الاقتصاد الإسرائيلي يضيع وسط نقص العمال

الاقتصاد الإسرائيلي يضيع وسط نقص العمال

20 مارس 2024
مشروعات البناء الأكثر تضرراً من منع دخول العمال الفلسطينيين (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أعقاب الحرب على غزة، واجهت إسرائيل نقصاً حاداً في العمالة بسبب منع العمال الفلسطينيين من العمل، مما أثر سلباً على قطاعات مثل المطاعم والصناعة والفنادق والبناء، وأدى إلى تراجع جودة المنتجات وارتفاع الأسعار.
- الحكومة الإسرائيلية واجهت انقسامات داخلية حول كيفية معالجة الأزمة، حيث طالب بنك إسرائيل بإعادة العمال الفلسطينيين، بينما تمسك وزراء متطرفون بالمنع، مما فاقم الأزمة خاصة في قطاع الفنادق.
- محاولات استقدام عمال أجانب لم تفلح في سد النقص، مما أدى إلى تأخير المشاريع وارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمات، ودعا بنك إسرائيل إلى ضرورة إيجاد حلول سريعة لتجنب تداعيات سلبية على الاقتصاد.

فشلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في استقدام عشرات آلاف العمال الأجانب بدلاً من الفلسطينيين الذين جرى منعهم من العمل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل نحو ستة أشهر، ما أدخل العديد من القطاعات الاقتصادية في حالة من الشلل فضلا عن تراجع جودة المنتجات وارتفاع الأسعار.

وتسيطر حالة من التخبط الشديد على إعادة العمال الفلسطينيين، إذ يطالب بنك إسرائيل المركزي بذلك من أجل إنقاذ الاقتصاد، بينما يتمسك وزراء متطرفون في حكومة الاحتلال بالمنع في إطار ممارسات لمحاصرة أرزاق الفلسطينيين بغض النظر عن الارتدادات السلبية على القطاعات الإسرائيلية، بينما بات نقص العمال يهدد مختلف القطاعات، من المطاعم إلى الصناعة والفنادق والبناء.

في هذه الأيام تتصاعد تحذيرات أصحاب الفنادق من إغلاق العديد من النُزل وتقليص أعداد النزلاء وفترات إقامتهم بسبب عدم توفر الأيدي العاملة اللازمة لتسيير العمل. وحذر اتحاد الفنادق، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، أمس الثلاثاء، من أن صناعة الفنادق باتت على شفا أزمة، مطالباً بضرورة استقدام عمال أجانب بدلاً من الفلسطينيين.

وقال سيفان ديتوكر، رئيس اتحاد الفنادق، في مناقشة للجنة المالية في الكنيست: "ستضطر بعض الفنادق إلى الإغلاق وسيضطر البعض الآخر إلى تقليل إقامة النزلاء قبل وأثناء عطلة عيد الفصح (نهاية مارس/ آذار الجاري)"، مشيرا إلى أن الأزمة تتركز في مهنتي النظافة وخدمة النزلاء، وهو ما يراه الزائر بعينيه. ويوجد نقص بنحو ألفي موظف في أعمال خدمة النزلاء، حيث كان الفلسطينيون يشغلون هذه الوظائف في السابق.

وقال أحد كبار أصحاب الفنادق للصحيفة الإسرائيلية إن "الإسرائيليين ببساطة غير مستعدين للعمل في الميدان.. لقد عقدنا سابقاً مؤتمر توظيف في إيلات وتمكنّا من توظيف أربعة عمال، بقي منهم واحد.. إذا لم يتم توفير 2000 عامل أجنبي ستكون هناك كارثة في الصناعة".

وتثير الاستعدادات لقضاء العطلات قلق أصحاب الفنادق. وقال أحد المديرين التنفيذيين لسلسلة فنادق كبيرة في إسرائيل: "أخشى أن الضيافة في الفنادق خلال عيد الفصح لن تكون على المستوى العالي الذي اعتاد عليه الضيوف بسبب النقص الكبير في الموظفين"، مضيفاً أن الإسرائيليين لا يريدون العمل في مجال غسل الأطباق وخدمات الغرف.

وأكد أن هناك إشكالية أخرى تواجه الفنادق تتمثل في تسكين أعداد كبيرة من الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من المناطق الجنوبية مع قطاع غزة والمناطق الشمالية مع حدود لبنان، مشدداً على أنه ليس من السهل العودة إلى تشغيل الفنادق كما كان في السابق ويتطلب الأمر جهداً هائلاً.

ووفق مسؤول تنفيذي في أحد الفنادق، فإن "عودة العمال الفلسطينيين تمثل أيضاً مشكلة.. قد يكون الاجتماع مع الفلسطينيين مشحوناً للغاية، ولا أريد ذلك".

