الاقتصاد الأميركي يخطو خطواته المتوقعة نحو الركود

13 مايو 2023
تسريح العمالة عادة ما يكون أسوأ تبعات الركود (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي يتأرجح فيه الاقتصاد الأميركي بين جحيم التضخم الذي يعيشه وشبح الركود الذي تنبأ به محللو الاقتصاد، بدأت مؤشرات وول ستريت بالتراجع لتشكل مرحلة يمكن أن تصبح أطول فترة تراجع في أرباح الشركات منذ سبع سنوات.

وتشير أرقام الربع الأول من العام إلى أنّ أرباح الشركات المدرجة في مؤشر إس آند بي 500 انخفضت بنسبة 3.7% تقريباً، مقارنة بالعام الماضي، فيما أظهرت البيانات التي جمعتها "بلومبيرغ إنتيلجينس"، اليوم السبت، أنّ 78% من هذه الشركات تجاوزت التوقعات.

وكان المحللون الاقتصاديون قد خفضوا في وقت سابق توقعاتهم بشأن الأرباح.

تراجع واضح

ويعد الربع المنتهي هو الربع الثاني على التوالي الذي تنخفض فيه أرباح الشركات الأميركية. ويركز المحللون حالياً على توقعات تراجع الأرباح خلال الفترة من إبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران من العام الجاري. وتم تقدير نسبة تراجع تقدر بنحو 7.3%، وفقًا للبيانات التي جمعتها "بلومبيرغ".

 ويؤكد المحللون أنّ الأزمة الحالية، الناجمة عن رفع سعر الفائدة، وتراجع طلب المستهلكين، ستمتد إلى الربع الثالث من عام 2023، بعد أن كانت التوقعات تميل لصالح حدوث انتعاش في الأسواق، بداية من تلك الفترة.

وقالت "بلومبيرغ"، إنّ ذلك يعني بالضرورة ركوداً في الأرباح أطول مما حدث أثناء جائحة كورونا.

ولم تشهد الولايات المتحدة انخفاضاً في الأرباح لأكثر من ثلاثة أرباع منذ 2015-2016. وهي الفترة التي شهدت بداية دورة جديدة لرفع معدلات الفائدة.

ولم يتفاجأ المستثمرون بعد تحقيق مؤشر إس آند بي 500 للأسهم أي أرباح منذ أن بدأ المقرضون الرئيسيون في وول ستريت هذا الموسم في إعلان نتائج أعمالهم، منتصف الشهر الماضي.

ويأتي ذلك كله في ظل أزمتين تهددان الريادة الاقتصادية للولايات المتحدة عالميًا: الأولى هي أزمة سقف الديون التي أوقعت الاقتصاد الأكبر بين مطرقة وزارة الخزانة وسندان الكونغرس، وعلى الجانب الآخر الأزمة الرئيسية التي تكاد تكون هي المتسبب في ذلك كله وهي الارتفاع التاريخي في معدل التضخم، ما اضطر مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) إلى رفع سعر الفائدة عشر مرات، حتى كسر حاجز الـ500 نقطة أساس ليصل إلى 5.25% لأول مرة منذ الأزمة العالمية في 2008.

وانهار إثر ذلك عدد من البنوك الإقليمية، أبرزها "سيليكون فالي" و"سيغنتشر"، علاوة على استحواذ "جي بي مورغان" على بنك فيرست ريبابليك بعد فشل الجهود الرامية لإنقاذه.

بالإضافة إلى ذلك كله، أشارت "بلومبيرغ" إلى أنه لا يمكن أن يغفل الاقتصاديون الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب في شرق أوروبا، والتي انعكست تبعاتها على الاقتصاد مثل تغير أسعار السلع والطاقة عالمياً، كما تقلبات سعر العملة الخضراء ذاتها.

هوامش مضغوطة

يؤدي تباطؤ الاقتصاد إلى التأثير على هوامش الربح لدى الشركات، والتي وفقًا لأغلب التوقعات لن تتعافى قبل الربع الأخير من عام 2023. وحذرت شركات عدة من عدم نمو هوامش التشغيل المعدلة بالسرعة المرجوة، وكان من بينها "باي بال"، شركة المدفوعات الرقمية، و"تايسون فودز"، التي تنتج نحو 20% من منتجات اللحوم بأنواعها في الولايات المتحدة.

