الإمبريالية الترامبية تقود أميركا للسيطرة على غرينلاند وبنما وكندا... أطماع في الثروات والممرات

09 يناير 2025
ترامب خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بولاية فلوريدا، 7 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن أجندة سياسته الخارجية التي تركز على الإكراه الاقتصادي والقوة العسكرية، مع خطط لضم كندا وغرينلاند والسيطرة على قناة بنما، مما يثير قلق الحلفاء ويدفعهم للبحث عن ترتيبات جديدة.

- تصريحات ترامب حول استخدام القوة للسيطرة على غرينلاند وكندا وبنما أثارت ردود فعل قوية من قادة هذه الدول، مما يعكس سياسة "أميركا أولاً" التي قد تؤدي إلى تصاعد التوترات حتى مع الحلفاء التقليديين.

- اهتمام ترامب بغرينلاند يعود إلى ثرواتها الطبيعية، مثل المعادن النادرة واليورانيوم، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية متزايدة في الصراع التكنولوجي مع الصين وروسيا.

تعكس دعوات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لضم كندا وجزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك والسيطرة على قناة بنما، افتتانه بنسخة القرن الحادي والعشرين من فكرة قديمة، مفادها أن القوى العظمى لا بد أن تنحت مناطق نفوذ وتدافع عن مصالحها الاقتصادية والأمنية من خلال فرض إرادتها على جيران أصغر حجماً.

وفي مؤتمر صحافي عقده، الثلاثاء الماضي، حدد ترامب أجندة السياسة الخارجية لولاية ثانية تبدأ في العشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، لا تقوم على التحالفات العالمية والتجارة الحرة، بل على الإكراه الاقتصادي والقوة العسكرية أحادية الجانب، حتى ضد الحلفاء.

وفي ما يتصل بقناة بنما وغرينلاند، اقترح ترامب أنه قد يستخدم القوة للسيطرة عليهما. وفيما يتصل بكندا، اقترح أنه سوف يضرب جارة الولايات المتحدة الشمالية برسوم جمركية متطرفة، الأمر الذي لا يترك لها أي خيار سوى الخضوع للضم لتصبح الولاية رقم 51 للولايات المتحدة. وقال ترامب إن "كندا والولايات المتحدة، سيكون ذلك شيئاً عظيماً حقا.. إذا تخلصت من هذا الخط المرسوم بشكل مصطنع، ونظرت إلى شكله، فسوف يكون ذلك أفضل كثيراً للأمن القومي".

إن السيطرة على غرينلاند وكندا وقناة بنما من خلال القوة العسكرية أو الاقتصادية ستكون بمثابة انحراف دراماتيكي عن عقود من السياسة الخارجية الأميركية التي سعى إليها رؤساء من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، وإذا قام ترامب ولو بجزء مما وصفه، فقد يعني ذلك تغييرات بعيدة المدى في الدور العالمي لأميركا، وتشجيع الخصوم وإجبار الحلفاء الذين لم يعودوا على يقين من دعم واشنطن على السعي إلى ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة.

بالنسبة لترامب، فإن حجته لإعادة توجيه السياسة الخارجية على نطاق واسع تستند إلى مزيج من القناعات منها أن الحلفاء المقربين يعاملون الولايات المتحدة بشكل غير عادل، وأن أميركا تخلت عن القناة لبنما دون مقابل قبل ربع قرن، وأن الصين تتحرك نحو ما ينبغي أن يكون نصف الكرة الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ما يستعدي واشنطن للتحرك والسيطرة على غرينلاند.

وعندما سأله أحد المراسلين عما إذا كان سيلتزم بعدم استخدام القوة العسكرية أو الضغط الاقتصادي في سعيه للحصول على الأراضي، أجاب ترامب: "لا، لا أستطيع أن أؤكد لك أياً من هذين الأمرين. ولكن يمكنني أن أقول هذا، نحن بحاجة إليهما من أجل الأمن الاقتصادي".

هوس الاستحواذ على غرينلاند

وخلال المؤتمر الصحافي نفسه، طرح ترامب أفكاراً أخرى أيضاً، مثل إعادة تسمية خليج المكسيك باسم "خليج أميركا" والمطالبة بأن ينفق أعضاء حلف شمال الأطلسي 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو المستوى الذي لا تصل إليه حتى الولايات المتحدة، لكن تعليقاته حول غرينلاند وكندا وبنما كانت الأكثر استفزازاً ولفتت الانتباه أكثر من غيرها.

