الاقتصاد العالمي خلال 2022 يغرق في أتون الشك بعد بوادر انتعاش

28 ديسمبر 2021
تضخم متسارع يعوق تعافي عدد من الاقتصادات (فرانس برس)
+ الخط -

بعد الانهيار الاقتصادي في عام 2020 وبدء التعافي في 2021، هل يحصل تباطؤ عالمي في 2022؟ الانتعاش اتسم بالزخم، لكن الاقتصاد العالمي ليس بمنأى عن الخضات بسبب أزمة الإمدادات والتضخم والمخاوف الصحية، التي تُضاف إليها كذلك مستلزمات المحافظة على البيئة.

انتعاش متعدد السرعات

من الصين إلى الولايات المتحدة، ومن أوروبا إلى أفريقيا، أدى الوباء في وقت واحد تقريباً إلى انهيار اقتصادات العالم في ربيع عام 2020. وبعد عامين وأكثر من 5,3 ملايين وفاة، صار السبيل للخروج من الأزمة أكثر تشتتاً.

استفادت الدول الغنية من امتياز الوصول إلى اللقاحات، فقد أزالت الولايات المتحدة آثار أسوأ ركود شهدته منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، وبدا أن منطقة اليورو ستحقق الشيء نفسه في نهاية العام. لكن الانتشار السريع للمتحور أوميكرون وتدابير الإغلاق التي فرضها تثير مخاوف من تبعات جديدة على العديد من القطاعات، بدءاً بالنقل الجوي والمطاعم والضيافة والسياحة.

يؤكد محللون من بنك "إتش إس بي سي" البريطاني أن "الانتصار في المعركة ضد الفيروس ما زال بعيد المنال"، معتبرين أن الاقتصاد لا يزال "بعيداً عن العودة إلى مساره الطبيعي".

في الطرف الآخر من المشهد، تفتقر البلدان الفقيرة إلى اللقاحات. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل أبطأ انتعاش، حصل على اللقاح أقل من 4% من السكان في الكاميرون أو إثيوبيا أو أوغندا على سبيل المثال، وفقاً لجامعة جونز هوبكنز.

ويتوقع صندوق النقد الدولي حتى عام 2024 أن تفشل معظم البلدان الناشئة والنامية في تلبية توقعات النمو التي حددتها قبل الوباء، وخاصة أنّ عدداً من البنوك المركزية، مثل البرازيل وروسيا وكوريا الجنوبية، وغيرها، رفعت أسعار الفائدة لدرء التضخم المتسارع الذي من شأنه أن يعوق تعافيها.

حتى في الصين، قاطرة النمو العالمي، يتباطأ الانتعاش مع تراكم المخاطر. كذلك حذر صندوق النقد أخيراً من الاستهلاك الأسري الذي يكافح لاستعادة مستويات ما قبل الوباء، وأزمة قطاع العقارات مع الصعوبات التي واجهتها شركة إيفرغراند العملاقة المثقلة بالديون، إلى ارتفاع سعر الفحم ونقص المكونات الذي يثقل كاهل الشركات.

التضخم والنقص في السلع

وكتب محللو "غولدمان ساكس" في توقعاتهم لعام 2022: "كانت المفاجأة الأكبر في عام 2021 ارتفاع التضخم". وكان الدافع وراء ذلك، هو الفوضى التي عمّت سلاسل التوزيع ونقص المنتجات الأساسية للتجارة الدولية، مثل أشباه الموصلات.

ويُعزى ذلك إلى الزيادة الكبيرة في الطلب، في أثناء الأزمة وبعدها، ولكن أيضاً بسبب النقص في صغار العاملين في قطاع التجارة العالمية من العمال الذين يفرغون البضائع في الموانئ وسائقي الشاحنات والعاملين في المتاجر الكبرى الذين لم يعودوا إلى مواقع عملهم، بعد رفع الحجر الصحي.

ويقف وراء التضخم، أيضاً، ارتفاع أسعار المواد الخام، مثل الخشب والنحاس والصلب، وكذلك الطاقة، كالبنزين والغاز والكهرباء.

وفيما اعتبر محافظو البنوك المركزية ارتفاع الأسعار مسألة "مؤقتة"، فقد أثارت القلق على أعلى المستويات، واعترف به البنك المركزي الأميركي أخيراً على أنه ليس عارضاً، معلناً أنه سيعمل على تسريع رفع أسعار الفائدة عام 2022 على الرغم من خطر تباطؤ النمو.

في هذه البيئة المتقلبة، قال رويل بيتسما، أستاذ الاقتصاد في جامعة أمستردام، إن "السؤال هو معرفة إن كنا قد خرجنا بالفعل من الأزمة".

يؤكد عدد كبير من الشركات مواجهة صعوبات أمام نقص السلع والمواد والتضخم. لكن في الوقت الحالي، ما زال صندوق النقد الدولي يتوقع نمواً عالمياً بنسبة 4,9% العام المقبل.

المناخ ضحية لتقلبات الاقتصاد؟

بين تلبية احتياجات الأسر وتجنب "نهاية العالم"، صار من الصعب إيجاد توازن كما اتضح من الاستنتاجات المتباينة لمؤتمر الأطراف كوب26 الذي عُقد في نوفمبر/ تشرين الثاني.

فالاتفاق الذي جرى التوصل إليه يدعو الدول إلى زيادة التزاماتها لخفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة اعتباراً من عام 2022، لكنه لا يضع العالم على مسار متّسق للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار "أقل بكثير من" درجتين مئويتين، كما هو مذكور في اتفاقية باريس عام 2015.

قال رويل بيتسما بأسف إن "التفكير قصير المدى ظاهرة معتادة، خاصة لدى السياسيين"، مطالباً بـ"فرض ضريبة كربون موحدة في جميع القطاعات، ورادعة بما فيه الكفاية، وهو أمر بعيد كل البعد عمّا هي عليه الحال اليوم".

فتغير المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة به يمكن أن يؤثرا أيضاً بأسعار الأغذية، فضلاً عن أنّ أضرارها قُدرت بنحو 250 مليار دولار من قبل شركة إعادة التأمين السويسرية "سويس ريه".

وتقترب الأسعار العالمية بالفعل من مستوياتها القياسية التي بلغتها عام 2011، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. فقد ارتفع القمح بنسبة 40% تقريباً خلال عام واحد، ومنتجات الألبان بنسبة 15%، وتجاوزت الزيوت النباتية المستويات القياسية.

وقالت نبيهة عابد، المقيمة في تونس العاصمة: "واضح أن أسعار كل شيء قد ارتفعت"، مشيرة إلى أسعار اللحوم والدجاج التي تضاعفت مرتين في بعض الأحيان.

وللدلالة على ما وصلت إليه الحال، تقول هذه الأم إن الشكشوكة، وهي طبق تقليدي قوامه الفلفل والبصل والبيض وزيت الزيتون، "صارت رفاهية، فيما كانت وصفة للناس الذين لا يملكون المال".

وعليه، هل يثير ذلك الخشية من اندلاع احتجاجات وأعمال شغب بسبب الجوع كما حصل في 2008؟ يعلّق سيباستيان بونسيليه، خبير القمح في شركة "أرجيتيل" الفرنسية الاستشارية: "بين القمح والخبز، هناك خطوة واحدة فقط. إنه الغذاء الأساسي لقسم من البشرية، وقد بات مهدداً".

 

(فرانس برس)

المساهمون