تبدي معظم الأسر المغربية قلقها من استمرار أسعار السلع الغذائية في الصعود خلال العام الجاري، في سياق متسم بارتفاع التضخم الذي تعد الحكومة باحتوائه.
وأظهر استطلاع أجرته المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، أنّ 76.8% من الأسر تتوقع ارتفاعاً متواصلاً للأسعار، بينما تتوقع 5% فقط انخفاضها. وأشار الاستطلاع الذي كشفت الجهة الحكومية عن نتائجه، مساء الإثنين، إلى أنّ 98.9% من الأسر أكدت أن العام الماضي سُجلت زيادات في الأسعار، ما يجعلها لا تنتظر انخفاضاً في هذا العام.
يأتي ذلك في ظل تصريح 83.1% من الأسر بتدهور مستوى معيشتها في العام الماضي، بينما لم يغير العام الجديد انطباعات 52.4% من الأسر التي تترقب تواصل تدهور مستواها المعيشي.
زيادة أسعار المنتجات الغذائية
وتشير البيانات الرسمية إلى بلوغ معدل التضخم 6.6% العام الماضي، مقابل 1.4% في عام 2021. ويأتي الصعود اللافت في التضخم متأثراً بزيادة أسعار المنتجات الغذائية بنسبة 14.4% والسلع غير الغذائية بنسبة 4.5%، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
وفي مقابل تشاؤم الأسر من استمرار الأسعار في الصعود خلال العام الجاري، تراهن الحكومة على تثبيت معدل التضخم في حدود 2%، غير أن البنك المركزي يتوقع أن يصل المعدل إلى 3.9% في 2023 و4.2% العام المقبل مع التوجه نحو تحرير أسعار السلع المدعمة حالياً.
ويقول محمد الهاكش الخبير الاقتصادي إن الحكومة لا تتحكم في الكثير من العوامل المسببة للتضخم، ما يجعلها غير قادرة على حصره في حدود 2% وفق تقديراتها للعام الجاري، إذ تجمع التقارير الدولية على أنه من المتوقع أن تستفحل أزمة التضخم في العديد من المناطق بالعالم.
ويضيف الهاكش في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تراهن على محصول حبوب في حدود 7.5 ملايين طن بعد تراجع حاد في محصول الموسم الماضي الذي سجل نحو 3.4 ملايين طن، غير أن ذلك يبقى رهيناً بسقوط الأمطار التي لا تدعم إلى حدود الآن توقعات الحكومة.
وتساهم الزراعة بنسبة 15% في الناتج الإجمالي المحلي، وتساهم في خلق حوالي 40% من فرص العمل، علماً أنّ أكثر من 80% من الأراضي الزراعية تعتمد على الأمطار.
ويشير الهاكش إلى تضافر العديد من العوامل المتمثلة في استيراد السلع الغذائية التي بلغت مستويات قياسية بفعل مشتريات القمح والجفاف وزيادة تدخل الوسطاء في السوق وضعف المراقبة، ما من شأنه أن يثقل على الأسر التي تشعر بأن قدرتها الشرائية تتضرر أكثر، ما يدفعها إلى الشكوى من تراجع مستوى معيشتها.
الأمن الغذائي
وتجلت في العامين الأخيرين أهمية الأمطار، التي تساهم في ضمان جزء من الأمن الغذائي، الذي طرح بحدة في ظل ارتفاع واردات الغذاء، لا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا نهاية فبراير/ شباط الماضي.
ويعتبر مراقبون أنه ما دام المغرب يستورد 40% من احتياجات الاستهلاك، فإنّ مواجهة صعوبات على الصعيد الفلاحي ستفضي إلى ارتفاع التضخم بفعل الاستيراد.
وقفزت مشتريات المغرب من الغذاء في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي إلى 7.35 مليارات دولار، مقابل 4.76 مليارات دولار في نفس الفترة من العام 2021، وفق بيانات صادرة عن مكتب الصرف نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 54.4%.
وأشارت البيانات إلى صعود مشتريات القمح والشعير والسكر الخام والمكرر، ووصلت قيمة مشتريات القمح إلى 2.23 مليار دولار حتى أغسطس/ آب فقط، مقابل نحو مليار دولار في الفترة المناظرة من العام السابق.
وساهمت واردات الغذاء بالإضافة إلى مشتريات الطاقة، في الفترة المذكورة، في توسيع عجز الميزان التجاري للمغرب، ليبلغ 26 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، بزيادة بلغت قيمتها 9.4 مليارات دولار عن نفس الفترة من العام 2021.
الاحتجاجات المعيشية
وتكرر مشهد الاحتجاجات المعيشية في المغرب خلال الشهور الماضية، خاصة بسبب غلاء السولار والبنزين، اللذين قفزت أسعارهما إلى حوالي ضعف المستوى الذي كانت عليه في ظل الحجر الصحي قبل أكثر من عامين.
ودأب رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، على القول إنه رغم التدابير التي اتخذت بهدف زيادة مخصصات الدعم، إلّا أن الغلاء مستورد، مشدداً على أنه لم تجر الزيادة في العديد من السلع والخدمات، واعتبر أنّ التدخل من أجل الدعم له حدوده.