100 شيكل في الساعة لعامل النظافة بالمطاعم

كما أن الوضع في المطاعم يشهد تردياً. ويقول شلومي سالمون، وهو صاحب أحد المطاعم في تل أبيب، إن قلة العمال تتسبب في ارتفاع الأسعار، مضيفاً "ليس من المنطقي أن تصل كلفة طبق معكرونة إلى ما يقارب 100 شيكل (27.8 دولاراً)، لكنني مضطر إلى رفع الأسعار لأن أجر عامل التنظيف قفز إلى 100 شيكل في الساعة بسبب نقص العمالة.. أجور كل المهن قفزت، وليس من المنطقي أن نصف كل شيكل من الدخل يذهب لتوظيف العمال الذين يستغلون الوضع".

قال سالمون إنه كان لديه في الماضي 7 موظفين فلسطينيين لا يستطيعون الآن القدوم إلى العمل، مشيراً إلى أنه اضطر إلى تقليل عدد رواد المطعم رغم أن لديه مكاناً لاستقبال المزيد.

وأضاف: "أعمل من الصباح حتى الليل للحفاظ على مستوى خدمة العملاء، بينما قوتي نفدت بالفعل، كما أعمل على ربحية صفر تقريباً".

ووفقاً له، فإن الحرب على الجبهة الاقتصادية ليست سهلة، وتساءل "كيف يمكننا أن تكون أسعارنا رخيصة ونكون قادرين على المنافسة في هذا الوضع؟ لدي عائلة في الولايات المتحدة وأوروبا، وجميع الأماكن توظف عمالاً مهاجرين مقابل خُمس الأجر في إسرائيل.. الإريتريون يبتزوننا ويرفعون قيمة أجورهم، وكذلك شركات القوى العاملة.. لا أفهم لماذا لا تتخذ الحكومة قراراً بشأن هذه القضية".

بدوره، يصف شاي بيرمان، الرئيس التنفيذي لجمعية المطاعم، الوضع بأنه مأزوم حقاً، موضحاً أن "هناك نقصاً قدره 20 ألف عامل في صناعة المطاعم، التي توظف أكثر من 170 ألف عامل.. إنه نقص مزمن في المهن التي لا يرغب أي إسرائيلي في العمل فيها، وقد تفاقم الوضع بشكل كبير منذ الحرب".

وأشار إلى أن استدعاء مئات الآلاف من الشباب من جنود الاحتياط فاقم المشكلة، لأن الصناعة تتميز بعمالة شابة، ما تسبب في نقص النوادل والسقاة، مضيفاً أن كلفة استئجار صاحب العمل غسالة أطباق تصل اليوم إلى 20 ألف شيكل (5.55 آلاف دولار) شهرياً. 

إنتاج أقل في المصانع 

وفي القطاع الصناعي، يتسبب نقص العمال في تراجع معدلات الإنتاج. "نحن نفتقر إلى مئات العمال لأن الإسرائيليين لا يريدون العمل على خط الإنتاج وفي التنظيف. نتيجة للنقص فإننا ننتج كميات أقل من العمل، ونعمل على زيادة ساعات العمل الإضافية، وهو ما يزيد من كلفة الإنتاج"، وفق ما قاله الرئيس التنفيذي لأحد أكبر مصانع المواد الغذائية ليديعوت أحرونوت.

واليوم، تفتقر الصناعة بأكملها إلى 20 ألف عامل. وقال رون تومر، رئيس اتحاد الصناعة: "نحن في كارثة، لا يوجد مصنع لا يعاني من نقص في العمال"، مشيراً إلى أن الحرب فاقمت الأزمة، "حيث أعلنت الصناعات الدفاعية الكبرى أنها ستوظف 6000 عامل من المفترض أن يأتي بعضهم من المصانع القائمة، وهذا يقودنا إلى نقص قدره 25 ألف عامل في الصناعة، بما يمثل نحو 6% من العاملين في الصناعة".

وأضاف تومر: "الصناعة تتطلب عملاً مستمراً.. إذا كان هناك نقص في العمال في إحدى المحطات على طول خط الإنتاج، يتم إغلاق الخط بأكمله.. ندعو الحكومة إلى إصدار قرار حكومي على الفور يسمح بتشغيل ما لا يقل عن 10 آلاف عامل". 

ضربة للإنشاءات والبنية التحتية

وفي قطاع البناء، تعاني مواقع الإنشاءات ومشروعات البنية التحتية بشكل حاد من نقص العمالة، بعد إغلاق الأبواب أمام ما يقرب من 90 ألف عامل فلسطيني. ونتيجة لهذا الوضع، تم إغلاق العشرات من مواقع البناء، كما تم تجميد مشاريع البنية التحتية الهامة.

والخوف الكبير هو من أن يؤدي نقص الأيدي العاملة إلى تأخير تسليم الشقق الجديدة وإقامة المشاريع الحكومية، لا سيما في البنية التحتية.

