الأسواق العربية في فوهة الحرب على أوكرانيا: فواتير باهظة للقمح والوقود وتراجع البورصات
تتعرض المنطقة العربية لخسائر فادحة بسبب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت البورصات في الفوهة. كما ثارت مخاوف من تكبد الدول أعباء إضافية بسبب فواتير الطاقة والغذاء.
ووسط تصاعد مخاوف المستثمرين بعد شن روسيا حربها ضد أوكرانيا، تكبدت بورصات عربية خسائر فادحة، أمس الخميس، وأغلقت على تراجع جماعي، مقتفية أثر البورصات العالمية. وفجر الخميس، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب، وقال في كلمة متلفزة، إن "المواجهة بين روسيا والقوى القومية في أوكرانيا لا مفر منها".
وهبطت بورصات الخليج، وفي مقدمتها السعودية، السوق الأكبر في العالم العربي، مع انخفاض مؤشرها الرئيسي "تاسي" بنسبة 1.84% عند الإغلاق أمس الخميس. وتراجعت بورصة العاصمة الإماراتية أبوظبي بنسبة 0.18%.
وانخفض مؤشر بورصة قطر، بقيمة 110.44 نقطة، أي ما نسبته 0.87 بالمائة، ليصل إلى 12 ألفا و638.8 نقطة. فيما هبط مؤشر بورصة الكويت العام، 23.51 نقطة، أي بنسبة 0.31 بالمائة، ليبلغ مستوى 7637.55 نقطة. وهبطت بورصتا البحرين ومسقط. أما البورصة المصرية فقد كانت من أكبر الخاسرين، حيث تراجع مؤشرها عند الإغلاق بنسبة 3.63%.
وقررت البورصة المصرية إيقاف التداول على 27 سهماً لمدة 10 دقائق، لتجاوزها نسبة 5 بالمائة و10 بالمائة هبوطاً خلال جلسة أمس، وتكبدت البورصة خسائر حادة تجاوزت أكثر من 15 مليار جنيه خلال أقل من ساعتين بعد الافتتاح صباح أمس. كما انخفضت مؤشرات بورصة تونس بنسبة 0.63%.
ولم تتوقف خسائر المنطقة عند البورصات، إذ ثارت مخاوف من تفاقم الفواتير التي يدفعها العرب في ما يخص السلع والطاقة. وفي هذا الصدد، قال مسؤول أردني، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن أسعار القمح ارتفعت أمس بمقدار 34 دولارا، حيث بلغ سعر الأميركي 447 دولارا للطن مرتفعا من 413 دولارا للطن، كما شهدت أسعار القمح في المناشئ المختلفة.
ويستورد الأردن كامل احتياجاته من القمح، لعدم وجود إنتاج محلي.
وتتولى وزارة الصناعة والتجارة والتموين عمليات الاستيراد وإدارة المخزون الاستراتيجي وتأمين الاحتياجات المحلية منه بشكل دائم. وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن مخزون القمح آمن حاليا ويكفي استهلاك الأردن حوالي 15 شهرا، ولكن طول الحرب والأزمة سيؤدي بالطبع إلى ارتفاع فاتورة القمح والشعير خلال الأشهر المقبلة.
ووفقا للبيانات الرسمية، فإن الأردن لا يستورد حاليا القمح من روسيا وأوكرانيا، وأن ما نسبته 90% من الكميات يتم توريدها من رومانيا والأخرى من مناطق مختلفة بموجب مناقصات تطرح باستمرار لتعزيز المخزون الاستراتيجي من مادتي القمح والشعير.
من جانبه، قال الخبير الأردني في قطاع الطاقة والنفط، هاشم عقل، لـ"العربي الجديد"، إن فاتورة الأردن النفطية ستشهد ارتفاعا كبيرا والتي تبلغ سنويا حوالي 5 مليارات دولار، مشيرا إلى أن الزيادة ستكون بنسبة تتراوح بين 20% و30%، لا سيما إذا استمر الغزو الروسي فترة طويلة.
وأضاف أن أسعار النفط سترتفع إلى 120 دولاراً، ولكن يتوقع انخفاضها بعد مايو/أيار المقبل، بعد الاتفاق على زيادة الإنتاج والمعروض في الأسواق العالمية. وأوضح أن المواطن سيتأثر كثيرا بتلك الارتفاعات ما يتطلب اتخاذ إجراءات من قبل الحكومة بتخفيض الضريبة المفروضة على المشتقات النفطية والتي تتجاوز 70% لبعض الأصناف ولا يستطيع تحمّل أي أعباء إضافية.
وقال رئيس جمعية المصدرين الأردنيين، عمر أبو وشاح، لـ"العربي الجديد"، إن المخاوف أيضا تدور حول احتمال ارتفاعات جديدة على أسعار الشحن البحري والجوي وحتى البري، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة على أسعار مختلف السلع وكلف الصادرات والواردات.
وتوقع أن تشهد أسعار الأغذية ارتفاعا عالميا في حال طالت الحرب.
