- تدمير البنية التحتية الزراعية وعرقلة صادرات الحبوب الأوكرانية يهدد الأمن الغذائي العالمي، مع ارتفاع أسعار الحبوب وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.
- الأزمة تتجاوز حدود أوكرانيا لتؤثر على الدول المستوردة للغذاء، خاصة العربية، مما يفاقم من انعدام الأمن الغذائي ويزيد من التضخم في أسعار المواد الغذائية، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تجاوز هذه الأزمة.
"لقد دمروا كل شيء، المزرعة التي كانت كل حياتي. الآن انتهى كل شيء".
بهذه الكلمات القاسية تحدث المزارع الأوكراني يوري جومانينكو، البالغ من العمر 48 عامًا، والذي تلقى النبأ الصدمة وهو واقف وسط حقوله، حسب رواية صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وبحسرة شديدة يواصل قائلا: "الروس دمروا مخازن المحاصيل ومستودعات القمح (التي كان يأمل في بيعها) وأحرقوها كاملة، كما دمروا ثلاثة من جراراتي الزراعية الأربعة.. لم يبق لنا شيء".
السيناريو نفسه حدث للمزارع غريغوري تكاتشينكو المقيم في قرية لوكاشيفكا، الواقعة شمال أوكرانيا، حيث قال: "تحولت مزرعتي إلى أنقاض. ضاع إنتاج الذرة والقمح وعباد الشمس والبطاطا. لم يبقَ شيء تقريبًا. العشرات من الأبقار والماشية نفقت بسبب الحرب. ما بنيناه على مدى عقود، دمره الروس في أيام قليلة".
تحرق القوات الروسية مزارع القمح والشعير، وتدمر القذائف والصواريخ آلات وصوامع المزارعين، وتقتل وتجرح العمال والمواشي معاً
يتكرر المشهد في معظم القرى والمدن الأوكرانية الأخرى، حيث تحرق القوات الروسية مزارع القمح والشعير والذرة، وتدمر القذائف والصواريخ البنية التحتية والآلات والجرارات الزراعية وصوامع الفلاحين، وتقتل وتجرح العمال والمواشي معاً.
بل وأصبح مجرد ذهاب المزارع إلى حقله شبه مستحيل، أو على الأقل نوع من المجازفة الشديدة وسوء التقدير، خاصة في المناطق التي تشهد قتالاً ضارياً، أو تم احتلالها بالفعل من قبل القوات الروسية.
ووفق رواية الحكومة الأوكرانية، فإن القوات الغازية زرعت الألغام في المزارع، ودمرت آلات الزراعة والحصاد، وقضت على الجرارات الزراعية واحتياطيات الوقود بهدف شل قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي وصادرات الحبوب. والنتيجة لا حصاد وغلال للخزين ولا تصدير.
وحتى بالنسبة لهؤلاء المزارعين الذين ينجحون في الوصول إلى حقولهم ومزارعهم فإنهم يعانون من نقص حاد في مدخلات الإنتاج من أسمدة وبذور وسولار ووقود بسبب محاصرة القوات الروسية موانئ أوكرانية وإغلاقها وعرقلة الواردات من الخارج.
لا تكتفي روسيا بذلك، بل منعت السفن والشاحنات الأوكرانية المحملة بالحبوب من الوصول إلى البحر الأسود، وهو الطريق الرئيسي للصادرات، وهو ما يؤثر سلبا على سوق الحبوب العالمي ويرفع الأسعار كما جرى في فترة ما بعد الحرب، حيث إن أوكرانيا تمثل أحد المصدرين الرئيسيين للذرة والقمح في العالم وأكبر مصدر لزيت عباد الشمس، بل وتصنف بأنها سلة غذاء أو خبز أوروبا، وتعد من أكبر 5 دول مصدرة للحبوب في العالم.
