الألمان يخشون كأس العقوبات... حظر الطاقة الروسية ينذر بمخاطر اجتماعية

19 ابريل 2022
التضخم بلغ أعلى مستوى في 40 عاماً (Getty)
+ الخط -

لم تعد مخاوف المسؤولين الألمان من إقدام أوروبا على حظر فوري لإمدادات الطاقة الروسية، تقتصر على التداعيات الاقتصادية والفاتورة الباهظة التي ستتحملها برلين مع التوجه نحو بدائل أخرى للإمدادات، وإنما هناك هلع من اضطرابات تصل إلى حد تهديد السلم الاجتماعي، مع التقشف الإجباري الذي سيتعرض له المواطنون.

وأجرى المستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الاقتصاد روبرت هابيك أخيراً، مناقشات مباشرة مع المدراء التنفيذيين لشركات ألمانية كبرى، بينها بوش وسيمنز ومرسيدس، لبحث تأثيرات وقف إمدادات الطاقة الروسية وعلى رأسها الغاز الطبيعي، وباتت هناك قناعة لدى الحكومة الاتحادية بأن التحديات التي سيواجهها الاقتصاد ستكون كبيرة، وهو ما يجعلها أكثر حرصا على مقاومة فرض حظر كامل على النفط والغاز الروسيين، وفق تقارير اقتصادية محلية.

ضرر كلي هائل

وبحسب شولتز ومجلس وزرائه، فإن المقاطعة من شأنها أن تؤدي إلى ضرر كلي هائل، حتى أن وزير الاقتصاد هابيك، رأى أن السلم الاجتماعي سيكون في خطر.

وبلغ التضخم أعلى مستوى في 40 عاماً عند 7.6% في مارس/آذار، وذلك في أول شهر كامل بعد نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا، وهو أعلى مستوى منذ بدء تسجيل البيانات، بعد إعادة توحيد شطري ألمانيا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

وفي السياق، أشار كلاوس مولر، رئيس الشبكة الاتحادية المسؤولة عن تنظيم الغاز والكهرباء، في مقابلة مع صحيفة دي تسايت، إلى أن المواطنين الألمان سيتعين عليهم إعادة التفكير في الاستحمام بشكل يومي في حال تم حظر استيراد الغاز الطبيعي من روسيا.

وقال مولر: "على المرء أن يسأل نفسه مجدداً، عما إذا كان بحاجة للاستحمام بمياه ساخنة سبع مرات في الأسبوع في حال تسخين المياه بالغاز".

وأشار إلى أن احتياطيات الغاز الألمانية ستكفي حتى أواخر الصيف على الأقل إذا تم وقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا، لكن "مستودعات الغاز ستصبح فارغة بعد ذلك".

وبدأت أسعار الغاز في أوروبا بالصعود بشكل صاروخي منذ الربيع الماضي، ويتم تداول عقود الوقود الأزرق الآجلة الآن عند مستوى 1100 دولار لكل ألف متر مكعب. وبلغت الأسعار أعلى مستوى في التاريخ في 7 مارس/آذار الماضي، حينما وصلت إلى 3892 دولارا لكل ألف متر مكعب.

وفقًا لمولر، لا توجد حالياً مؤشرات على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقلص الغاز، لافتا إلى أن روسيا تفي بالتزاماتها بالتسليم لكنها لا تفعل المزيد أيضا.

وقبل أن تبدأ موسكو حربها في أوكرانيا، كان ثلث واردات ألمانيا من النفط، و45% من مشترياتها من الفحم، ونحو 55% من واردات الغاز تأتي من روسيا، فيما شرعت الدولة في تقليص وارداتها من الغاز، لكنها لا تزال تعتمد عليه بنسبة 40% حالياً.

