- تكاليف الحرب تضغط على الميزانية الإسرائيلية، مع تقديرات تكلفة 220 مليون دولار يوميًا وتوقعات بعجز يصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من 2024.
- الأوضاع الجيوسياسية تؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين، لكن التقدم في المفاوضات مع حماس قد يحمل تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصاد، مما يثير التساؤل حول قدرة الاقتصاد على تحمل استمرار الحرب.
قد يبدو من الصعب تقييم التكلفة المالية المتزايدة للحرب الإسرائيلية في غزة على الاقتصاد الإسرائيل يوميزانية دولة الاحتلال، وما إذا كان الاقتصاد سيتمكن من تفادي التعرض لهزات عنيفة في حال رفض حكومة نتنياهو إبرام صفقة مع حماس والاستمرار في الحرب.
يرى محللون أن الصراع المستمر بين إسرائيل وقطاع غزة، والوضع المعقد على الحدود الشمالية لإسرائيل، يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه قدراً كبيراً من المخاطر خلال العام الجاري، وهو ما يجد تعبيره في اهتزاز سعر صرف الشيكل، بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل، وخسائر البورصة في تل أبيب، وتزايد العجز في الميزانية الإسرائيلية، وارتفاع علاوة المخاطر على السندات الحكومية.
ويتوقع البنك المركزي الإسرائيلي، "بنك إسرائيل"، أن يتراجع نمو الناتج المحلي لإسرائيل خلال العام الجاري 2024 إلى واحد في المائة مقارنة بنسبة 3 في المائة خلال العام الماضي 2023.
ويعتقد اقتصاديون أن الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على غزة لا تقل عن تلك التي تعرض لها خلال جائحة فيروس كورونا في عام 2020. ويقول آخرون إن الأمر قد يكون أسوأ من ذلك. وتدفع إسرائيل كلف الإيواء والمعيشة لنحو 200 ألف نازح جرى إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان. وفي حال استمرار الحرب، فإن هذه الكلف ستتواصل، وترفع العجز المالي، وضغوط التصنيف الائتماني للأصول الإسرائيلية.
ويقدر اقتصاديون إسرائيليون أجرت صحيفة واشنطن بوست مقابلات معهم، أن الحرب كلفت الحكومة الإسرائيلية 220 مليون دولار يومياً خلال الربع الأول من العام الماضي.
ويقدر زفي إيكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق، والخبير الاقتصادي في جامعة رايخمان للصحيفة، أن التأثير في ميزانية الحكومة، بما في ذلك انخفاض عائدات الضرائب، للربع الأخير من عام 2023 بلغ 19 مليار دولار، ومن المحتمل أن يصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024.
في الشأن ذاته يقول مصرف "بنك أوف أميركا"، إن هبوط المعنويات ومخاطر الحرب يمكن أن تدفع المستثمرين المحليين داخل إسرائيل إلى تحويل محافظهم الاستثمارية بعيداً عن الأصول القائمة على الشيكل. ويتابع البنك الأميركي في تقرير صدر في فبراير/شباط الماضي، القول: "كسر الشيكل مؤخراً ارتباطه طويل الأمد بسوق الأسهم الأميركية، وإذا استمر هذا التوجه، نتوقع المزيد من الانخفاض في قيمة العملة الإسرائيلية، وبالتالي سيحتاج بنك إسرائيل المركزي إلى التدخل في العملة، بدلاً من زيادة سعر الفائدة بشكل أكبر".
كما لاحظ مصرفيون أن المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران ساهمت في إضعاف الشيكل، ودفعت علاوة المخاطر على السندات الحكومية إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عشر سنوات. وعلى النقيض من ذلك، خلال عطلة عيد الفصح التي انتهت يوم الاثنين، وعندما تقدم الحديث عن اتفاق بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ارتفعت قيمة الشيكل بشكل حاد، كما تعززت بورصة تل أبيب، التي استأنفت نشاطها يوم الثلاثاء. وبفعل التقارير عن الصفقة بين حماس وإسرائيل، ارتفعت المؤشرات الرئيسية للبورصة. وبالتالي يُثار السؤال عما إذا كان الاقتصاد الإسرائيلي يتحمل استمرارية الحرب.
ووفق تحليل بصحيفة "غلوبس" العبرية، يقول محافظ بنك إسرائيل أمير يارون: "إن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في علاوة المخاطر على الاقتصاد الإسرائيلي لاحقاً".
من جانبه، يقول كبير استراتيجيي الأسواق المالية في بنك هبوعليم، مودي شافرير، إن مثل هذه الصفقة يمكن أن تعزز سعر صرف الشيكل. ومن ناحية أخرى، يقول، إذا انهارت المفاوضات بشأن صفقة إطلاق سراح الرهائن، فإن ذلك قد يعيد الشيكل إلى الاتجاه الهبوطي الذي شهدناه حتى الآن، في حين سترتفع علاوة المخاطر. ويُعد سعر صرف الشيكل مقابل الدولار من بين المقاييس المهمة لمسار الاقتصاد الإسرائيلي المنهك. وبلغ سعر الدولار، أمس الخميس، نحو 3.73 شواكل. وعلى الرغم من الارتفاع في قيمة الشيكل في الأيام القليلة الماضية، مع تزايد الحديث عن تقدم الصفقة مع حماس، فإن سعر الشيكل مقابل الدولار لا يزال يسعر بعلاوة مخاطرة عالية.