وعلى خلفية الأزمة، قررت حكومة الاحتلال فور اندلاع الحرب ومنع العمال الفلسطينيين، استقدام 45 ألف عامل أجنبي في مجال التشييد والبناء ليعملوا إلى جانب حوالي 20 ألف عامل أجنبي موجودين بالفعل في إسرائيل. لكن هناك تأخيراً شديداً يصل إلى حد الفشل في استقدام هذه العمالة، وفق مقاولين.

المشكلة الرئيسية هي أن معدل وصول العمال الأجانب إلى إسرائيل منخفض للغاية، وحتى الآن وصل إلى إسرائيل حوالي 1200 عامل أجنبي فقط، بينما، بحسب المقاولين، يوجد في دول مثل الهند وسريلانكا وأوزبكستان ومولدوفا ما يقرب من 20 ألف عامل أجنبي تم اختبارهم والموافقة عليهم للعمل وينتظرون الوصول.

وتشير تقديرات الصناعة إلى أنه بحلول مايو/ أيار المقبل، سيصل حوالي 5000 عامل إضافي، ولكن بالنسبة للاحتياجات، فإن هذا يمثل قطرة في محيط.

وفي رسالة بعثها يهودا مورجنسترن، المدير العام لوزارة البناء والإسكان، إلى يوسي شيلي، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء، يوم الأحد الماضي، كتب أن صناعة العقارات "في أزمة حادة لا مثيل لها" منذ اندلاع الحرب، وحذر من أن عشرات آلاف العائلات ستنتظر لفترة طويلة حتى تحصل على الشقق المتعاقد عليها.

ودعا مورجنسترن، الأحد الماضي، إلى تدخل رئاسة الوزراء بشكل عاجل لإيجاد حل لأزمة القوى العاملة في صناعة البناء والتشييد، مشيراً إلى أن الآلاف من مواقع البناء غير نشطة بسبب المحنة الكبيرة للقوى العاملة في الصناعة.

وأضاف أن "أزمة السكن القائمة في إسرائيل تزداد سوءاً نتيجة لذلك، ويتعين على عشرات الآلاف من الأسر الانتظار لفترة طويلة للحصول على مفاتيح شققهم".

وأكد أنه "لا تزال هناك عوائق جوهرية تمنع تنفيذ قرارات الحكومة عملياً لاستقدام الأيدي العاملة المطلوبة لصناعة البناء والتشييد"، لافتاً إلى أن استقدام العمال الأجانب يعتمد على ترتيبات تنظيمية مع العديد من الوزارات، منها المالية والخارجية والعدل. 

"المركزي" يدعو لفتح الأبواب للفلسطينيين 

وانتقلت التحذيرات من تداعيات نقص العمال إلى أروقة بنك إسرائيل المركزي، الذي أكد في دراسة حديثة، وفق تقرير منفصل ليديعوت أحرونوت، على ضرورة زيادة تشغيل الإسرائيليين قدر الإمكان في قطاع البناء، لكنه أوصى في الوقت نفسه بخلق مزيج من العمال الفلسطينيين إلى جانب العمال الأجانب.

وحتى اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يعمل في الاقتصاد الإسرائيلي نحو 310 آلاف عامل غير إسرائيلي، نصفهم تقريباً من الفلسطينيين.

ومع اندلاع الحرب، مُنعت الأغلبية المطلقة من العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل، وغادر بعض الأجانب البلاد، وخاصة في القطاع الزراعي.

ولهذا السبب تأثر النشاط في قطاعي البناء والزراعة بشدة، حيث كان العمال غير الإسرائيليين عشية الحرب يشكلون حوالي ثلث ونحو نصف العاملين، على الترتيب.

ورداً على ذلك، حاولت حكومة الاحتلال زيادة عدد العمال الأجانب بسرعة، لكن بنك إسرائيل يوضح أيضاً أنه بحلول نهاية فبراير/ شباط من هذا العام لم يرتفع عددهم بشكل ملحوظ.

وذكرت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية أن الحكومة وافقت في بداية الحرب على استقدام 65 ألف عامل في قطاع البناء والتشييد، لكن عدداً محدوداً جداً منهم وصل.

وأشارت الصحيفة أخيراً إلى أنه كان من المقرر أن يجري استقدام 45 ألف عامل بموجب اتفاقيات ثنائية، إلى جانب استقدام نحو 20 ألف عامل عبر القطاع الخاص، ولفتت إلى أن ما جرى استقدامه لا يشكل سوى 1.5% من العمالة المطلوبة.

وباتت خسائر توقف الأعمال نتيجة نقص الأيدي العاملة مقلقة للجميع. ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن 12 عضواً من الكنيست قولهم إن تجمد قطاعات اقتصادية في إسرائيل نتيجة منع دخول العمال الفلسطينيين يكلّف 3.1 مليارات شيكل يومياً (861.1 مليون دولار)، بناء على بيانات من وزارة المالية.

المساهمون