استمع إلى الملخص
- تواجه مولدوفا تحديات في تأمين الطاقة بسبب توقف الغاز الروسي، وتعتمد على استيراد الطاقة من رومانيا، لكن ارتفاع التعريفات يشكل عبئاً على السكان وقد يُستغل سياسياً.
- تُتهم روسيا بافتعال أزمة الغاز للضغط السياسي على مولدوفا وترانسنيستريا، مما يزيد التوترات السياسية والاقتصادية قبيل الانتخابات التشريعية.
بعد توقف ضخ الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية اعتباراً من بداية العام الجاري، يعيش إقليم ترانسنيستريا الموالي لروسيا جنوب جمهورية مولدوفا السوفييتية السابقة، أوقاتا عصيبة وسط قطع التدفئة عن المباني السكنية والجهات الحكومية باستثناء المؤسسات الطبية والاجتماعية وتوقف أغلبية المصانع عن العمل، مع تزايد المخاوف من انهيار كامل لمنظومة الطاقة المحلية وغرق الإقليم في الظلام بعد استنفاد مخزون الفحم في محطة كوتشورغان للطاقة الواقعة في مدينة دنيستروفسك.
وأجبر نقص الطاقة السلطات المحلية على قطع الكهرباء عن الأحياء بالتناوب لمدة ساعة واحدة مساء مع إطفاء أعمدة الإنارة في الساعات المسائية والليلية بالشوارع والأفنية والطرق باستثناء المقاطع الخطرة منها التي تستمر إضاءتها حتى منتصف الليل.
ويحذر النائب في المجلس الأعلى لإقليم ترانسنيستريا، أنطون أونوفريينكو، من نشوب كارثة إنسانية في الإقليم وإصابة الحياة فيه بالشلل ما لم يتم إيجاد حل عاجل لمشكلة انقطاع إمدادات الغاز خلال أسابيع عدة، قائلا في إفادة لـ"العربي الجديد": "الوضع صعب للغاية، وقد تم قطع التدفئة المركزية عن المنازل، ويتدفأ الناس بواسطة تكييفات أو مختلف الوسائل البدائية، بينما تدعو السلطات إلى ترشيد استهلاك الكهرباء لمنع تزايد حالات انقطاعه.. لا يزال الغاز متوفراً في المطابخ، ولكنه مهدد أيضا بالتوقف بعد مرور بضعة أسابيع، مما زاد إقبال الناس على شراء المواقد الكهربائية".
ويوضح أن توقف ترانزيت الغاز يمثل تحدياً كبيراً أمام مولدوفا بشكل عام وترانسنيستريا على وجه الخصوص، مضيفا أن "الإقليم لم يكن فعلياً يسدد قيمة الغاز لروسيا، بل كان يستخدم عوائد بيعه بالسوق الداخلية لسد عجز الموازنة وتغطية النفقات الاجتماعية.. علاوة على ذلك، لم يكن تشغيل محطة الطاقة في دنيستروفسك يتيح تلبية حاجيات الإقليم من الكهرباء فحسب، وإنما بيعه لكيشيناو (عاصمة مولدوفا) أيضا، مما كان يدر عوائد حيوية على الخزينة".
ويرسم أونوفريينكو صورة قاتمة للوضع في ترانسنيستريا بعد توقف إمدادات الغاز، قائلا: "حاليا، يتم تشغيل وحدتي توليد طاقة فقط في المحطة بواسطة الفحم الذي ستكفي احتياطه لمدة 52 يوماً، لتلبية الاحتياجات الاجتماعية حصراً مع توقف التصدير والصناعات.. ستصاب الحياة بالشلل في حال توقفت محطة الكهرباء تماما.. يمكننا الحصول على الغاز أوروبي المنشأ عبر مولدوفا، ولكن أيضا بأسعار أوروبية ستشكل عبئاً لا يستطيع قطاع كبير من السكان تحمله لاسيما المسنون منهم، حيث لا تتخطى رواتب التقاعد ما يعادل 100 دولار".
تجدر الإشارة إلى أن ترانسنيستريا أعلنت في عام 1990، عن استقلالها من طرف واحد عن جمهورية مولدوفا السوفييتية حينها، ما أسفر عن وقوع نزاع مسلح في عام 1992 تحول إلى نزاع متجمد بعد تحرك موسكو والتوقيع على اتفاق "مبادئ تسوية النزاع المسلح في منطقة ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا" وإرسال جنود حفظ سلام روس إلى منطقة القتال، ناهيك عن الدعم الاقتصادي الهام الذي لا تزال موسكو تقدمه للإقليم حتى اليوم.
