سواء كانت سندات الخزانة الأميركية الأكثر أمانا للمستثمرين، أو أن أسهم الأسواق الناشئة هي الأكثر خطورة، فإن المحصلة واحدة، وهي أن الأسهم والسندات العالمية فقدت 36 تريليون دولار من قيمتها على مدار الأشهر التسعة الماضية في عمليات بيع جامحة.
تجاوز التراجع هذا العام الانخفاضات الحادة التي شهدتها الأزمة المالية 2008-2009 ووباء كورونا 2020، استنادًا إلى انخفاض القيمة السوقية لمؤشر "بلومبيرغ غلوبال إيه جي" ومؤشر "إم إس سي آي" للأسهم العالمية مجتمعَين.
كما أن وتيرة تدمير القيمة هذا العام لا تزال مثيرة للقلق، فقد خسرت الأسواق نحو 36 تريليون دولار في تسعة أشهر، وهي أعلى مما تمت خسارته في 18 شهرا خلال الفترة من منتصف عام 2020 إلى أواخر عام 2021.
ومع اقتراب العام من الربع الأخير، من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الألم في المستقبل، خاصة مع توجه البنوك المركزية العالمية لمزيد من رفع أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة.
وقال المدير في شركة "غام للاستثمار" Investment GAM دافيد داوسيت: "إننا نشهد إعادة تشكيل العالم سياسيًا واقتصاديًا، والتي ستستمر عقداً"، مضيفا لوكالة "بلومبيرغ": "يمكن أن نطلق على ما يحدث حاليا بأنه (تحول تاريخي).
السيولة المفقودة
كانت السياسة النقدية فائقة السهولة حجر الزاوية لأطول فترة لصعود الأسهم على الإطلاق، والتي أوقفها كوفيد مدة وجيزة في عام 2020. والآن يقوم الاحتياطي الفدرالي الأميركي وأقرانه بهدم ما ساعدوا في بنائه، عبر رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من الأسواق، ووفقا لـ"بنك أوف أميركا"، فقد جرى إحصاء 294 ارتفاعًا في أسعار الفائدة على مستوى العالم منذ أغسطس/آب 2021، إلى جانب 3.1 تريليونات دولار في عمليات "تشديد كمي" في الأشهر السبعة الماضية.
ونتيجة لذلك، وفقا للبنك، فقد "انهار سقف سوق الأسهم والسندات العالمية"، مضيفين أن الأسعار وصدمة التشديد الكمي قد أصابت "إدمان" وول ستريت على السيولة.
ومع ذلك، لا يزال مؤشر مقياس الخوف في وول ستريت أقل من المستويات التي شوهدت خلال فترات سابقة، نظرًا لوجود مجال للارتفاع، رغم شعور بعض المستثمرين بالقلق.
لا مكان للاستثمار
لقد كانت 2022 واحدة من تلك السنوات النادرة التي بيعت فيها السندات والأسهم في وقت واحد، حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ عدة عقود، ما أجبر البنوك المركزية على التصرف بقوة، كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة أسعار النفط والحرب في أوكرانيا ألقت بظلالها على توقعات النمو الاقتصادي وأرباح الشركات.
كل ذلك وضع مؤشر S&P 500 ومؤشر Nasdaq 100 في المنطقة الحمراء للربع الثالث على التوالي، وهي أطول سلسلة خسائر متتالية منذ الأزمة المالية العالمية وانفجار فقاعة "الدوت كوم"، على التوالي.
تعتبر سندات الخزانة الأميركية والذهب بمثابة الملاذ الآمن التقليدي للاستثمار بدلا من أسواق الأسهم، لكنها خسرت أكثر من الأسهم في هذا الربع.
وكانت العملة المشفرة "بيتكوين" والدولار الأميركي هما الأصول الوحيدة التي تقدم عوائد إيجابية.
كان الربع الثالث من 2022 هو الأول منذ عام 1938 الذي أغلق فيه مؤشر S&P 500 في المنطقة الحمراء بعد ارتفاعه بأكثر من 10%.
قال مايكل هارتنيت، كبير محللي الاستثمار في "بنك أوف أميركا"، إن عام 2022 هو العام الذي يعكس "تغييرًا مؤلمًا في النظام المالي".