لم يكن من المستهجن أن يخرج وزير طاقة الاحتلال الإسرائيلي، الليكودي يوفال شطاينتس، عن طوره وهو يحتفي بتوقيعه على "الميثاق"، الذي ينظم عمل منظمة "غاز شرق المتوسط". فهذه المرة الأولى التي تصبح فيه إسرائيل عضوا في منظمة إقليمية إلى جانب دول عربية. وعقب شطاينتس على هذا التطور قائلا: "بركة الغاز جلبت لنا تعاونا إقليميا مع دول عربية وأوروبية، بشكل غير مسبوق".
وأُعلن، في العاصمة المصرية القاهرة، أول من أمس، عن اتفاقية لتحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية. ويأتي توقيع الاتفاقية في إطار تطورات جديدة، تتمثل، وفق محللين، في تعميق التطبيع بين مصر ودول خليجية، أبرزها الإمارات والبحرين، مع إسرائيل. والأطراف الستة الموقعة على تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية هي مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن.
وتمنح العضوية في المنظمة إسرائيل عوائد اقتصادية واستراتيجية هائلة، تتمثل أهمها في توفير ظروف مناسبة تحسّن من قدرتها على تصدير الغاز الذي تستخرجه من الحقول التي سيطرت عليها في حوض شرق المتوسط.
فقد أعاد شطاينتس إلى الأذهان حقيقة أن إسرائيل بالفعل وقّعت على عقدين بتصدير غاز بقيمة 30 مليار دولار لكل من مصر والأردن.
لكن "ذروة التاج" كما يوصف في تل أبيب، يتمثل في أن منظمة "غاز شرق المتوسط" توفر البيئة الإقليمية المناسبة لتنفيذ مشروع أنبوب "إيست ميد"، والذي يفترض أن ينقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، ويمر عبر المياه الاقتصادية القبرصية.
فعلى الرغم من أن إسرائيل وقّعت بالفعل مع اليونان وقبرص على اتفاق مبدئي بتدشين هذا الأنبوب، الذي يفترض أن يصل طوله إلى 2000 كلم، ويستغرق تدشينه 8 سنوات، إلا أنه بدون تعاون إقليمي أوسع، فإن فرص أن يخرج هذا المشروع إلى النور متدنية جدا، إن لم تكن صفرية.
وتراهن إسرائيل على إسهام المنظمة، التي تحظى بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في توفير مظلة إقليمية تسمح باحترام اتفاق ترسيم الحدود الذي توصلت إليه مصر واليونان، والذي يسمح بتوفير أحد أهم متطلبات تنفيذ مشروع "إيست ميد".
فهذا الاتفاق يلغي عملياً اتفاق ترسيم الحدود المائية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية؛ والذي يمنح المنطقة التي سيمر فيها أنبوب الغاز لتركيا، وبالتالي قد يتقلص الدور التركي في هذا الصدد، وفق مراقبين.
بالإضافة إلى أن تل أبيب ترى أن دول المنظمة، بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإمكانها أن تمس بقدرة تركيا على التنافس في استغلال احتياطات الغاز في المنطقة؛ مع العلم أن وجود المنظمة يقلص من فرص حدوث مواجهة مباشرة بين أنقرة وتل أبيب، لا تفضلها الأخيرة، التي تواجه تحديات أخرى كثيرة.
وحسب مراقبين، فإن تشكيل المنتدى سيوفر مظلة سياسية تعزز من مكانة إسرائيل في النزاع مع لبنان على ملكية منطقة "بلوك 9"، المائية، وهي المنطقة التي تفيد التقديرات بأنها تضم احتياطات غاز كبيرة؛ لا سيما في ظل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على بيروت، للموافقة على الشروع في مفاوضات مع الاحتلال بشأن مصير هذه المنطقة.
إلى جانب ذلك، فإن المنظمة الإقليمية الجديدة تساعد، على الأقل من ناحية نظرية، في فتح أسواق جديدة للغاز الذي تنهبه إسرائيل من الأراضي المحتلة، حيث إن الصحف الاقتصادية الإسرائيلية أشارت إلى بعض الأفكار التي يتم تداولها في تل أبيب، وتتمثل في تسويق الغاز إلى جنوب شرق آسيا عبر الموانئ المصرية، بعد أن تتم إسالته في مرافق إسالة الغاز.
أما حماس واشنطن لتدشين "منتدى غاز المتوسط" فيعود إلى حقيقة أن هذا المشروع يعد أحد صور تطبيق فكرة "السلام الاقتصادي"، التي تقوم عليها الخطة الأميركية لتسوية الصراع، المعروفة بـ "صفقة القرن"؛ علاوة على أن تشكيل هذا المنتدى يمثل مركبا مهما في مشروع التطبيع، الذي تبدي إدارة ترامب حماسا لمواصلته وتطويره.
إلى جانب أن هذه المنصة الإقليمية تقلص من تأثير اعتراض الأطراف العربية على كل مسار التطبيع، حيث إن موقف السلطة الفلسطينية والأردن الرافض لم يحل دون الموافقة على عضوية المنتدى.
في الوقت ذاته، فإن لواشنطن مصلحة في دفع مشروع "إيست ميد"، الذي تمثل "المنظمة" حاضنة له، على اعتبار أنه يمكن أن يمثل ضربة قوية لروسيا؛ حيث إن وصول الغاز من الاحتلال إلى أوروبا سيقلص من اعتماد القارة العجوز على الغاز الروسي، مما يمثل رافعة ضغط أخرى على موسكو.
وعلى كل الأحوال، لا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي كأحد محفزات الموقف الأميركي، على اعتبار أن الشركات الأميركية تضطلع بدور كبير في تنفيذ مشاريع التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط؛ حيث إن شركة "نوبل إنيرجي" تستحوذ على حوالي 50% من عقود التنقيب عن الغاز في فلسطين المحتلة والذي ينهبه الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما يمثل مصدر دخل مهم، لا سيما في ظل تداعيات أزمة كورونا.