أسواق اليمن (محمد حمود/Getty)
12 أكتوبر 2020
+ الخط -

لا تتوقف معاناة الصناعات الحرفية والمهن في اليمن عند تأثيرات الحرب وتبعاتها الكارثية عليها، مع انعدام أبسط مواد الإنتاج والمعدات التي تحتاج إليها، بل تواجه أيضا مضاعفات كارثية بسبب إغراق الأسواق المحلية بالسلع المقلدة والمستوردة من الخارج التي استنزفت اقتصاد البلاد.
وتؤكد جمعيات ومنظمات متخصصة بالصناعات الحرفية والمهنية في اليمن افتقاد مجتمع الحرفين والمهنيين في اليمن للاهتمام بمنتجاتهم، وعدم توافر المواد الخام التي تستند إليها أعمالهم، الأمر الذي تسبب في توقف نسبة كبيرة منها بشكل تدريجي منذ بداية الحرب في عام 2015.
ويقول عضو الاتحاد اليمني للصناعات الحرفية، عدنان العامري، إن هناك ركودا شديدا تعاني منه المنتجات المحلية، ما تسبب في اندثار وتدهور كثير منها نتيجة الصراع الذي كانت تخوضه مع المنتجات المماثلة المستوردة والتي يتم جلب معظمها من الصين.
ويشير العامري في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى فقدان اليمن ما يقارب 65% من الأعمال الحرفية، وتسريح أيد عاملة تقدر بعشرات الاَلاف أصبحت في عداد البطالة، وأعداد أخرى قد تنضم تباعاً إليها لعدم قدرتها على مواصلة الصمود في ظل ظروف صعبة وحرجة.
ويمثل اندثار مثل هذه الأعمال كارثة حقيقية على اليمن الذي يعاني من أزمات فقر وبطالة متوارثة، رغم ما كانت تتمتع به من قابلية كبيرة في حال حمايتها من الإغراق والاندثار، بحسب ما توضحه أرقام وبيانات استيراد هذه المنتجات المقلدة من الخارج والتي تصل إلى أكثر من 5 مليارات ريال سنوياً (الدولار = نحو 780 ريالا في السوق السوداء).

ويشكو عمال وملاك ورش نجارة من وصول الإغراق الطاغي في السوق اليمنية إلى معظم المنتجات التي كانت تنتجها هذه الورش مثل الأبواب والشبابيك والمكاتب ومختلف المنتجات الخشبية وصناعات الألومنيوم، إلى جانب المشاكل المتعلقة بممارسة مهنتهم وطريقة حصولهم على المواد الإنتاجية والتحدي الأهم المتمثل بمعايير المكاييل الخشبية التي تستخدم بشكل كبير في أعمالهم. 
كما تسببت الحرب في توقف أول مصنع للزجاج في اليمن بعد أن كانت عملية إنشائه قد شارفت على الانتهاء بنسبة كبيرة، حيث لم يكن يتبقى سوى 20% من أعمال هذا المشروع الذي كان في حال استكماله سيغطي احتياجات اليمن من الزجاج المستورد من الخارج بنحو 4 مليارات ريال.
وفي المقابل، يبدي عضو الجمعية اليمنية لحماية المنتج اليمني، وديع السماوي، استغرابه من بعض التجار الذين يعمدون إلى استيراد أصناف واسعة من المنتجات والسلع، كثير منها فائض عن احتياجات المستهلكين، وبإمكان الأسواق المحلية الاستغناء عنها والاعتماد على ما تنتجه بعض القطاعات الحرفية واليدوية المحلية.
ويؤكد السماوي لـ"العربي الجديد"، أن الإغراق لا يدمر الصناعات المحلية الصغيرة والمهن والأعمال الحرفية والتأثير على تضييق فرص الأعمال وتوسع رصيف البطالة فقط، بل إن ذلك أثر بشكل كبير خلال السنوات الماضية على الاقتصاد الوطني واستهلاك العملة الصعبة من الدولار واستنزاف الاحتياطي النقدي.
مالك مشغل للأعمال اليدوية والحرفية، أصيل عبد القوي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه يواجه صعوبة بالغة في تسويق وبيع ما ينتجه مشغله من أعمال التنجيد والحصير، ما دفعه إلى تقليص نشاطه وتسريح ثلثي الأيادي العاملة التي كانت تعمل لديه في المشغل.

ويضيف أن هناك إهمالاً حكومياً واستهتاراً بمثل هذه المهن والأعمال والصناعات الصغيرة وبدلا من تشجيعها ومساعدتها خصوصاً في هذه الأوضاع الصعبة التي خلفتها الحرب من خلال العمل على توفير ما تحتاجه من مواد خام ومساعدتها في تسويق منتجاتها، يتم التضييق عليها وفتح المجال بشكل واسع لجلب سلع ومواد كانت ترتبط بشكل كلي بمهن ومشغولات وقطاعات.
هذه القطاعات وفق خبراء وعاملين وحرفيين، مثلت في فترات سابقة متنفسا مهما لآلاف العمال محدودي المهارات، إضافة إلى أن جزءا منهم من خريجي معاهد ومراكز التعليم الفني والمهني الحكومي. 
وتسببت الحرب التي دخلت عامها السادس مصحوبةً بتبعات كارثية لفيروس كورونا، في تسريح عمال يتجاوز عددهم وفق تقديرات اتحاد عمال اليمن ووزارة الشئون الاجتماعية والعمل الحكومية 5 ملايين عامل.
ولا تتوقف تبعات الحرب عند هذا الحد، بل إن شظايا انعكاساتها تنمي مشكلة خطيرة غير مرئية تتمثل في العاملين بالقطاع غير الرسمي (عمال الأجر اليومي) ممن يزداد عددهم كل يوم كفئة ضخمة ضعيفة معرضة للصدمات الخارجية ومصيرها أصبح مجهولا.
الخبير في سوق العمل، أيمن القادري، يرى أن تدهور وتوقف أعمال وصناعات حرفية تستوعب أعداداً كبيرة من الأيدي العاملة والمهنيين والحرفيين، يجعل اليمن بلداً بدون قوة عمل حقيقية مع انهيار الاقتصاد وتوقف الأنشطة، إذ بات سوق العمل وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، مكتظا بالبطالة، خصوصا في المناطق التي تشهد فرض جبايات وإتاوات على الأعمال التجارية والمهنية والحرفية، ونهج سياسات تطفيش الاستثمارات الصغيرة، ما أدى إلى تدهور وتوقف كثير من الصناعات الحرفية والأعمال المهنية والتجارية وتضخم البطالة في اليمن.

المساهمون