وعلى الرغم من توفر مصادر بديلة للغاز الروسي في مناطق مولدوفا الخاضعة لسيطرة العاصمة كيشيناو، إلا أن سكانها يواجهون ارتفاعا حادا لتعريفات الكهرباء بعد إعلان موردي الكهرباء عن مضاعفتها على إثر التحول إلى إمدادات الطاقة الكهربائية من رومانيا المجاورة.
ويؤكد رئيس تحرير موقع أفا الإخباري المولدوفي، أندريه أندرييفسكي، أن كيشيناو لم تشهد أي اضطرابات في إمدادات الكهرباء حتى الآن، متوقعا في الوقت نفسه أن تُستثمر ورقة ارتفاع التعريفات للدعاية السياسية لنسف مواقع السلطة الحالية بقيادة الرئيسة مايا ساندو ذات التوجهات الموالية للغرب.
ويقول أندرييفسكي في حديث لـ"العربي الجديد": "تغطي إمدادات الغاز الأراضي الخاضعة لسيطرة كيشيناو بنسبة 100% بلا اضطرابات، حيث تم شراء الكميات الكافية حتى نهاية موسم التدفئة، إلا أنه جرى قطع الغاز بشكل شبه كامل في الأراضي الخارجة عن السيطرة في ما يسمى ترانسنيستريا، إذ لم يعد المخزون بالأنابيب كافياً سوى لنحو 20 يوماً في المناطق الجنوبية من الإقليم وعشرة أيام فقط في المناطق الشمالية، وقد بدأ قطع التدفئة عن المنازل مع استمرار تدفق الغاز إلى المطابخ لإعداد الطعام".
ويقر أندرييفسكي بأن توقف الترانزيت الأوكراني يهدد إمدادات الكهرباء إلى عموم مناطق البلاد، مضيفا: "لا تولد محطة كوتشورغان للكهرباء الواقعة في ترانسنيستريا الطاقة للإقليم فحسب، وإنما أيضا لباقي أنحاء مولدوفا بنسبة تصل إلى 40% مع توفر بعض المصادر البديلة مثل استيراد الطاقة الكهربائية من رومانيا وأوكرانيا.. حاليا، توفر هذه المحطة الكهرباء للسوق المحلية حصرا مع تحولها للعمل بالفحم الذي ستكفي احتياطاته لمدة نحو 50 يوما.. هنا في كيشيناو، لا نواجه أي اضطرابات في الكهرباء، ولكنها قد تحدث في أوقات ذروة الاستهلاك، ناهيك عن ترقب ارتفاع التعريفات".
ويضع أندرييفسكي على عاتق روسيا المسؤولية عن تعطل إمدادات الغاز إلى مولدوفا وترانسنيستريا، قائلا: "أعتقد أن روسيا تتعمد افتعال هذه الأزمة بدلاً من مواصلة الإمدادات بعيداً عن أوكرانيا عبر خط السيل التركي مروراً ببلغاريا ورومانيا، ولكن موسكو تزعم أن مولدوفا قد تراكمت عليها ديون يجب سدادها، رغم أن هذه الديون لا تزال محل جدل ولم تؤكد أي مراجعة مستقلة صحتها".
ويخلص إلى أن "روسيا قد تستثمر ورقة ارتفاع التعريفات في مولدوفا لإثارة أمزجة احتجاجية والضغط على السلطة عشية إجراء الانتخابات التشريعية بعد قرابة نصف عام، وقد بدأ السياسيون ووسائل الإعلام الموالية لروسيا حملة لتحميل السلطة المسؤولية عن الوضع الراهن رغم أن أوكرانيا هي التي قطعت الترانزيت، بينما امتنعت روسيا هي عن توظيف مسارات بديلة".
وكان عملاق الغاز الروسي غازبروم قد أنذر شركة مولدوفا غاز في نهاية العام الماضي، بوقف الإمدادات إلى الجمهورية على خلفية رفضها تسوية الديون، قبل أن يأتي انتهاء عقد ترانزيت الغاز عبر الأراضي الأوكرانية وتوقف ضخ الغاز اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني الجاري، ليزيد من ضبابية آفاق استئناف توريد الغاز الروسي.