استخدام مشترك للسيارات

وقالت مونيكا شنيتشر، عضو مجلس "حكماء الاقتصاد" الذي يقدم النصح للحكومة الألمانية فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، في تصريحات نقلتها صحيفة دويتشه فيله الألمانية نهاية مارس/آذار الماضي، إنه يتعين على المواطنين الآن خفض استهلاكهم واللجوء إلى الاستخدام المشترك للسيارات والقيادة بسرعة أبطأ واستخدام وسائل النقل العام قدر الإمكان.

كما دعت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية، المواطنين أخيراً إلى تعديل نظامهم الغذائي واستهلاك كميات أقل من اللحوم. وقالت إن جزءاً كبيراً من إنتاج الحبوب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إنتاج البلدان النامية والناشئة، ينتهي به المطاف في علف الحيوانات، مشيرة إلى أن تقليل استهلاك اللحوم في ألمانيا سيساعد بالتالي على تحرير المزيد من الأراضي الزراعية محلياً.

وأضافت: "إذا كنا سنستهلك حوالي 30% أقل من لحم الخنزير في ألمانيا، فسيؤدي ذلك إلى تحرير حوالي مليون هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) من الأراضي الزراعية، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك في زراعة الحبوب بالطبع".

يأتي ذلك وسط ارتفاع أسعار السلع الغذائية كالزبدة التي ارتفع سعرها منذ مطلع العام الجاري وحتى مارس/آذار بواقع 17.6% على الأقل. لتكسر في المحال التقليدية عتبة الـ2 يورو، مقابل قطعة وزنها 250 غراماً ويتراوح في المحال باهظة الثمن بين 2.5 و3 يورو.

كما ارتفع سعر الخبز بواقع 7.1% خلال الفترة المذكورة، والزيت النباتي بنحو 30%، وأصبح سلعة نادرة في بعض المحال التجارية، بحسب صحيفة فرانكفورتر، التي كشفت عن ارتفاع حاد في الأسعار المحددة من قبل منتجي السلع الزراعية، حيث ارتفعت أسعار محاصيل الحبوب منذ فبراير/شباط العام الماضي بنسبة 33%، والبطاطا بنسبة 88% والحليب بقدر 30%.

كما أكدت الصحيفة وقوع قفزة ملموسة في أسعار الجملة خلال الأشهر الـ12 الماضية، خصوصا المنتجات النفطية بنسبة 70% والوقود الصلب 62% والمعادن 55.8%، ومحاصيل الحبوب وعلف الحيوانات 43%.

وتبذل ألمانيا مساعي لإيجاد مزودين آخرين للغاز، إلا أنها لا تتوقع الاستغناء عن الغاز الروسي قبل منتصف 2024، وفق صحيفة دويتشه فيله. وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن غالبية الألمان يعارضون فرض حظر كامل على واردات الطاقة الروسية، وذلك في الاستطلاع الذي أجراه معهد "ديموسكوبي النسباخ" لصالح صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونج" الألمانية، والذي نشرت نتائجه في الأربعاء الماضي.

تأثيرات اقتصادية ملموسة

وأوضحت النتائج أن 57% ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون استمرار استيراد النفط والغاز من روسيا، مقابل 30% يؤيدون فرض حظر كامل على واردات الطاقة الروسية. وكان المعهد أجرى الاستطلاع في الفترة بين 25 مارس/آذار الماضي حتى السادس من إبريل/نيسان الجاري.

وأعرب الكثير من الألمان عن اعتقادهم بأن حرب أوكرانيا تسببت في تأثيرات اقتصادية ملموسة بالنسبة لهم، حيث قال 68% من المشاركين في الاستطلاع إن هذه التأثيرات تتمثل في ارتفاع تكاليف التدفئة، فيما قال 51% إن هذه التأثيرات تمثلت في أسعار الوقود المرتفعة.

وأوضح 47% ممن شملهم الاستطلاع أنهم صاروا يقللون من التدفئة في منازلهم لهذا السبب، وقال 37% إنهم صاروا يقللون من استخدام سياراتهم لهذا السبب، وقال 54% إنهم صاروا يراعون الأسعار أثناء التسوق بصورة أكبر.