وحتى الآن، انخفضت قيمة الشيكل بنسبة 4% مقابل الدولار. وقبل عام 2023، كان الشيكل أحد أقوى العملات في العالم، ولكن في العام الماضي انخفضت قيمته نتيجة لخطة الإصلاح القضائي التي وضعتها الحكومة، وردة الفعل العنيفة عليها وعملية "طوفان الأقصى". وبحسب تقديرات "بنك أوف أميركا"، فإن علاوة المخاطر بصرف الشيكل مقابل الدولار بلغت حوالي 0.30 شيكل.
وفي هذا الصدد، يقول مودي شافرير، كبير استراتيجيي الأسواق المالية في بنك هبوعليم: "حتى نهاية الأسبوع الماضي، لم تثمن الأسواق احتمالية كبيرة لنشوء وضع يبدأ فيه وقف إطلاق النار، وتجري صياغة صفقة رهائن بين إسرائيل وحماس، ولذلك واصل الشيكل ضعفه مقابل سلة العملات، وارتفعت علاوة المخاطرة في إسرائيل". ويشير شافرير إلى أن العامل الأساسي الذي أثر بأداء الأسواق الإسرائيلية في الآونة الأخيرة هو التصعيد تجاه إيران، وهو ما أثار مخاوف من نشوب صراع إقليمي.
من جانبه، يوضح يوني فانينغ، كبير الاستراتيجيين في بنك مزراحي طفحوت، بتل أبيب أن سوق الصرف الأجنبي العالمي أظهر ضغوطاً عالية جداً في إبريل/ نيسان، وأن هذه الضغوط لم تكن مجرد ظاهرة محلية "لقد حدث ذلك في الأسواق حول العالم. لقد رأينا ذلك في علاوة المخاطر في سوق النفط أيضاً، وفي ارتفاع الدولار مقابل سلة العملات، بسبب التوترات العالمية، والخوف من حدوث صراع شامل بين إسرائيل وإيران". ويقول فانينغ: "كانت الضغوط في الأسواق مرتفعة للغاية". ومن وجهة نظره، إذا جرى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الشيكل بشكل كبير.
وبالنسبة لعجز الميزانية، فإنه ووفقاً لتقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل، فإن العجز المالي الإسرائيلي لعام 2024 سيبلغ 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن في الأسواق المالية هناك توقعات أكثر تشاؤماً تشير إلى عجز قد يصل إلى 8% في الميزانية الإسرائيلية. وتقول الهيئات الدولية وبنك إسرائيل، إن التصعيد الشديد في الوضع الأمني، مثل الحرب الشاملة في الشمال، سوف يفاقم العجز بالميزانية. ويقول شافير: "لقد تلقينا حزمة مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يساعد في تحسين الوضع المالي لإسرائيل". ومع ذلك "فإن أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى ارتفاع علاوة المخاطرة لإسرائيل، وبالتي ارتفاع عجزها المالي".
من جانبه، يوضح جوناثان كاتس، كبير الاقتصاديين في شركة "ليدر كابيتال ماركتس" بتل أبيب، الذي عمل في الماضي بقسم الميزانيات بوزارة المالية، أن العجز في الموازنة الإسرائيلية يتأثر بثلاثة أمور مجهولة. الأول هو المساعدات الأميركية التي وافق عليها الكونغرس مؤخراً. و"المجهول الثاني هو فتح جبهة شمالية والتصعيد. مثل هذا الحدث غير مدرج في الميزانية، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع حاد في الإنفاق الحكومي. ووقف إطلاق النار سيزيل هذا التهديد، وسيكون بالطبع إيجابياً للعجز". أما العامل الثالث فهو كيفية استعادة المستثمرين الأجانب إلى السوق الإسرائيلية.
على صعيد سوق المال الإسرائيلية، منذ العام الماضي، وحتى الآن، كان أداء سوق الأسهم المحلية أقل من أداء الأسواق العالمية. وحتى الآن ارتفع مؤشر "تل أبيب 35" بنحو 3%، في حين أن العائد على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" يكاد يكون ضعف ذلك. لكن كيف سيؤثر وقف إطلاق النار في سوق الأسهم؟ في هذا السياق، يقول كاتس: "إن قوة الارتفاع في سوق المال ستكون مرتبطة بالاتفاقية مع حماس وما ستبدو عليه، سواء كانت دائمة ومستدامة أم لا". ويقول إن سيناريو عودة الرهائن ووقف إطلاق النار طويل الأمد سيؤدي إلى تفاهمات وتهدئة الأوضاع في الشمال أيضاً. ويتابع "وقف إطلاق النار في الجنوب الإسرائيلي سيجنبنا الحاجة إلى الدخول إلى لبنان وفتح جبهة أخرى".
ويضيف كاتس أن الأسهم الإسرائيلية تلقت ضربة مزدوجة: "أدت الاضطرابات الاجتماعية وبرنامج الإصلاح القضائي في أوائل عام 2023 إلى أفق سلبي للأسواق، وإلى توقعات سلبية من جانب وكالات التصنيف، حتى قبل الحرب. وأضيف إلى ذلك التوتر الجيوسياسي منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولا يبدو لي أننا سنسد هذه الفجوة، لأنها تنبع من عوامل أخرى لن تختفي بالضرورة". ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي في النمو على قطاع التقنية الذي يعاني منذ عملية "طوفان الأقصى من هروب الاستثمارات الأجنبية". ويرجع الهروب إلى القلق بشأن عدم الاستقرار الذي يعتقد المستثمرون أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية جلبته إلى إسرائيل.