- الوضع الاقتصادي في غزة يشهد تدهورًا حادًا مع ارتفاع غلاء المعيشة بنسبة 27% وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد، مما زاد من معاناة السكان.
- تحذيرات أممية من مخاطر الجوع والمجاعة في شمال غزة، مع تدمير الإنتاج الزراعي وخسارة المحاصيل اللازمة لكسب الرزق، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني وينذر بآثار شديدة طويلة المدى.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي حرق كل ما هو أخضر في غزة، ضمن جرائمه الهادفة إلى الإبادة الجماعية لسكان القطاع، إذ دمرت الحرب الإجرامية التي دخلت شهرها السادس أكثر من 75% من القطاع الزراعي المصدر الرئيسي لإمداد الفلسطينيين المحاصرين بالغذاء في ظل إغلاق المعابر ومنها رفح وكرم أبوسالم وإريز، والتضييق الكبير على دخول المساعدات.
ويأتي ذلك في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر السادس على التوالي، حيث يعيش قطاع غزة أزمات معيشية خانقة إلى جانب الإبادة والقتل والاعتقال والتفجير، وبالتالي صعوبة توفير أبسط الاحتياجات اليومية اللازمة لإعداد الطعام لمن تبقى على قيد الحياة، ما يفاقم أزمة التجويع.
ونتيجة لحالة التجويع التي يعيشها القطاع، فإن عشرات الأشخاص فقدوا أرواحهم نتيجة الجوع والتعنت الإسرائيلي في إدخال المساعدات والشاحنات المحملة بالغذاء إلى مناطق غزة وشمالي القطاع، وهو ما فاقم من الأوضاع المعيشية.
المؤشرات الرسمية
وعلاوة على حالة الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يضاف للحصار المتواصل للعام السابع عشر على التوالي، فإن مؤشرات غلاء المعيشة ارتفعت بشكل متصاعد بفعل إغلاق المعابر والحدود خلال الآونة الأخيرة.
ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن شهر فبراير/ شباط 2024 سجل ارتفاعًا حادًا في مؤشر غلاء المعيشة في القطاع عموماً بنسبة 27%، فيما سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين خلال ذات الشهر ارتفاعاً حاداً نسبته 27.25% نتيجة لاستمرار العدوان الإسرائيلي.
ويشير الإحصاء الفلسطيني إلى استمرار الارتفاع الحاد وغير المسبوق في مؤشر غلاء المعيشة لقطاع غزة نتيجة لاستمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي للشهر السادس على التوالي، ليسجل ارتفاعاً حاداً نسبته 111% منذ السابع من أكتوبر.
تدمير 75% من الزراعة
تبدو المعضلة بدرجة أساسية لدى السكان فيما يتعلق بالخضروات التي تختلف أسعارها ما بين شمالي القطاع وجنوبه، لاعتبارات عدة أبرزها تدفق الشاحنات بشكل أسهل في المناطق الجنوبية مقارنة بالشمالية وتعمد الاحتلال استهداف المساعدات والقوافل.
وتعكس بيانات اتحاد لجان العمل الزراعي (مؤسسة فلسطينية مستقلة) أن الحرب الإسرائيلية أسهمت في تدمير أكثر من 75% من القطاع الزراعي في غزة، وقوضته بشكل كبير حيث يشكل القطاع الزراعي في غزة ركناً أساسياً وحيوياً للغذاء إلى جانب الاقتصاد.
ومع تسجيل أسعار الخضروات ارتفاعًا ضخمًا في الأسعار فإن المشهد تحول في القطاع إلى شراء كميات قليلة ومحدودة جدا منها بما يسهم في توفير احتياجات خفيفة للعائلات للطعام، لا سيما خلال شهر رمضان الذي أتى في ظل أوضاع إنسانية قاسية.
4 حبات طماطم بـ30 دولاراً
يتحدث الفلسطيني محمد أبو الحسنى عن حالة الارتفاع الكبير في الخضروات والمواد الغذائية بشكلٍ كبير للغاية نتيجة صعوبة تدفق الشاحنات والمساعدات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر السادس على التوالي دون أفق بتوقفها.
