الاقتصاد الإسرائيلي يتخبّط: الركود التضخمي يطرق الأبواب

الاقتصاد الإسرائيلي يتخبّط: الركود التضخمي يطرق الأبواب

10 مايو 2024
 ارتفاعات متواصلة تطاول أسعار السلع (ديفيد فورست، فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من تحديات تضخمية معقدة، حيث لم تتحول زيادات الأجور إلى قوة شرائية حقيقية للمستهلكين، وتواجه الحكومة انتقادات لعدم خفض تكاليف المعيشة.
- أسعار الغذاء تشهد ارتفاعات كبيرة، مما يضع إسرائيل ضمن الدول الأعلى تضخمًا لأسعار الغذاء في الغرب، ما يعكس مشاكل هيكلية في الاقتصاد.
- الضغوط المتزايدة على الحكومة لمعالجة العجز في الموازنة والدين المتزايد تقود إلى النظر في زيادة الضرائب، مع مخاطر الركود التضخمي وتحديات اقتصادية مستقبلية.

يعيش الاقتصاد الإسرائيلي في دوامة التضخم، وسط انتقادات تطاول الحكومة التي كانت قد وعدت بخفض تكاليف المعيشة، فيما تتصرف في الاتجاه المعاكس. أما الاحتفالات التي تلت القفزة في متوسط الأجر، فلم تدم طويلاً، إذ إنّ حوالى 40 في المائة من الزيادة في الأجور لم تترجم إلى زيادة في القوة الشرائية للمستهلكين، بحسب موقع "كالكاليست" الإسرائيلي.

وتضاف إلى دوامة التضخم، الارتفاعات المرتقبة في الضرائب للسيطرة على العجز الكبير في الموازنة العامة، وتحديداً ضريبة القيمة المضافة التي تطاول الاستهلاك. مؤشرات دفعت إلى التحذير من خطر حقيقي يتربص باقتصاد الاحتلال: الركود التضخمي.

ويشرح الموقع الإسرائيلي أنّ الاحتفالات بوصول متوسط الرواتب في الاقتصاد الإسرائيلي إلى 14 ألف شيكل (الدولار= 3.74 شواكل)، بعد منشورات مكتب الإحصاء المركزي هذا الأسبوع، ليست خاطئة فحسب، بل تشير إلى خطر جدي على الاقتصاد الإسرائيلي وخصوصاً على الدوامة التضخمية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انخفاض النمو، كما هو متوقع في العام المقبل، إلى الركود التضخمي، وهو مزيج نادر من انخفاض النمو وارتفاع التضخم. إذ إنّ الأجر الحقيقي (الأجر الاسمي ناقص زيادة الأسعار) يعكس القوة الشرائية للأجور الإسرائيلية.

ويظهر فحص البيانات التي نشرها مكتب الإحصاء المركزي يوم الأحد الماضي أنه في حين أنّ الأجر الاسمي للعمال الإسرائيليين (المعدل موسمياً) قفز بنسبة 7.25 في المائة منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، فإنّ الأجر الحقيقي ارتفع بنسبة أقلّ بكثير: فقط بنسبة 4.3 في المائة. أي إنّ أكثر من 40 في المائة من هذه الزيادة لم تصل إلى الجيوب بسبب ارتفاع الأسعار، لكن هذه ليست سوى مشكلة صغيرة.

السؤال الكبير هو: ما الذي أصبح أكثر تكلفة في عهد حكومة نتنياهو التي جاءت إلى السلطة على أساس وعود بخفض تكاليف المعيشة، مع مقاطع فيديو انتقادية ضد الحكومة السابقة التي كان عنوانها "كل شيء يرتفع هنا". حيث يتصدر جدول الأصناف التي زادت أسعارها منذ يناير/ كانون الثاني 2023، قطاع الأغذية: الفواكه الطازجة، الخُضَر الطازجة، البيض، السكر وبدائله، الأسماك، الدواجن، الحليب، القشدة، الكاكاو ولحم البقر.

وفي هذه الأقسام بلغت الزيادات في الأسعار 2 إلى 5 أضعاف معدل التضخم العام خلال تلك الفترة (يناير 2023 - مارس 2024) الذي بلغ 3.6 في المائة. والسؤال الواضح هو ما إذا كانت هذه ظاهرة عالمية. الجواب الذي يطرحه "كالكاليست" أنه بحسب تقرير التضخم الشهري الذي نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قبل أيام، تحتل إسرائيل المرتبة الرابعة في تضخم أسعار الغذاء في الغرب بعد النرويج وكوريا وأيسلندا بمعدل سنوي يبلغ 5.35 في المائة.

أزمة الاقتصاد الإسرائيلي

ويظهر أنّ المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 4.8 في المائة، بينما في أوروبا يبلغ هذا المعدل 1.5 في المائة فقط، وهناك 7 دول حيث المعدل سلبي، ولكن الأهم من ذلك، عند مقارنة معدل التضخم السنوي الحالي في الغذاء (مارس 2024) بالمعدل الذي سُجِّل قبل عام (إبريل 2023) يتبين أنّ هذا المعدل خُفِض بنسبة 40 في المائة في إسرائيل، بينما وصل التخفيض في الاتحاد الأوروبي إلى 90 في المائة.

ويلفت التقرير إلى أنه في نهاية عام 2022، أُعلِنَت إسرائيل أغلى دولة في الغرب، عندما كان مؤشر الأسعار المقارن من حيث القوة الشرائية هو الأعلى، وبلغ 138 نقطة. وهذا يعني أن سلة الاستهلاك النظري الغربي كانت أغلى بنسبة 38 في المائة في إسرائيل، مقارنة بمتوسط أسعار دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

كذلك، في نهاية عام 2022، كان مستوى أسعار المنتجات والخدمات في إسرائيل مرتفعًا جدًا، على الرغم من أن إنتاج تلك الخدمات والمنتجات كان أقلّ من المتوسط في الغرب.