ونهاية مارس/آذار الماضي، فعّلت ألمانيا المستوى الأول من خطة طارئة لضمان توفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وقال وزير الاقتصاد للصحافيين حينها، إنّ هذه الخطة الطارئة تشمل ثلاثة مستويات إنذار، وفي هذه المرحلة فإن "أمن الإمدادات" بالغاز مضمون في ألمانيا والخزانات ممتلئة حالياً بنسبة 25%.

وتابع أنّ "الغاز والنفط يصلان حالياً وفقاً للطلبيات" و"الإجراء المتخذ مسألة وقائية"، مشيراً إلى أنّ وقف التسليم ستكون له "تداعيات خطيرة" لكنّ ألمانيا "ستتمكن من مواجهتها".

ثلاثة مستويات للأزمة

ووفقا لخطة الطوارئ، هناك ثلاثة مستويات للأزمة. ويعني مستوى الإنذار المبكر أن هناك "مؤشرات ملموسة وخطيرة وموثوقة" تشير إلى إمكانية وقوع حدث من المحتمل أن يؤدي إلى تدهور كبير في وضع إمدادات الغاز.

وفي مستوى الطوارئ، يكون هناك "انقطاع كبير" في إمدادات الغاز، ويتعين على الدولة في هذه الحالة أن تتدخل، على وجه الخصوص، لضمان إمداد "العملاء المحميين" بالغاز، وهم المنازل، والمستشفيات، وفرق الإطفاء والشرطة. ولا تتدخل الدولة في الأسواق "لتنظيم" التوزيع وتحديد الحجم المخصص كأولوية لكل قطاع، إلا في المستوى الثالث من الإنذار.

وقبل أيام، حذرت خمسة معاهد اقتصادية تقدم المشورة للحكومة الألمانية، في تقرير مشترك، من تكبّد ألمانيا خسائر تقدر بنحو 220 مليار يورو (240 مليار دولار) على مدى العامين المقبلين في حالة الوقف الفوري لإمدادات الطاقة الروسية.

ومن بين هذه المعاهد، معهد البحوث الاقتصادية "ايفو في ميونخ"، ومعهد اقتصاد العالمي "اي أف دبليو" في جامعة كيل، والمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية "دي آي دبليو" في برلين.

وبحسب التقرير، فإن توقف الإمدادات الروسية سيؤدي إلى انكماش في بلد يعتبر قاطرة الاقتصاد الأوروبي، وعندها من المرجح أن يدخل الاقتصاد الألماني في ركود حاد العام المقبل 2023.

وفي الإطار، قال رئيس معهد الاقتصاد الألماني مايكل هوثر، في تصريحات لصحيفة "دي فيلت" أخيرا، إن حظر الغاز يعني عامين ونصف العام من توقف الإنتاج في القطاعات الرئيسية، وفي هذه الحال لا يمكن حل المشكلة بالاعتماد على المزايا والحوافز الحكومية في وقت قصير، كما حصل خلال ذروة جائحة كورونا، لا بل إن ذلك يعني أن الكثيرين سيفقدون وظائفهم.

موجات الصدمة

وحتى في حالة عدم وجود قطع الإمدادات، فإن من المرجح تراجع نمو الاقتصاد الألماني إلى 2.7% خلال العام الجاري و3.1% في عام 2023، وذلك مع توقعات سابقة بنمو 4.8% و1.9% على الترتيب، وفق توقعات تقرير المعاهد الاقتصادية. كما سيبلغ متوسط التضخم 6.1% في عام 2022، وهو أكبر معدل في 40 عاماً.

وقال ستيفان كوثس، نائب رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي: "إن موجات الصدمة من الحرب في أوكرانيا تُلقي بثقلها على النشاط الاقتصادي على جانبي العرض والطلب"، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب الغزو الروسي يزيد من الضغط التصاعدي على الأسعار بشكل عام.

المساهمون