يبدو صنّاع القرارات الاقتصادية في إسرائيل قلقين من اتساع نطاق الاشتباكات مع حزب الله اللبناني وتطورها إلى حرب أوسع نطاقاً، إذ تتصاعد الدعوات إلى اتخاذ إجراءات تقلّل من تداعيات الحرب على صعيد المعيشة، وكذلك مالية دولة الاحتلال واستقرارها النقدي.
عبّر قرار بنك إسرائيل المركزي، مساء الاثنين الماضي، بشأن تثبيت أسعار الفائدة، عن حالة الترقب هذه، وفق تقارير إعلامية إسرائيلية، أشارت إلى أن البنك اختار الانتظار لما ستسفر عنه التطورات على الحدود الشمالية مع لبنان لتحديد استراتيجيته الرامية إلى تقليل التأثير السيئ للحرب، سواء من الناحية النقدية أو من حيث استقرار الأسعار.
وذكرت صحيفة معاريف في تحليل، أمس الثلاثاء أن "لا أحد يعرف ماذا سيحدث إذا اشتد القتال على الجبهة الشمالية وتحول إلى حرب حقيقية". وأضافت أن "بنك إسرائيل اختار البقاء على الحياد"، في إشارة إلى عدم تخفيضه أسعار الفائدة كما كان كثيرون يتوقعون.
ووفق معاريف، فإن "بنك إسرائيل لا يريد أن يسقط، في حال نشوب حرب مباشرة مع حزب الله، ويريد أن يحتفظ ببعض دوافع خفض أسعار الفائدة في مخبئه في حالة دخول الاقتصاد في حالة ركود وإعطائه جرعة على شكل أموال أرخص من شأنها تحفيز النشاط الاقتصادي".
وأبقى بنك إسرائيل سعر الفائدة القياسي ثابتاً عند 4.5%، بعد أن خفضها بمقدار ربع نقطة مئوية في يناير/ كانون الثاني الماضي، مشيراً إلى أنّ الحرب على قطاع غزة كانت لها "عواقب اقتصادية كبيرة على النشاط الحقيقي وعلى الأسواق المالية".
وأضاف في بيان أن "هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين في ما يتعلق بخطورة تداعيات الحرب ومدتها، وهو ما يؤثر بدوره في مدى الانعكاس على النشاط الاقتصادي ككل".
وجاء الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير رغم انخفاض معدل التضخم إلى 2.6% في يناير/ كانون الثاني، أي ضمن النطاق السنوي المستهدف الذي يراوح بين 1% و3%. كذلك انكمش الاقتصاد بنسبة 19.4% سنوياً في الربع الأخير من 2023.
وقال جيل بوفمان، كبير الاقتصاديين في بنك "لئومي" الإسرائيلي في تصريح لوكالة بلومبيرغ الأميركية إن "قرار عدم تغيير سعر الفائدة في الوقت الحالي، على الرغم من المؤشرات الواضحة على اقتراب التضخم من النطاق المستهدف لاستقرار الأسعار، استند أساساً إلى الدرجة العالية من عدم اليقين بشأن توقعات نطاق الحرب ومدتها وآثارها الاقتصادية".
وبينما تظهر الأرقام السيطرة على التضخم وهدوء الأسعار، فإن تحركات صناع القرار والمشرعين حيال اتخاذ قرارات من شأنها التحكم بأسعار السلع، ولا سيما الأساسية، تشير إلى حالة القلق من تداعيات اتساع الحرب على الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال.
