رغم إصرار الاحتلال الإسرائيلي على إخفاء الخسائر المالية الفادحة التي يتكبَّدها يومياً جرّاء عدوانه على الشعب الفلسطيني، إلّا أنّ خسائره السابقة في عملية "الجرف الصامد" التي أطلقتها حكومة نتنياهو ضدّ قطاع غزة في العام 2014 والمُقدَّرة بنحو 498 مليون دولار متضمِّنة خسائر مباشرة بقيمة 55 مليون دولار وأخرى غير مباشرة بقيمة 443 مليون دولار وفقاً لمؤسسة راند (RAND Corporation) كفيلة برسم صورة تقريبية للفاتورة الباهظة التي سيدفعها الكيان الصهيوني نتيجة عربدته وعدوانه الهمجيّ ضدّ الفلسطينيين.
وتبقى تلك الفاتورة عرضة للزيادة ومفتوحة على مصراعيها مع مرور كل يوم يصرّ فيه بنيامين نتنياهو على تشبُّثه بالحكم من خلال محاولاته الحثيثة لإبادة الفلسطينيين وسلبهم حقوقهم المشروعة.
وليس غريباً على المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث الرائدة عالمياً أن تغيب حالياً عن رصد الخسائر المالية والبشرية والأمنية الإسرائيلية كما تفعل دوماً عند نشوب صراعات ونزاعات مماثلة في مناطق ودول أخرى، وما هذا إلّا نتيجة حتمية لانحيازها السافر وولائها الفاضح للكيان الصهيوني وداعميه.
تبدأ الخسائر المالية من التكاليف الباهظة لعمل "القبة الحديدية" الإسرائيلية والتي أثبتت عدم فعاليتها القصوى نتيجة عجزها عن صدّ وردع مئات الصواريخ الفلسطينية، حيث تمَّ تصنيع تلك القبة بتمويل أميركي بأكثر من 50 مليون دولار، وتُقدَّر تكلفة تصنيع صاروخ "تامير" اعتراضي واحد بحوالي 80 ألف دولار، بينما لا تتعدَّى تكلفة صنع الصاروخ الفلسطيني الواحد 1000 دولار وفقاً لبحث أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
يتألَّف نظام "القبة الحديدية" من 10 بطاريات منتشرة في النقاط الاستراتيجية للكيان الصهيوني، إذ تضمّ كلّ بطارية 3 أو 4 قاذفات تستطيع الواحدة منها إطلاق 20 صاروخاً اعتراضياً، وهذا ما يُمكِّن تلك القبة من إطلاق ما يصل إلى 800 صاروخ لاعتراض الصواريخ الفلسطينية الآتية من قطاع غزة.
وبناءً على هذه المعطيات تُكلِّف عملية اعتراض القبة لـِ 800 صاروخ تطلقه المقاومة الفلسطينية 64 مليون دولار، وجدير بالذكر أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية أطلقت ما يزيد عن 3100 صاروخ (حتى 17 مايو/ أيار) من قطاع غزة باتجاه فلسطين المحتلة منذ بداية التصعيد، وبحسب بيان للجيش الإسرائيلي، صدر في السابع عشر من مايو، اعترضت "القبة الحديدية" نحو 1210 منها، مما يعني أنّ فاتورة اعتراض الصواريخ الفلسطينية قد فاقت 96.8 مليون دولار.
وفي السياق ذاته أشارت جريدة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إلى إنّ حماس تمتلك أكثر من 14 ألف صاروخ، كما أفاد "جاستين برونك"، الزميل الباحث في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية، في تصريح له لصحيفة "فايننشال تايمز" لبريطانية، بأنّ حزب الله يمتلك ترسانة أقوى تضمّ أكثر من 100 ألف صاروخ.
ورغم ذلك ما زال الاحتلال الصهيوني مُصرّاً على الاستمرار في استكمال مسار التصعيد، لا سيَّما في ظلّ تأييد الرئيس الأميركي جو بايدن للحرب الدائرة والذي أعطى بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لتوسيع العدوان على غزة دفاعاً عن إسرائيل والإسرائيليين كما يزعم.
