الدولي لا يزال بناء سوق عمل ديناميكي وشامل يمثل تحديًا مستمرًا في المغرب، فعلى الرغم من أن تضاعف نصيب الفرد من الدخل بين عامي 2000 و2018، وانخفاض معدل الفقر إلى ثلث مستواه في عام 2000، فإن عملية خلق فرص الشغل لم تواكب ذلك على مدار العقد الماضي.

توظيف المتعطلين في المغرب والبالغ إجمالي عددهم 1.6 مليون نسمة، يحتاج إلى استمرار وتراكم لمعدل نمو يبلغ 6% لمدة تزيد عن 10 سنوات

كما يؤكد البنك الدولي كذلك أن النمو الاقتصادي في حد ذاته لن يؤدي إلى إتاحة فرص أكثر بصورة جوهرية للعمل الرسمي المغربي، لذلك، وإنه بالإضافة إلى تحسين الحوافز للنشاط الاقتصادي الرسمي الذي قد يحدث بعض التأثير، فإن السياسات الأوسع نطاقاً التي تعمل على تحسين الإنتاجية، وسبل كسب الرزق داخل القطاع غير الرسمي، ستكون لبنة أساسية لتنمية اقتصادية واجتماعية أوسع نطاقاً.
ويرى المتابع للاقتصاد المغربي بوضوح تأثير القطاع الفلاحي على النمو الاقتصادي، وهو القطاع الذي يبقى رهينا بتساقط الأمطار إلى حد كبير، حيث أدى تناقص كثافته إلى تفاقم تداعيات كورونا على الاقتصاد، كما أدى تحسن كمياته إلى بعض التعافي، لا سيما على مستوى استيعاب العمالة.
وقد بدا ذلك واضحاً من بيانات المندوبية السامية للتخطيط، والتي أشارت إلى أن قطاع الفلاحة والغابة والصيد أحدث 318 ألف فرصة عمل في 2021، ووفر قطاع البناء والأشغال العمومية 108 آلاف فرصة عمل، بينما وفر قطاع الخدمات 40 ألف فرصة عمل، بينما فقدت الصناعة، بما فيها الصناعة التقليدية 53 ألف فرصة عمل.

هذا الاعتماد الكبير على قطاع الفلاحة في معدل النمو وخلق فرص العمل، ينبه إلى ضرورة المزيد من الاعتماد على التنوع الإنتاجي، والمزيد من التوجه نحو التصنيع، وهو الأمر الذي يستلزم المزيد من التفعيل للجهود الحكومية في مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تتكامل وتغذي المصانع الكبرى.

يمتلك المغرب المقومات الاقتصادية والبشرية الكاملة اللازمة للانطلاق الاقتصادي، وهي المقومات التي تحتاج إلى استراتيجيات قومية جادة وفاعلة في استثمارها، لا سيما في التوجه نحو تعميق التصنيع، ومواجهة المشكلات التي تواجه قطاع الفلاحة، وحتى يحدث ذلك فإن التوقعات الاقتصادية لمستقبل الاقتصاد المغربي تبدو مقلقة إلى حد كبير.

المساهمون