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، إلى مناقشة اللجنة الاقتصادية في الكنيست مشروع قانون يمنع رفع أسعار السلع الأساسية، لافتة إلى أن وزير الاقتصاد نير بركات يرفض في الأثناء مطالب الموردين برفع الأسعار حتى نهاية الحرب أو ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ونقلت الصحيفة العبرية عن رئيس اللجنة الاقتصادية في الكنيست دافيد بيتان قوله أمس: "سندرس طرح مشروع قانون لتجميد أسعار سلة المواد الأساسية في أوقات الطوارئ"، مضيفاً أنه طلب من قبل تجميد الأسعار خلال الحرب، إلا أن وزارة المالية عارضت ذلك بسبب الإضرار بالمنافسة، ثم طلب من وزارة الاقتصاد أن تسنّ قانوناً يسمح بفرض غرامات على من يرفع ثمناً غير معقول في الحرب، وعارضت وزارة الخزانة ذلك أيضاً، "لذا يجب أن يكون هناك تجميد لأسعار المنتجات الأساسية خلال الحرب".
وانتقل القلق من اتساع الصراع مع حزب الله إلى المصانع، حيث طالبت نقابة الصناعيين في إسرائيل مديري المصانع في المناطق الشمالية بالاستعداد لسيناريوهات انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وتوقف إمدادات الغاز الطبيعي، وتعطل حركة الشاحنات وخدمات الهاتف النقال، وفق ما نقلت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية، الاثنين، مشيرة إلى أن حزب الله سيلجأ إلى الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة لمهاجمة البنى التحتية الحيوية.
ويكافح الاقتصاد الإسرائيلي من أجل نفض غبار الخسائر التي لحقت به بفعل المقاومة الفلسطينية منذ بدء العدوان على غزة الذي يقترب من الشهر السادس.
وقال ميشيل سترافزينسكي، الخبير الاقتصادي في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، والمدير السابق لقسم الأبحاث في بنك إسرائيل في تصريحات لشبكة "فوكس بيزنس" الأميركية: "بينما كانت إسرائيل معتادة مثل هذه الصراعات، وأن اقتصادها قد انتعش في الجولات السابقة من القتال، فإن الحرب الحالية تُعَدّ بالفعل أطول بكثير وأكثر كثافة مما كانت عليه في السابق".
وأضاف سترافزينسكي: "أتوقع نمواً إيجابياً في الربع الحالي (من يناير/ كانون الثاني حتى نهاية مارس/ آذار)، لكن السؤال الكبير يتعلق بمدة الحرب، وما إذا كانت ستكون طويلة أو قصيرة، فالتكاليف تعتمد إلى حد كبير على ذلك".
وأكد أن العديد من القطاعات الرئيسية تأثرت بالحرب، وبينما لن يتعافى بعضها إلا بمجرد انتهاء الحرب، فمن المرجح أن يتعافى البعض الآخر من تلقاء نفسه.
ودفعت المؤشرات الاقتصادية السلبية وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري إلى خفض تصنيف إسرائيل لأول مرة في 50 عاماً، كذلك خفضت الوكالة توقعات ديون إسرائيل إلى سلبية بسبب خطر انتشار الصراع مع حزب الله.
وتخطط حكومة الاحتلال الإسرائيلي لجمع نحو 68.5 مليار دولار من أسواق الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، في الوقت الذي تضاعف إنفاقها الدفاعي تقريباً، وفق ما قال يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الاثنين.
وعلى صعيد الإنفاق الشخصي، تركت الحرب ندوباً عميقة، إذ أشارت مجلة فورتشن الأميركية، إلى أن الإنفاق تضرر من نزوح آلاف الأسر من البلدات القريبة من غزة جنوباً ومن الشمال بالقرب من الحدود اللبنانية، موضحة أن أوضاعهم المعيشية غير المستقرة ادت إلى خفض إنفاقهم التقديري.
وفي سوق العقارات، انخفض الاستثمار كذلك بشكل ملحوظ بعد أن سبّبت الحرب تعثر نشاط البناء. كذلك، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي سوق عمل مليئاً بالتحديات.
فمنذ بداية الحرب، استدعى الجيش أكثر من 300 ألف جندي احتياطي للخدمة، وجرى تحويل جهودهم من القوى العاملة إلى الخطوط الأمامية للحرب، قبل أن يُسرَّح عدد كبير منهم في وقت لاحق.