وقالت أنيكا تريون العضو المنتدب في Van Lanschot Kempen لإدارة الثرواتـ لـ"بلومبيرغ": "بينما تبدو أرباح الربع الأول قوية، فإننا نشهد ظهور تصدعات، حيث يفوق نمو المبيعات نمو الأرباح، وهو ما يضغط على هوامش الشركات".

ولجأت الشركات الأميركية إلى تسريح العمالة، مع إلغاء عشرات الآلاف من الوظائف في مختلف الصناعات، من التكنولوجيا إلى مبيعات التجزئة، وهو ما يتوقع أن تظهر آثاره في أرباح الفترة من إبريل إلى يونيو.

ويتوقع الخبير الاستراتيجي في "مورغان ستانلي" مايكل ويلسون، "جانبًا سلبيًا إضافيًا لهوامش الربحية" خلال الأشهر المقبلة، حيث سيؤدي ارتفاع الأجور إلى رياح معاكسة كبيرة، تزيد من الضغوط على الاقتصاد، وتعوق نمو الشركات.

أزمة البنوك

وأدى ارتفاع إيرادات الفوائد وأرباح المتاجرة وتدفقات الودائع في البنوك الكبرى إلى تمكين تلك البنوك من تجاوز الضغوط المالية لشهر مارس/ آذار، مع اقتراب العديد من المؤسسات المالية من الانهيار. والشهر الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون، أكبر البنوك الأميركية، عن اقتراب انتهاء الأزمة.

لكن رياحاً أخرى معاكسة تلوح في الأفق، مع تخلف المزيد من الأميركيين عن سداد ديونهم. ووفقاً لبيانات معلنة، شهدت أكبر أربعة بنوك أميركية شطب قروض استهلاكية سيئة تزيد بنسبة 73% عن مستويات العام الماضي.

وأخيراً عمدت مؤسسات الإقراض إلى رفع مخصصات الديون المعدومة، بينما تأثرت المؤسسات الصغيرة مثل "لازارد" من تباطؤ أنشطة الاندماج والاستحواذ، خلال الفترة الأخيرة. 

ومن ناحية أخرى، لا يُتَوقع أن يسلم قطاع العقارات التجارية من المشكلات الحادثة في القطاع المصرفي، حيث تقول الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمارات "فرانكلين تيملتون" جيني جونسون، في مقابلة مع تليفزيون بلومبيرغ، إنّ البنوك الصغيرة (الإقليمية) تستحوذ على ما يقرب من 25% من القروض المقدمة للقطاع.

وهزت انهيارات البنوك، على مدار الشهرين الماضيين، بالفعل قطاع العقارات، ما ترك مؤشره التابع لـ"إس آند بي" قريباً من النقطة التي بدأ العام عندها، مخالفاً المكاسب المتحققة في القطاعات الأخرى.

هيمنة التكنولوجيا

كانت شركات التكنولوجيا نقطة مضيئة في الربع الأول، حيث تجاوزت كل من شركة آبل، وميتا وألفابت (غوغل) وأمازون توقعات الربحية، وتستفيد تلك الشركات حالياً من الإشارات التي يشير إليها مجلس الاحتياط الفيدرالي باقتراب إيقاف رفع الفائدة.

ومع ذلك، فمن المتوقع أن تنخفض أرباح القطاع بأكثر من 7% خلال الربع الثاني، وفقاً لـ"بلومبيرغ إنتليجنس"، التي قال محللوها إنّ نمو أرباح التكنولوجيا والإعلام والاتصالات سيتأخر عن المؤشر الأوسع، حتى عام 2024.

وفي حين تشكل شركات التكنولوجيا نحو 35% من القيمة السوقية للشركات المدرجة بمؤشر إس آند بي 500، إلا أن أرباحها لا تتجاوز 30% من الأرباح التي تحققها تلك الشركات.

المساهمون