قال بعض مستشاري ترامب الحاليين والسابقين إن هذه التعليقات لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. يرى بعض المستشارين أن تعهد ترامب بضم كندا هو مجرد كلام فارغ يهدف إلى اكتساب النفوذ قبل مفاوضات التجارة مع أوتاوا. ويضيفون أن تهديده باستعادة القناة هو حيلة لتأمين أسعار أقل للسفن الأميركية التي تبحر عبر بنما، وأن هوسه بالاستحواذ على غرينلاند يتعلق بالحصول على المعادن النادرة وحرمان الصين منها.

ويبدو أن التهديدات بالاعتداء على سيادة الدول الأخرى تتعارض مع وعود حملة ترامب بإنهاء الحروب، وليس إشعالها. لكن سياسته الخارجية القائمة على "أميركا أولاً" تثبت أن سياسته ستشعل الكثير من الصراعات حتى مع الحلفاء، إذ لا تفرق الرسوم الجمركية الكبيرة التي تعهد بها بين الأصدقاء والخصوم، ما يدفع أوروبا وكندا والعديد من الدول الحليفة للتأهب للرد بإجراءات مماثلة.

وبعد المؤتمر الصحافي لترامب الذي استمر 70 دقيقة يوم الثلاثاء، غرد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قائلا: "ليس هناك أي احتمال في الجحيم بأن تصبح كندا جزءاً من الولايات المتحدة.. يستفيد العمال والمجتمعات في بلدينا من كونهما أكبر شريك تجاري وأمني لبعضهما البعض". كما قال رئيس وزراء غرينلاند موتي إيجيدي، إن الجزيرة التابعة للدنمارك ليست للبيع. وأكد وزير خارجية بنما خافيير مارتينيز آشا، أن سيادة بلاده "ليست قابلة للتفاوض"، قائلا إن "الرئيس خوسيه راوول مولينو سبق وأن أعلن أن السيادة على قناتنا ليست قابلة للتفاوض وهي جزء من تاريخنا النضالي"، مشدداً على أن القناة "أعيدت (قبل 25 عاماً) إلى غير رجعة".

وكان مولينو قد استبعد أيضا إجراء محادثات مع ترامب بشأن إدارة قناة بنما، نافيا أي تدخل للصين في تشغيلها. كما رفض مولينو إمكانية خفض الرسوم على السفن الأميركية ردا على تهديد ترامب بالمطالبة باستعادة واشنطن السيطرة على الممر المائي الحيوي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ.

نفط وغاز ومعادن نادرة

ويبدو أن تصريحات ترامب هذه المرة ليست للضغط من أجل انتزاع مكاسب أكبر من الحلفاء، وإنما هي توجه حقيقي لنهمه الشديد بالسيطرة على الثروة ومواجهة الصين الصاعدة بقوة. فقد سبق أن لمح في 2019 إلى رغبته في شراء الولايات المتحدة جزيرة غرينلاند خلال ولايته الرئاسية الأولى، وهو ما رفضته الدنمارك حينها بسرعة.

وبجانب أهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة تحظى الجزيرة بموارد طبيعية وفيرة، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة، التي أصبحت في صدارة الصراع التكنولوجي بين أميركا والصين، وكذلك مع روسيا لاحتواء غرينلاند على اليورانيوم المادة الحيوية للمفاعلات النووية. وتهيمن الصين حالياً على سوق المعادن النادرة العالمية، حيث تمثل حوالي 70% من إجمالي العرض. واتخذت الصين فعلياً خطوات لتقييد صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة رداً على الحرب التجارية التي تشنها واشنطن ضدها.

ووفقاً لتقرير لموقع "ماركت ووتش" الاقتصادي الأميركي فإن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى انقطاع الإمدادات وزيادة التكاليف للقطاعات الأميركية التي تعتمد على هذه المواد الأساسية، لاسيما في مجال التكنولوجيا الفائقة. وأشار التقرير إلى أن إدارة ترامب تخطط لتقليل الاعتماد على الواردات الصينية من المعادن النادرة من خلال تعزيز قدرات الإنتاج المحلية.

