احتمالات استعادة الجمهوريين في أميركا السيطرة على مجلس النواب وربما مجلس الشيوخ لم تعد كبيرة مع ظهور العديد من النتائج بالولايات. ولكنها إذا حدثت فسيعني أن الرئيس جو بايدن سيمضي عامين صعبين في النصف الثاني من ولايته.
لكن حتى إذا حدثت فإن هذا ليس غريباً في تاريخ السياسة الأميركية، حيث إنه لم يتمكن منذ قرابة قرن إلا رئيسان فقط من الاحتفاظ بأغلبيتهما في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي، هما تيودور روزفلت وجورج بوش الأب.
بالنسبة لتوقعات خسارة الحزب الديمقراطي لأغلبيته في الكونغرس، فإنها إذا حدثت فستعود للتداعيات السالبة لارتفاع معدل التضخم، وغلاء الأسعار على المستهلك الأميركي، وفشل السياسات الاقتصادية التي طبقها الرئيس جو بايدن خلال العامين الماضيين.
لكن ما التأثير الذي ستتركه الانتخابات على نمو الاقتصاد الأميركي ومعدل التضخم المرتفع وسعر صرف الدولار وأسواق الأسهم والسندات في الولايات المتحدة؟
على صعيد التضخم الذي يعد من أهم محددات مستقبل الاقتصاد الأميركي، يرى البروفيسور بجامعة ميتشغان، سكوت إيبرمان، أن خفض التضخم من شؤون السياسات النقدية التي تخضع لقرار مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" الذي لديه استقلالية كاملة عن الحكومة الأميركية، وبالتالي ليس لدى الكونغرس دور مباشر على توجهات السياسات النقدية.
ويواصل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الراهن رفع الفائدة على أمل خفض التضخم من نسبة 8.2% حالياً إلى 2%، لكن البروفيسور إيبرمان، يرى أن ما يمكن أن يفعله الكونغرس هو دعم قرارات الرئيس جو بايدن الخاصة بخفض أسعار السلع، عبر تمرير التشريعات التي تساهم في خفض أسعار بعض السلع التي تساهم في خفض معدل التضخم، ومن بينها خفض أسعار الوقود، عبر إطلاق مزيد من الخامات النفطية من الاحتياط الاستراتيجي النفطي الأميركي في السوق، أو تشجيع شركات الطاقة على زيادة الإنتاج عبر الإعفاءات الضريبية، أو زيادة دخل المواطن، عبر زيادة الحد الأدنى للأجور.
ومثل هذه الإجراءات من المتوقع أن تساهم في خفض ضغوط غلاء الأسعار على المواطن، كما سترفع من القوة الشرائية المطلوبة لدعم النمو الاقتصادي، ومنع الاقتصاد من الوقوع في هاوية الركود الاقتصادي.
على صعيد سعر صرف الدولار، يرى الخبير الاقتصادي بنشرة " كابيتال. كوم"، بيرو سنغاري، في تحليل، أن الدولار ربما سيفقد جزءاً من قوته الحالية في حال خسر الحزب الديمقراطي أغلبيته في الكونغرس، لأن النواب الجمهوريين سيعارضون خطط بايدن الخاصة بزيادة الإنفاق العام، وسيضغطون على مجلس الاحتياط الفيدرالي لمنعه من مواصلة رفع الفائدة على الدولار.
وفي الصدد ذاته، يرى الخبير سنغاري أن الدولار عادة ما يكون على مستواه في الأشهر التي تسبق انتخابات التجديد النصفي، كما أن سوق الأسهم الأميركية تنخفض في كثير من الأحيان.
وبحسب أحدث البيانات، فقد كسب الدولار منذ بداية العام الجاري نحو 15%، بينما انخفض مؤشر "أس آند بي ــ 500"، وهو المؤشر الرئيسي، 21%.
لكن محللين يرون أن فوز الجمهوريين بأغلبية في الكونغرس سيساهم في دعم سوق السندات الأميركية، لأن المستثمرين في أدوات الدين الحكومية يحبذون استراتيجية خفض الدين الأميركي الذي بلغ نحو 31 تريليون دولار، وأصبح من أكبر أعباء الميزانية.
ومن المتوقع أن ترتفع خدمة الدين العام إلى أكثر من نصف تريليون دولار بنهاية العام الجاري. ومعروف أن الدين العام وارتفاع خدمته يقلق حملة السندات الحكومية.
وتسبب رفع أسعار الفائدة على العملة الأميركية بوتيرة حادة في زيادة عوائد سندات الخزانة، ودفع الدولار إلى أعلى مستوياته في سنوات عدة، مقابل معظم العملات الرئيسية.
ويقول بعض المحللين إن النتيجة قد تكون لها آثار إيجابية على السندات وسلبية على الدولار إذا أدت إلى تحفيز مالي أقل.
على صعيد أسواق المال، يقول تقرير لمصرف "جي بي مورغان" على موقعه إن "أسواق المال لا تحبذ عدم اليقين، لذلك نرى عادة ما تحدث تقلّبات أعلى وعائدات أقل في الفترة التي تسبق الانتخابات". ومع ذلك يشير المصرف إلى أن نتائج الانتخابات توفر الوضوح الذي يحتاجه المستثمرون لتحديد مسار النمو الاقتصادي والسياسات المالية.
وفي هذا المنحى يقول "جي بي مورغان"، إنه منذ عام 1942، كان متوسط عوائد سوق الأسهم في الأرباع الثلاثة الأولى من سنوات الانتخابات النصفية يتراوح بين تراجعات واحد إلى 5 %، لكن عوائد الربع الأخير من العام عادة ما تقفز إلى 8%.
ويتوقع مصرف "جي بي مورغان" أن تفضي الانتخابات إلى كونغرس منقسم، وتكون لذلك تأثيرات رئيسية على القضايا الرئيسية التي تهم أميركا في الوقت الراهن، مثل حجم دعم أوكرانيا في الحرب التي تخوضها عليها روسيا منذ نهاية فبراير/ شباط، وزيادة الإنفاق على الدفاع، وتأمين خطوط الإمداد التي تعتبر ضرورية للأمن القومي.
على الصعيد الخارجي والسياسة الدفاعية والأمنية، يتفق الكثير من الساسة في الحزبين على أن أزمة الطاقة في أوروبا تعد جرس إنذار لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في الولايات المتحدة إذا لم تتخذ خطوات فعلية لتقليل الاعتماد على روسيا والصين في الطاقة وأشباه الموصلات.
ويدعو الحزب الديمقراطي إلى زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع لمواجهة التهديدات العسكرية لتحالف بكين ـ موسكو.
ويستهدف جو بايدن تبني سياسات لمحاصرة نقل التقنيات الأميركية إلى الصين، وتشجيع شركات التقنية الأميركية على الهجرة من الصين، وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين لإنتاج مكونات الطاقة النظيفة.