تلتهب الفاتورة، التي تقع على عاتق الكيان الإسرائيلي نتيجة جبروته على الفلسطينيين، أكثر فأكثر عندما تستهدف صواريخ المقاومة الفلسطينية المواقع الإسرائيلية الاستراتيجية، فعلى سبيل المثال تمَّ إغلاق حقل "تمار" الإسرائيلي للغاز يوم 12 مايو خوفاً من احتدام عمليات القصف التي تشنُّها فصائل المقاومة ضدّ الأهداف الإسرائيلية المهمة، وذلك وفقاً لبيان لشركة "شيفرون" الأميركية، إذ تُقدَّر احتياطات ذلك الحقل من الغاز بنحو 275 مليار متر مكعب.
كما أنتج الحقل حوالي 8.2 مليارات متر مكعب من الغاز سنة 2020، ذهب 7.7 مليارات متر مكعب منها إلى الاستهلاك الإسرائيلي وتمَّ تصدير ما مقداره 0.3 مليار متر مكعب إلى مصر و0.2 مليار متر مكعب إلى الأردن، بحسب إحصائيات شركة "Delek Drilling" الإسرائيلية.
وبحسب بيان لشركة "شيفرون" يحقِّق ذلك الحقل دخلاً سنوياً بقيمة 1.8 مليار دولار، وبالتالي يكبِّد تجميد عمل تلك المنصة الحيوية لإنتاج الغاز الطبيعي الكيان الصهيوني خسائر مالية بمتوسِّط يومي يبلغ حوالي 5 ملايين دولار.
لقد سدَّدت المقاومة الفلسطينية ضربات موجعة للاحتلال الإسرائيلي من خلال القصف الصاروخي المتواصل على مطار "بن غوريون" شرق تل أبيب، الأمر الذي دفع بشركات الطيران العالمية، مثل "دلتا إيرلاينز" و"يونايتد إيرلاينز" و"لوفتهانزا" و"النمساوية"، وكذلك "الاتحاد للطيران" و"فلاي دبي" الإماراتيتين، إلى تعليق رحلاتها إلى هذا المطار الذي أصبح تحت مرمى صواريخ "كتائب القسام" الفلسطينية، وكلّ ذلك يعكس انفلات الوضع الأمني وحجم الذعر وانعدام الثقة والأمان في الكيان الصهيوني الذي أطلق حملات تسويقية طموحة لاستقطاب عدد غير مسبوق من السائحين الأجانب، لا سيَّما الإماراتيين والبحرينيين.
وبطبيعة الحال، أخذت بورصة تل أبيب نصيبها من التدهور، فقد طاولت الخسائر مؤشّري TA-125 وTA-35 بنسبة 2.7% و2.6%، على الترتيب في 11 مايو. كما لم يسلم الشيكل الإسرائيلي من الوجع المالي والألم الاقتصادي، إذ تراجع سعر صرف تلك العملة الإسرائيلية إلى 3.28 مقابل الدولار الواحد نزولاً من 3.25 للدولار الواحد في بداية تعاملات صباح 11 مايو، مُسجِّلاً انخفاضاً في قيمته بمقدار 0.7%.
كما تراجع الشيكل أمام اليورو بنسبة 1% إلى حوالي 4 شيكل لليورو، وبنسبة 0.9% مقابل الجنيه الإسترليني، وإلى 4.64 شيكل للجنيه الإسترليني الواحد، وسُجِّل هذا الانخفاض في العملة الإسرائيلية مقابل العملات العالمية الرئيسية لأول مرّة منذ عامين، ومن المحتمل أن يؤدِّي التصعيد إلى إضعاف الشيكل أكثر فأكثر، لا سيَّما إن أبت الاستثمارات الأجنبية العودة بقوّة إلى إسرائيل غير المستقرّة أمنياً والخطرة اقتصادياً.
خلاصة القول هي أنّ الكيان الصهيوني، بزعامة رئيس وزرائه نتنياهو، خطَّط لهذا العدوان بشكل مطلق وضمن الصمت العربي المطبق، فقد راود ست دول عربية، ثمّ على الرضوخ أجبرها، ثمّ في سلسلة التطبيع أسلكها، وكانت النتيجة ما نراه اليوم من مشاهد الإرهاب الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني التي تدمى لها القلوب وتعتصر من أجلها الأفئدة.
وعلى الرغم من خسائره المالية الجمّة، ما زال الاحتلال الصهيوني يكابر، ظنّاً منه أنّه قادر على إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه والاستيلاء على أرضه، لكن مهما تغوَّل ذلك الاحتلال وتجبَّر، فتحرير فلسطين أمر محسوم، وزوال بني صهيون قضاء محتوم.