ومن جانبه، سيراقب المغرب تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا، بالنظر إلى تداعيات ذلك المحتملة على أسعار القمح والوقود، بما لذلك من تأثير على الميزان التجاري.
واستحضرت الحكومة التوتر، حيث سبق لوزراء عندما استفسروا حول مبررات ارتفاع الأسعار في السوق المحلية، أن أشاروا إلى التطورات في تلك المنطقة. ويستورد المغرب الجزء الأكبر من حاجياته من القمح اللين من روسيا وأوكرانيا، بينما يأتي بالقمح الصلب من كندا، علما أن وارداته من الصنفين تصل في بعض الأحيان إلى 80 مليون قنطار.
ويشتد الضغط على المغرب في الفترة المقبلة من أجل تأمين القمح، خاصة في ظل الجفاف الذي سيفضي إلى انهيار المحصول في العام الحالي. ويرى رئيس الجمعية المغربية لمكثر البذور، خالد بسليمان، أن أسعار القمح اللين مرتفعة في السوق في الفترة الأخيرة، وينتظر أن ترتفع أكثر في الفترة المقبلة.
ويعتبر أن تلك الأسعار قد تصل إلى مستوى قياسي في السوق العالمية في حال طال أمد النزاع الروسي - الأوكراني، مع احتمال تقلص العرض، ما قد ينعكس على فاتورة واردات المغرب.
كانت فاتورة القمح شرعت في الارتفاع اعتبارا من العام الماضي، حيث وصلت إلى حوالي 1.6 مليار دولار، علما أن الكمية المستوردة انخفضت إلى 46 مليون قنطار، مقابل 55 مليون قنطار في العام الذي قبله. ويرتقب أن يؤدي ارتفاع الأسعار والواردات في الفترة المقبلة إلى زيادة مخصصات الدولة لدعم الخبز العادي.
وكان الوزير المكلف بالموازنة فوزي لقجع، قد أكد أن مخصصات الدعم الموجه للدقيق المستخرج من القمح اللين سترتفع إلى 400 مليون دولار في العام الحالي، بعدما قفز إلى حوالي 330 مليون دولار في العام الماضي.
ويعتبر رئيس نقابة الغاز والبترول المغربية، الحسين اليماني، أن ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا، بدأ يبعث برسائل غير مطمئنة إلى المغرب، حيث ارتفعت أسعار النفط إلى 102 دولار للبرميل الواحد.
ويتوقع أن ينعكس الوضع الجديد المرتبط بالغزو الروسي على أسعار الغاز، علما أن غاز البوتان كان تجاوز 800 دولار للطن في الأشهر الأخيرة، وهو سعر يرتقب أن يقفز أكثر في حال زاد التوتر.
وفي العراق، قلّل مختصون بالشأن الاقتصادي، من وجود أي آثار سلبية قصيرة أو متوسطة المدى على الوضع المالي والاقتصادي في البلاد من الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنهم اعتبروا أن أي عقوبات دولية يتم إقرارها على موسكو ستكون لها تبعات آجلة يمكن تلافيها لوجود بدائل أخرى.
وتضم الأراضي الأوكرانية الآلاف من العراقيين ضمن الجالية المقيمة في هذه البلاد منذ سنوات، وغالبيتهم من الطلاب الدارسين في جامعاتها، وبدأت وزارة الخارجية بالتواصل معهم لتسهيل خروج من يرغب منهم العودة إلى العراق، وفقا لبيان سابق صدر عن وزارة الخارجية.
وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين بغداد وكييف، وفقا لمسؤول بوزارة التخطيط العراقية في بغداد، تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، نحو 450 مليون دولار في العام الماضي، كان أبرزها حديد التسليح وخطوط إنتاج لمعامل متوقفة يجري صيانتها في مجالات مختلفة. وأضاف أن بلاده "لا تتوقع أي آثار سلبية على الاقتصاد العراقي، وهناك بدائل لاستيراد بعض المتطلبات التي كانت تصل من البلدين".
لكنه استدرك بالقول "من المبكر الآن الحديث عن خسائر أو أضرار، ربما يكون في حال فرض عقوبات على روسيا هناك تأثر بمشاريع لشركات روسية في العراق، أو صفقات وعقود، خاصة العسكرية منها".
واعتبر أن ارتفاع أسعار النفط الحالي تصب في صالح العراق، و"نأمل أن يذهب فائض الأموال إلى المكان الصحيح، والحكومة الآن تدرس إنشاء صندوق سيادي على غرار الصناديق الموجودة في الدول الأخرى، بالاعتماد على الارتفاع الحالي في أسعار النفط".
الخبير بالشأن الاقتصادي أحمد الوكيل قال لـ"العربي الجديد"، إن ارتدادات الأزمة على العراق لن تكون مؤثرة على المشهد، بل على العكس سيستفيد العراق في حال كانت هناك عقوبات دولية على موسكو، لأن الغاز العراقي متوفر، ويمكن أن تكون تركيا طريقا إلى أوروبا لهذا الغاز".
ووفقا للوكيل، فإن غالبية الاستيراد العراقي من البلدين (روسيا وأوكرانيا) تميز بكونه غير مستقر.