ويقول أبو الحسنى لـ "العربي الجديد" إن أسعار الخضروات الأساسية مثل البندورة والخيار والبطاطا وصلت أسعارها إلى 100 شيكل إسرائيلي، علاوة على تسجيل أصناف أخرى من البازيلاء ارتفاعا كبيرا يصل إلى 28 شيكلا لكل كيلوغرام. (الدولار = 3.64 شواكل).
ويشير الفلسطيني الذي يقطن مدينة غزة إلى أن السكان باتوا يعتمدون على شراء هذه الخضروات بكميات بسيطة، حيث يصل سعر طبق يتكون من 4 حبات من الخيار أو البندورة (الطماطم) إلى قرابة 30 دولارًا أميركيًا وهو مبلغ مرتفع للغاية.
ووفقاً لأبو الحسنى فإن أسعار سلع أخرى مثل كيلو اللحم بلغ 230 شيكلا، فيما ارتفعت أصناف مثل بيض المائدة إلى 240 شيكلا إلى جانب ارتفاع أسعار أخرى مثل الأرز إلى 100 شيكل، بالإضافة إلى العدس الذي ارتفع إلى 100 شيكل.
ويصف المواطن الفلسطيني ما يجري بأنه يفوق القدرة على التحمل، لا سيما وأن أسعار الخضروات باتت تفوق المقدرة على التحمل مع استمرار الحرب للشهر السادس على التوالي، علاوة على ذلك فإن هذه السلع أساسية ولا يمكن الاستغناء عليها.
معاناة في الوسط والجنوب
مناطق وسط القطاع مثل النصيرات ودير البلح والجنوب مثل رفح لا تختلف كثيرا في المعاناة خلال الشهور الستة الماضية جراء الحرب الإسرائيلية، وإن توفرت الأسعار بشكلٍ أقل مما هي عليه في الشمال خلال الفترة الماضية.
من جانبه، يؤكد الفلسطيني أحمد أبو النجا أن أسعار الخضروات تعتبر قياسية وغير منطقية مقارنة مع ما كانت عليه في السابق خلال الشهور التي سبقت الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023.
ويقول أبو النجا لـ"العربي الجديد" إن الاعتماد الوحيد على الخضروات يتم من خلال مصر عبر الشاحنات الواردة لرفح عبر المعبر وبوابة صلاح الدين، في ظل تكدس أعداد النازحين في المنطقة الجنوبية للقطاع 1.3 مليون نسمة.
ويشير إلى أن العائلة تعتمد في بعض الأحيان على بعض الطرود التي يتم توزيعها من خلال الجهات الإغاثية في توفير الخضروات، أو شراء كميات محدودة للغاية لجعلها حاضرة على مائدة السحور والإفطار خلال الفترة الحالية.
ويلفت أبو النجا إلى أن استمرار إغلاق المعابر وتدمير الأراضي الزراعية ينعكس بالسلب على قدرة الفلسطينيين على توفير احتياجاتهم، إذ إن رفح والمناطق الجنوبية من القطاع تعتبر الغطاء النباتي إلى جانب مناطق الشمال الخالية من السكان.
تحذيرات الجوع
يأتي تفاقم الأزمات المعيشية واستهداف الاحتلال لتدمير مصادر الغذاء وإطباق الحصار عبر إغلاق كافة المعابر، وسط تحذيرات أممية من مخاطر الجوع التي أدت إلى موت عشرات من الفلسطينيين خاصة الأطفال والنساء.
وأفاد تقرير أممي حول الأمن الغذائي في قطاع غزة بأن المجاعة وشيكة في الجزء الشمالي من القطاع، ومن المتوقع أن تحدث في الفترة بين الوقت الراهن وأيار/مايو في المحافظتين الشماليتين اللتين يوجد بهما نحو 300 ألف شخص.
وقال تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصادر يوم 18 مارس/ آذار الجاري، إن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد للمجاعة قد تم تجاوزه بشكل كبير، وإن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة.
