تواصل الأسهم الأميركية تراجعها مع تأكيد الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) رفع أسعار الفائدة بمعدلات أعلى من المتوقع لمواجهة التضخم المتصاعد، ليزداد موقف وول ستريت تعقيداً وينذر بمحو المكاسب المحققة في أعقاب الخروج من تداعيات جائحة فيروس كورونا.
ويوم الخميس الماضي، قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في مناقشة بشأن الاقتصاد العالمي في اجتماعات صندوق النقد الدولي، إنه مع بلوغ التضخم ثلاثة أضعاف هدف البنك البالغ 2% "فمن المناسب التحرك بسرعة أكبر... وستكون خمسون نقطة أساس مطروحة على طاولة اجتماع مايو/أيار المقبل" فيما يتوقع محللون أن ترتفع أسعار الفائدة بأكثر من 2.5% هذا العام.
ويوم الجمعة، خسر مؤشر داو جونز الصناعي 981 نقطة ليسجل أسوأ أيامه منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، ويكمل أسبوعه الرابع على التوالي من الخسائر، متراجعاً بنسبة 1.9% خلال الأسبوع، ومسجلاً أيضاً أسبوعه التاسع من الخسائر خلال الأسابيع الأحد عشر الأخيرة.
وعلى نفس الدرب، سار مؤشر إس آند بي 500، الذي خسر 2.8% خلال الأسبوع المنتهي، بعد أن سجل يوم الجمعة أسوأ أيامه في إبريل/ نيسان الجاري. كما بلغت خسائر مؤشر ناسداك الأسبوعية 3.8%، لتقترب منذ بداية العام من 19%، وأكمل كلا المؤشرين أسبوعهما الثالث من الخسائر.
وينتظر المستثمرون قياسات جديدة للتضخم في أكبر اقتصاد في العالم، يأتي أولها مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي للأفراد، هذا الأسبوع، بعدما اهتزت سوق الأسهم بسبب تصريحات مسؤولي البنك المركزي الذي أكد نبرته المتشددة، في إشارة إلى أنّ الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة قادمة من أجل التعامل بحزم مع التضخم.
واعتبر ستيفن فولين، مدير المحافظ لدى شركة أف أل بوتنام لإدارة الاستثمار، أنّ الأسهم الأميركية تخضع حالياً لضغوط كبيرة بسبب توقعات ارتفاع معدلات الفائدة أكثر مما كان متوقعاً قبل كلمات رئيس البنك الفيدرالي الأخيرة.
وأكد فولين أنّ الزخم الاقتصادي الذي بدأ العام الماضي، في أعقاب التعافي من الوباء ومحاولة الاقتصادات الكبرى الخروج من الركود الذي حدث عام 2020 "يقابله تحول سريع للغاية في السياسة النقدية"، بينما المستثمرون يكافحون لفهم كيفية التعامل مع التطورات الحالية، مضيفاً: "لست متأكداً من أن أي شخص يعرف الإجابة حقاً".
وفي تقريرهم ربع السنوي عن توقعات الربع الثاني من العام للأسواق الأميركية، أكد مسؤولو شركة أوستروايز لإدارة الاستثمار أن "المشهد الجيوسياسي تغير بشكل كبير خلال الربع الأول من العام مع تبدل عناوين الأخبار من الوباء العالمي إلى الحرب في أوكرانيا، والتبعات السلبية الكثيرة للغزو الروسي".
وفي مؤشر على كثرة المؤثرات على الأسواق في الفترة الأخيرة، أضاف المسؤولون: "أثار الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط مخاوف من حدوث تضخم جامح، ويتعين علينا الآن مناقشة التأثير على النمو والتضخم في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، لا تزال تتعين علينا متابعة سلاسل التوريد".
وبينما يعتبر المحللون استمرار ارتفاع معدل التضخم الأميركي، الذي وصل حتى الآن إلى أعلى مستوياته في أكثر من 40 عاماً، علامة على الاقتراب من المزيد من رفع معدلات الفائدة، يتعامل مستثمرو الأسهم مع أي علامة على تراجع معدل التضخم على اعتبار أنها علامة إيجابية لأسعار الأسهم.
وفي خضم محاولاته كبح جماح التضخم من خلال اتباع سياسة نقدية متشددة، يرغب الاحتياطي الفيدرالي في إتمام "الهبوط الآمن" حتى لا يتسبب في إحداث ركود اقتصادي عظيم.
لكن مسؤولة إدارة المحافظ لدى شركة نيويورك لايف إنفستمنز، لورين جودوين، ترى أن تراجعات أسعار الأسهم الأخيرة "ربما تشير إلى أن الأسواق بالغت في رد فعلها تجاه توقعات رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي هذا العام".
ووسط كل العوامل المتضاربة، ما زال البعض متمسكاً بتفاؤله تجاه أسواق الأسهم، إذ يرى رئيس شركة سيبولد لإدارة الاستثمار، شين سيبولد، أنّ "الأمر ليس بهذا السوء" مضيفاً: "نعم سترتفع معدلات الفائدة، لكنّ إيرادات الشركات سترتفع معها أيضاً، وستستمر هوامش الربحية في الارتفاع، وتبقى سوق العمل على قوتها". وتابع: "النمو الاقتصادي سيتباطأ، لكنّه لن ينتهي".
ورغم بعض المتشائمين، فإنّ فكرة عدم وجود بديل أفضل من الاستثمار في الأسهم، في الوقت الحالي، ما زالت تسيطر على أغلب محللي وول ستريت.