ووفقاً للأدبيات الاقتصادية، فإن الجمع بين الأسعار المرتفعة نسبياً والإنتاج المنخفض نسبياً قد يشير إلى مشاكل هيكلية، مثل عدم كفاية البنية التحتية، والجمود في سوق العمل، والأعباء التنظيمية والبيروقراطية، وارتفاع الديون الحكومية، والحواجز التجارية الكبيرة، وانخفاض القدرة التنافسية، وعدم كفاية الاستثمارات.

ولفت الموقع إلى أنّ انخفاض قيمة الشيكل يؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع المنتجات والخدمات والمدخلات المستوردة على خلفية الضرر الجسيم الذي لحق بسمعة الاقتصاد الإسرائيلي وانخفاض الصادرات والاستثمارات الأجنبية؛ هناك انقطاعات وصدمات في الإمدادات بسبب الهجمات التي شنّها الحوثيون في البحر الأحمر، ومن ثم الحظر التركي؛ وهناك قفزة حادة في كل من العجز والدين الحكومي؛ وهناك أيضاً زيادة في توقعات التضخم.

وتصبح الصورة أكثر إشكالية عندما تنظر إلى الجانب الآخر من العملة، أي الجانب الحقيقي، أي النمو. قد تكون القفزة الحادة في الاستهلاك الخاص، كما ظهر في الأسابيع القليلة الماضية من بيانات المشتريات ببطاقات الائتمان، خادعة. والواقع، وفق "كالكاليست" أنّ الاستهلاك يعتمد كثيراً على الأموال الحكومية (مساعدات وتقديمات)، وهو ما يفسر القفزة في العجز والديون.

ويلفت الموقع إلى أنّ توقعات النمو لعام 2025 في اتجاه هبوطي، بسبب عدم اليقين بشأن الحرب وبشأن الحكومة. إنّ الجمع بين نمو الاقتصاد الإسرائيلي المنخفض وارتفاع التضخم وارتفاع الديون الحكومية وارتفاع أسعار الفائدة هو ما يحدد الركود التضخمي، وهو وضع اقتصادي مثير للمشاكل وخطير.

ويدرك كل من بنك إسرائيل المركزي ووزارة الخزانة هذه المخاوف. ومن جهة أخرى، ذكرت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية في عددها أمس الخميس أنّ وزارة المالية الإسرائيلية تستعد لزيادة الضرائب لمنع زيادة العجز في موازنة العام القادم. ووفق الموقع الإسرائيلي، قد ترتفع ضريبة القيمة المضافة أعلى من النسبة المعتمدة بالفعل البالغة 18 في المائة، وقد لا تُحدَّث شرائح ضريبة الدخل على الرغم من التضخم.

وبدأت وزارة المالية الإسرائيلية بإعداد موازنة العام 2025، ووجدت عجزًا قدره 30 مليار شيكل. وإذا لم يُعثَر على غطاء للعجز، الذي سيأتي بشكل رئيسي من الزيادات الضريبية، فسيتعمق العجز في العام المقبل إلى حوالى 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف التوقعات التي قدمتها وزارة المالية إلى الكنيست في فبراير/ شباط الماضي، ونحو 30 في المائة أكثر من الحد الأقصى الذي تستعد له وزارة المالية.

وقد يكون عام 2025، وفق "غلوبس"، عاماً آخر ضائعاً اقتصادياً، مع عجز مرتفع كما هو الحال في عام 2024، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من التدهور في نسبة الدَّين إلى الناتج في البلاد، وربما أيضاً خفض التصنيف الائتماني. وفي اجتماع هذا الأسبوع، أصدر المدير العام لوزارة المالية، شلومي هيزلر، تعليماته لكبار مسؤوليه بوضع خطة ستُقدَّم بحلول نهاية الشهر إلى وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، من أجل ميزانية متوازنة مع تفاصيل الإيرادات. وقد وجد المسؤولون حتى الآن 4 مليارات شيكل يمكن توفيرها من الإنفاق الحكومي، من طريق خفض أموال الائتلاف وإغلاق الوزارات الحكومية غير الضرورية.

وحتى لو كان من الممكن تجاوز المعارضة داخل الائتلاف لهذه التخفيضات، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تضييق العجز بنسبة 13 في المائة، ما يترك 26 مليار شيكل إضافية. وتمت الموافقة بالفعل على زيادة ضريبة القيمة المضافة من 17 إلى 18 في المائة في عام 2025 في موازنة 2024، لكن وزارة المالية تفكر الآن في رفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة أكبر، وربما تفرض معدل 18 في المائة بالفعل هذا العام.

وتدرس وزارة المالية أيضًا تجميد الزيادة في شرائح ضريبة الدخل في عام 2025، حيث يتوقع بنك إسرائيل أن يصل التضخم إلى 2.7 في المائة هذا العام. وهذا من شأنه أن يؤثر بشدة في رواتب الفئات ذات الدخل المنخفض.

ومن المرجح أن يكون مشروع قانون الترتيبات الاقتصادية، الذي يتضمن تقليدياً إصلاحات تشجع النمو الاقتصادي، ضعيفاً لعام 2025، بحسب موقع "غلوبس". وستقدم وزارة المالية الإسرائيلية أيضاً المزيد من التدابير لمكافحة الأموال السوداء، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تحصيل الضرائب، وفق الموقع ذاته.

المساهمون