أشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، بعد تثبيته سعر الفائدة، مساء الأربعاء، للمرة الأولى منذ شهر مارس/ آذار من العام الماضي، وبعد 10 زيادات متتالية، إلى دعمه لزيادة أسعار الفائدة مرتين أخريين هذا العام، بما في ذلك واحدة يمكن تنفيذها في اجتماعه المقبل في يوليو/ تموز.
وفي نهاية اجتماعها، الأربعاء، صوتت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بالإجماع للتخلي عن زيادة أخرى في سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة والحفاظ على النطاق الحالي بين 5 في المائة و5.25 في المائة. وهو ما أثار قلق الأسواق التي شهدت تراجعاً عاكس المنحى المستقر الذي كان متوقعاً بعد تثبيت الفائدة.
وعلى الرغم من التأجيل الأول لحملة التشديد النقدي القوية التي بدأت في مارس/ آذار 2022، أوضح رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك المركزي الأميركي يعتزم الضغط على أكبر اقتصاد في العالم للسيطرة على التضخم المرتفع باستمرار.
قال باول في مؤتمر صحافي بعد قرار تثبيت سعر الفائدة: "يرى جميع المشاركين في اللجنة تقريباً أنه من المحتمل أن تكون بعض الزيادات الإضافية في الأسعار مناسبة هذا العام". وأضاف أنه يتوقع أن يكون الاجتماع خلال الشهر المقبل "مناسباً"، وهو ما يرسل تلميحاً قوياً إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يميل إلى رفع أسعار الفائدة في 26 يوليو. يتوقع معظم صانعي السياسة زيادتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة هذا العام في خطوة من شأنها رفع المعدل القياسي إلى ما بين 5.5 في المائة و5.75 في المائة، بحسب "فايننشال تايمز".
فيما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أنّ مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي أصبحوا أقل ثقة بشأن الحاجة إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، وذلك بسبب التداعيات الناجمة عن فشل ثلاثة بنوك منذ مارس/ آذار الماضي، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة ائتمانية، حيث تواجه البنوك تكاليف تمويل أعلى.
ورغم وجهة نظر بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن المزيد من رفع أسعار الفائدة أمر ضروري، دافع باول عن قراره بالتثبيت، يوم الأربعاء، بحجة أنه خطوة "حكيمة" بالنظر إلى مقدار محاولات البنك المركزي بالفعل لتثبيط النشاط الاقتصادي، وقال إن اللجنة أخذت في الاعتبار أيضاً "الرياح المعاكسة المحتملة" من الأزمة المصرفية الأخيرة.
بعد المؤتمر الصحافي لباول، ارتفع العائد على سندات الخزانة لمدة عامين، والذي يتحرك مع توقعات أسعار الفائدة، إلى أعلى مستوى له منذ منتصف مارس/ آذار. خفض المتداولون في سوق العقود الآجلة رهاناتهم على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة هذا العام، وتراجعت الأسهم الأميركية مجدداً.
أظهر أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك، الذي صدر يوم الثلاثاء، تباطؤاً في التضخم السنوي على الرغم من ضغوط الأسعار المستمرة عبر العديد من قطاعات الاقتصاد. وفقد سوق العمل بعض الزخم لكنه لا يزال قوياً للغاية، وهو ما شجع المستهلكين على مواصلة الإنفاق. واستمر التفاف الأسواق، الخميس، حيث تراجعت الأسهم الأميركية مع هبوط المعنويات بسبب النغمة المتشددة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والبيانات الاقتصادية الضعيفة من الصين.
كما تراجعت شركتا التعدين العالميتان "أنجلو أميركان" و"ريو تنتو"، حيث قادت أسهم الموارد الأساسية الانخفاضات في أوروبا بعد الأخبار التي تفيد بأن النشاط الاقتصادي الصيني تراجع في مايو/ أيار. وتراجعت معظم قطاعات الصناعة مع استعداد المستثمرين لإعلان يتعلق بسعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي لمكافحة التضخم.
قال جيف يو، محلل الصرف الأجنبي والماكرو في بنك بي إن واي ميلون، لـ"بلومبيرغ": "مع احتمال أن يصل سعر الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الذروة قريباً، قد لا يرغب البنك المركزي الأوروبي في أن يكون بعيداً جداً عن الركب". وفي آسيا، ارتفعت الأسهم الصينية بعدما خفض بنك الشعب الصيني سعر الإقراض الرئيسي وسط تكهنات بأن المزيد من التحفيز في الطريق. كما عزز ذلك الأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، مع تقدم مجموعة علي بابا القابضة المحدودة وبايدو.
وقلص الدولار أول تقدم له في ثلاثة أيام، مدفوعاً بالمكاسب التي دفعت التجار إلى التفكير في احتمالات رفع أسعار الفائدة الأميركية. أدى بيع الين إلى دفع العملة إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو ما أدى إلى تحذير كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني هيروكازو ماتسونو من أن الحركات المفرطة غير مرغوب فيها. في السلع، انخفض الذهب لليوم الخامس في أطول فترة خسارة له منذ فبراير/ شباط، حيث خففت التوقعات بشأن المزيد من تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي جاذبية السبائك.
وقفزت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية لليوم الثالث على التوالي، حيث أثار الانقطاع المطول والطقس الحار في جميع أنحاء القارة مخاوف بشأن إمداداتها. وقال جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في ING، لوكالة "بلومبيرغ"، إن الإيقاف المؤقت لرفع أسعار الفائدة مع الإشارة في الوقت نفسه إلى المزيد من الزيادات المحتملة "يمنحها أقصى قدر من المرونة. لقد وضعوا الأساس لرفع المستوى إذا ظلت البيانات ساخنة، ولكن يمكنهم بسهولة عكس المسار إذا كان أكثر ليونة".
وسيشهد صانعو السياسة النقدية الأميركية جولة أخرى من بيانات التضخم والوظائف قبل اجتماعهم في 25-26 يوليو. وفي محاولة أخرى للإبقاء على جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، قال باول، يوم الأربعاء، إن اجتماع الشهر المقبل سيكون "مباشراً"، مشيراً إلى أن كلا الاحتمالين، زيادة السعر أو استمرار التثبيت، محتملان.