تأمين اليورانيوم بعيداً عن روسيا

كذلك أثارت القيود التي فرضتها روسيا مؤخراً على صادرات اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة مخاوف بشأن المخاطر المحتملة على الإمدادات لمحطات الطاقة النووية الأميركية. وعلى الرغم من امتلاك الولايات المتحدة لموارد محلية من اليورانيوم، فقد انخفض إنتاجها من هذه المادة بشكل كبير منذ ذروته في عام 1980، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على المصادر الأجنبية. وتشكل الطاقة النووية 19% من توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.

وبلغ إنتاج اليورانيوم في الولايات المتحدة ذروته في عام 1980، في حين بلغت مشتريات اليورانيوم من قبل مشغلي محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة من الموردين المحليين ذروتها في عام 1981. ومنذ عام 1992، تم استيراد غالبية اليورانيوم الذي يشتريه مشغلو محطات الطاقة النووية في أميركا. وتعتمد الولايات المتحدة حاليا على مصادر أجنبية للحصول على 71.7% من اليورانيوم المخصب. وتقدم روسيا 27.2% من خدمات التخصيب، مما يجعلها أكبر مورد أجنبي منفرد لمفاعلات الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة. وبعد روسيا، يأتي 12% من اليورانيوم المخصب من فرنسا، و8% من هولندا، و7% من المملكة المتحدة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فرضت روسيا قيوداً مؤقتة على صادرات اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف بشأن المخاطر المحتملة على إمدادات المرافق التي تدير المفاعلات النووية الأميركية. بالإضافة إلى الولايات المتحدة، تعد روسيا أحد المصدرين الرئيسيين لليورانيوم المخصب إلى دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وفرنسا.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

كما تشمل موارد الطاقة في غرينلاند خام الحديد والرصاص والزنك والماس والذهب والنحاس والنفط. ويتنافس عدد من كبريات شركات النفط العالمية على الاستثمار بعد اكتشاف غاز فيها مؤخراً. وتقدر شركة "وود ماكنزي" للاستشارات أنه قد يكون هناك 20 مليار برميل من النفط والغاز في غرينلاند بمثابة جزء من احتياطيات منطقة القطب الشمالي، التي ترى وكالة الدراسات الجيولوجية الأميركية أنها قد تشكل ربع النفط والغاز غير المكتشفين في العالم.

وقد أثار الاحتباس الحراري المخاوف من ذوبان سريع للثلوج في القطب الشمالي مما يسهل الوصول إلى الموارد المعدنية للجزيرة، فضلا عن اختصار مسارات الممرات الملاحية أمام التجارة الدولية. وتنظر الولايات المتحدة منذ زمن بعيد لغرينلاند باعتبارها مهمة استراتيجياً. ولم يكن ترامب أول من فكر في شراء هذه الجزيرة فالفكرة تعود إلى ستينيات القرن التاسع عشر عندما كان أندرو جونسون رئيسا للولايات المتحدة. وفي هذا الإطار يتحدث تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يرجع تاريخه إلى عام 1867 عن الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند مع الإشارة إلى مواردها الواعدة، وأن فكرة الاستحواذ عليها مثالية.

ولكن لم يحدث تحرك رسمي حتى عام 1946 عندما عرض هاري ترومان على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الجزيرة. وكان قد عرض في وقت سابق مقايضة أراض في ألاسكا مع مناطق استراتيجية في غرينلاند. وتاريخيا أقدمت الولايات المتحدة عدة مرات على شراء أراض من دول أخرى، ففي عام 1803 اشترت لويزيانا ومساحتها نحو مليوني كيلومتر مربع من فرنسا مقابل 15 مليون دولار. وفي عام 1867 اشترت ألاسكا من روسيا مقابل 7.2 ملايين دولار، وفي عام 1917 اشترت جزر الأنديز الغربية الدنماركية من الدنمارك وأطلقت عليها جزر فيرجين "العذراء" الأميركية.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أنه لا يولي أي اعتبار للنظام العالمي، إذ تحمل تهديداته من أجل تحقيق أطماع السيطرة تساؤلات حول إمكانية أن يتكرر تاريخ الاستعمار في العصر الحديث تحت شعار "أميركا أولًا"؟

المساهمون