شهدت إيجارات الشقق السكنية في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة قفزات غير مسبوقة، ما زاد من الأعباء المالية التي يواجهها الكثيرون، بينما يرجع خبراء عقاريون هذه الزيادات إلى ارتفاع الطلب على التأجير في ظل عدم القدرة على التملك، كما أن ملاك الكثير من العقارات لجأوا إلى رفع قيمة الإيجارات لمواجهة الغلاء الذي طاول مختلف نواحي الحياة.
ويبدأ إيجار شقة مكونة من غرفة واحدة غير مؤثثة في العاصمة الجزائر 25 ألف دينار (172 دولارا) شهرياً، وفق وسطاء عقاريين، فيما يبلغ نحو 30 ألف دينار للشقة المكونة من غرفتين، أما الشقق التي تتكون من ثلاث أو أربع غرف فيراوح إيجارها بين 50 ألفًا و60 ألف دينار، في حين يصل إيجار "الفيلا" إلى 100 ألف دينار شهرياً.
الاقتراض للوفاء بالإيجارات
ولا تقتصر المعاناة على قيمة الإيجارات الآخذة في التصاعد ، وإنما الأعراف المتبعة في عمليات التأجير، حيث يُلزم المالك المستأجر بدفع قيمة الإيجار لمدة عام مسبقا دفعة واحدة، وهو الأمر الذي يعجز عنه الكثيرون ويدفعهم للاقتراض للوفاء بالأمر.
يتحدث محمد بلخيري الذي يعمل محاسباً في شركة خاصة، لـ "العربي الجديد" عن معاناته السنوية في جمع مستحقات الإيجار، مشيرا إلى ان راتبه الشهري لا يتعدى 40 ألف دينار، بينما إيجار شقته يستحوذ على 90% من راتبه، إذ يبلغ 35 ألف دينار شهرياً.
يقول بلخيري: "لحسن حظي أن زوجتي تشتغل، وإلا لكنت سأواجه صعوبة كبيرة في الوفاء بالتزاماتي العائلية، خاصة وأن ابني يستعد لدخول روضة الأطفال ما يعني مصاريف إضافية ستثقل كاهلي".
بدوره، يرجع عبد الكريم بورجي الناطق باسم نقابة الوكالات العقارية، ارتفاع قيمة الإيجارات إلى زيادة الطلب وقلة المعروض، موضحا في حديث مع "العربي الجديد" أن الطلب السنوي على السكن يقدر بنحو 400 ألف طلب، بينما حجم معروض السكن الاجتماعي الذي تطرحه الدولة سنوياً يقدر بنحو 100 ألف مسكن، أي أن العجز يبلغ 300 ألف وحدة سنويا.
ويضيف بورجي أن الإيجارات بدأت تشهد زيادات تصاعدية منذ عام 2011، إلا أنها سجلت في الفترة الأخيرة ارتفاعا لافتا، حيث ارتفعت في المتوسط من 58 ألف دينار (400 دولار) إلى 64 ألف دينار في الربع الأول من العام الجاري فقط.
من جانبه يرجع الخبير العقاري يحيى حنوس في تصريح لـ"العربي الجديد"، الارتفاع الكبير في قيمة الإيجارات إلى "الارتفاع الحاد في أسعار العقارات، وتهاوي قيمة الدينار الذي أثر على معيشة الجزائريين وقدرتهم الشرائية، ما دفع بمُّلاك العقارات إلى رفع إيجارات عقاراتهم لمواجهة غلاء المعيشة أيضا، حتى لو كان ذلك على حساب المستأجرين".
كارثة اقتصادية واجتماعية
ويقول حنوس: "يبقى أن السبب الأهم في كل ما يحدث في السوق العقارية، هو تنامي أزمة السكن، وتأخر الدولة في حلها"، مضيفا "إن لم تبادر الدولة سريعاً لوضع حلول لهذه المشكلة فسنكون أمام كارثة اقتصادية واجتماعية، فمن غير المعقول أن يستقطع المواطن ما يصل إلى 90% من راتبه لاستئجار شقة، هذا سيدخلنا في أزمة كبيرة".
كان ائتلاف النقابات المستقلة في الجزائر، الذي يضم أكثر من 20 نقابة تنشط في قطاعات حيوية، قد حذر في مايو/ أيار الماضي، من إجراءات تصعيدية من أجل الضغط على الحكومة لزيادة الأجور وتحسين الظروف المعيشية بسبب غلاء الأسعار، مشيرا في بيان له إلى منح الحكومة مهلة حتى سبتمبر/أيلول المقبل، للاستجابة لمطالبه.