وقبل أيام قال نائب وزير الزراعة الأوكراني تاراس فيسوتسكي إن بلاده لديها حاليا 13 مليون طن من الحبوب، منها 3.8 ملايين طن من القمح لا تستطيع تصديرها بالأساليب المعتادة، خاصة عن طريق البحر والموانئ.
علما أن الجيش الروسي أعلن قبل أيام سيطرته بشكل كامل على مدينة ماريوبول التي تعرف بمينائها الاستراتيجي الواقع على بحر آزوف المتفرع من البحر الأسود، والذي يمثل منفذاً مهماً لصادرات الحبوب الأوكرانية.
روسيا تعرقل وصول الحبوب الأوكرانية للأسواق العالمية، والحرب تؤدي إلى تعطيل الإمدادات من روسيا، أكبر مصدر للحبوب، وتضع تجارة القمح العالمية في مأزق
والنتيجة أن روسيا تعرقل وصول الحبوب الأوكرانية للأسواق العالمية، والحرب تؤدي إلى تعطيل الإمدادات من روسيا، أكبر مصدر للحبوب في العالم، وبالتالي تضع تجارة القمح العالمية في مأزق، خاصة وأن عدة دول حظرت تصدير عدد من منتجاتها الزراعية لتغطية احتياجات الأسواق المحلية.
وبموازاة ذلك، تحظر أوكرانيا تصدير بعض الحبوب، مثل القمح والشوفان والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والماشية، لضمان قدرتها على توفير الطعام لمواطنيها خلال الحرب مع روسيا، والتأكد من أن لديها ما يكفي من الغذاء لإطعام سكانها في ظل الدمار الذي تلحقه القوات الغازية بالمزارع ومستودعات المحاصيل ومخازن الحبوب الأوكرانية.
ومع الأخذ في الاعتبار أن روسيا وأوكرانيا توفران معا ما يقرب من ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، التي ارتفعت أسعارها منذ بدء اشتعال الحرب، وأن إنتاج البلدين المتحاربين من القمح يشكل نحو 14% من الإنتاج العالمي، وأن روسيا هي أكبر مصدر للقمح عالميا بواقع نحو 37.5 مليون طن، فيما تحتل أوكرانيا المركز الخامس في التصدير بنحو 18 مليون طن، فإن سوق الحبوب العالمي معرض لهزات في الفترة المقبلة مع طول أمد الحرب التي باتت تأكل الأخضر واليابس في أوكرانيا، خاصة مع خفض الإمدادات الغذائية العالمية، وبلوغ الأسعار أعلى مستوى لها منذ عام 2011.
وبالطبع فإن أكبر المتضررين من هذه الحالة الخطيرة هي الدول العربية المستوردة للغذاء والتي تعتمد على الخارج في تحقيق أمنها الغذائي، وتستورد معظم احتياجاتها الغذائية من الدولتين المتحاربتين، ولا تعطي أولوية لزراعة القمح والذرة وإنتاج الزيوت والسكر وغيرها من السلع الغذائية.
أكبر المتضررين الدول العربية المستوردة للغذاء التي تعتمد على الخارج في تحقيق أمنها الغذائي، وتستورد معظم احتياجاتها الغذائية من الدولتين المتحاربتين
أمس تتصدر أزمة تفاقم انعدام الأمن الغذائي والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية مناقشات رؤساء الدول والحكومات وقادة المؤسسات المالية العالمية، حيث يجتمع أعضاء صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن هذه الأيام لمواجهة آثار الحرب الروسية ضد أوكرانيا ومنها الجوع والتضخم.
وأول من أمس الأثنين، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إن الأمن الغذائي العالمي بات على حافة الهاوية، وبالتالي فإن العالم بات على موعد مع أزمة غذاء قد تفوق في حدتها ما حدث في العامين 2008 و2010، فهل يجوع العالم قريباً، أم تخمد نيران الحرب وتعود أسواق الحبوب لطبيعتها، ومعها يطمئن ملايين الجوعى حول العالم؟