وذكر أن معدلات الوفيات غير الناجمة عن إصابات الرضوح (الحوادث)، وهي المؤشر النهائي للمجاعة، تتسارع، ولكن البيانات تظل محدودة، كما هو الحال في مناطق الحروب.
وأفاد التقرير أيضا بأن جميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ. وذكر أن نصف عدد السكان، 1.1 مليون شخص في غزة، قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويعانون من الجوع الكارثي والتضور جوعا.
وقال التقرير إن المجاعة - حتى في شمال غزة - يمكن وقفها إذا تم تسهيل الوصول الكامل لمنظمات الإغاثة لتوفير الغذاء والمياه والأدوية والخدمات الصحية وخدمات الصرف الصحي، على نطاق واسع، لجميع السكان المدنيين.
وأضاف أن ذلك يتطلب وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية. ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن مجرد تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية يتطلب دخول ما لا يقل عن 300 شاحنة يوميا إلى غزة وتوزيع الأغذية وخاصة في الشمال.
خسارة الموسم الذهبي
من جانبها، تقول منظمة أوكسفام للإغاثة والتنمية إنه "تم تدمير وخسارة الإنتاج الزراعي الموسمي في "الزمن الذهبي" في شمال غزة، وسط مخاوف متزايدة من تفاقم الجوع والمجاعة، حيث تم تدمير "الوقت الذهبي" للإنتاج الزراعي الذي استمر لمدة شهرين لمزارعي غزة بسبب القصف العسكري الإسرائيلي وإغلاق شمال غزة، مما أدى إلى تدمير أغنى الأراضي الزراعية في القطاع، والتي تعد واحدة من أكبر مصادر الفاكهة والخضروات".
ووفقاً لبيانات المنظمة فإن فقدان الإنتاج الزراعي المحلي أدى إلى تفاقم سوء التغذية والجوع، مما يؤدي إلى المجاعة والخوف من الأسوأ في المستقبل بالنسبة لنحو 300 ألف شخص ما زالوا يعيشون الآن في شمال قطاع غزة.
وتقدر المنظمة أن ما يقرب من ربع الحيازات الزراعية في شمال غزة دمرت بالكامل على يد القوات الإسرائيلية التي استهدفت الدفيئات الزراعية والمباني، و70% من الأراضي الزراعية وأساطيل الصيد في غزة في الأيام الأولى للقصف والتوغل.
وحسب أوكسفام، فإن قيمة القطاع الزراعي في القطاع سنويًا تزيد عن 575 مليون دولار، وبالتالي فإن فقدان المحاصيل اللازمة لكسب الرزق والدخل لا يؤدي فقط إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل، بل سيكون له آثار شديدة طويلة المدى.
تدهور القوة الشرائية
لفت أحدث تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) إلى أن أسعار السلع الأساسية في القطاع شهدت قفزات هائلة، كما انخفضت القوة الشرائية للمواطنين بتراكم مقداره 53% خلال خمسة أشهر من العدوان، فيما سجل شهر فبراير/ شباط 2024 انخفاضا مقداره 21% في القوة الشرائية مقارنة بالشهر السابق.
تقول منظمة أوكسفام للإغاثة والتنمية إنه "تم تدمير وخسارة الإنتاج الزراعي الموسمي في "الزمن الذهبي" في شمال غزة
وسجلت أسعار الأسماك الحية الطازجة أو المبردة أو المجمدة ارتفاعا بنسبة 183.76%، وأسعار بدائل السكر وسكريات أخرى بنسبة 149.12%، وأسعار الخضروات المجففة بنسبة 89.12%، وأسعار البيض بنسبة 86.05%، وأسعار الوقود الصلب بنسبة 57.89%، وأسعار الخبز بنسبة 50.99%.
وحسب التقرير، ارتفعت أسعار اللحوم الطازجة بنسبة 36.89%، وأسعار الخضروات الطازجة بنسبة 36.03%، وأسعار الذرة بنسبة 33.66%، وأسعار أغذية الأطفال بنسبة 33.33%.