"حوالى 60 مليون مصري وبما يعادل 60% من عدد السكان في البلاد، إما فقراء أو أكثر احتياجاً"، هذه هي النتيجة التي كشف عنها البنك الدولي قبل أيام قليلة.
لو أن أحداً خرج بهذه النتيجة الخطيرة والمؤلمة لتم رجمه بالكلمات وتشويه سمعته، ومهاجمته بقسوة من قبل كبار المسؤولين في مصر، ولفتحت وسائل الإعلام المحلية النيران الكثيفة عليه واتهمته بأنه مغرض وصاحب أجندة ويعمل لصالح أطراف خارجية، إلى آخر هذا الكلام السخيف والهراء الذي يوجه على مسمع ومرأى الجميع لكل من يطالب السلطات بإصلاح اقتصادي حقيقي مفيد للاقتصاد والمواطن والأجيال المقبلة، وليس بإصلاح مالي ونقدي هدفه فقط تجميل المؤشرات والأرقام واغتراف المزيد من القروض الخارجية والداخلية والمساعدات والمنح.
أما وأن البنك الدولي هو الذي ذكر هذه الأرقام الخطيرة المتعلقة بمعدلات الفقر الحقيقية في مصر، فلم يخرج علينا مسؤول مصري واحد ليكذب الأرقام أو حتى يبررها ويفندها، لسبب بسيط هو أن البنك الدولي يعد من كبار المقرضين للحكومة حيث أقرضها 8 مليارات دولار منذ العام 2010.
كما أن المعلومات المتوافرة لدى البنك الدولي تأتي مباشرة من المطبخ الرسمي للحكومة، ومن بنود برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تقترض الحكومة بموجبه كل هذه المليارات من البنك وغيره من الدائنين الدوليين، وبالتالي لن يستطع أحد تكذيب الأرقام والتشكيك فيها.
يوم الأربعاء الماضي، أصدر البنك الدولي تقريرا يرصد حالة الفقر في مصر في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه الحكومة، حيث أكد البنك في بيان رسمي، حدوث قفزات في معدل الفقر في مصر.
وحسب أرقام البنك المعلنة، فإن "حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجاً"، وأن "عدم المساواة آخذ في الازدياد، فقد اقترب معدل الفقر الوطني من 30% في عام 2015، ارتفاعاً من 24.3% في عام 2010".
وبحسب أرقام البنك الدولي كذلك، فإن هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر في مصر، وأن صعيد مصر يظل الأكثر فقراً، إذ تراوح المعدل بين 7% في محافظة بورسعيد و66% في بعض محافظات الصعيد، ومنها سوهاج وغيرها.
الآن عرفنا سر إخفاء الحكومة الأرقام الحقيقية المتعلقة بمعدل الفقر في البلاد طوال السنوات الأربع الماضية، حيث إن آخر رقم رسمي معلن عن نسبة الفقر في مصر، من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هو 27.8% في عام 2015، كما أن الجهاز لم يلتزم حتى بالمعايير التي يطبقها منذ سنوات طويلة وهي إعلان المعدل كل عامين، حيث لم يعلن حتى الآن عن مؤشرات الفقر في 2017.
في ظل أرقام الفقر المعلنة والمخيفة من قبل البنك الدولي والتي يلمسها المواطن عقب تعويم الجنيه المصري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 وتطبيق ما تسميه الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادي، هل يمكن القول إن ما يحدث في مصر الآن هو نوع من التخريب الاقتصادي وليس الإصلاح الاقتصادي كما تقول الحكومة.
هل يمكن القول بإن هناك دهساً عنيفا لأفراد المجتمع، ليس فقط للطبقات الفقيرة والمعدمة، بل للطبقات الوسطى أيضا التي انهارت خلال السنوات الأخيرة ودخل معظم المنتمين لها دائرة الفقر، وهو ما يشكل خطراً شديداً على المجتمع.
كما أن دهس الجميع متواصل منذ الاتفاق على قرض صندوق النقد وذلك عن طريق تطبيق سياسات تقشفية عنيفة، منها خفض قيمة الجنيه المصري بنسبة تصل إلى نحو 50%، وخفض متواصل للدعم الحكومي، وإجراء زيادات مستمرة في فواتير النفع العام، كالكهرباء والمياه والغاز، وزيادات غير مسبوقة في أسعار السلع الرئيسية والأدوية والضرائب والرسوم الحكومية.
هل يمكن القول إن السياسات الحكومية التي يتم تطبيقها في مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ستقذف بنحو 80% من المصريين في أتون الفقر وربما الفقر المدقع.
أما باقي الـ20% من عدد السكان فيتم منحهم كل الامتيازات المالية وغيرها والتي تعينهم على مواجهة موجة الغلاء غير المسبوقة في المجتمع، وفي المقدمة المنتمون لطبقات القضاة والشرطة والجيش، ومعهم طبقة رجال الأعمال التي تحصل على أراضي الدولة بالمجان وتتهرب من سداد الضرائب والجمارك وحقوق العمال.